كان الجاعور قد أوقف على خلفية دعمه ومشاركته في الثورة السورية، بحسب روايات سجناء وحقوقيين. (المدن)
سادت حالةٌ من الغضب والسّخط داخل سجن روميّة المركزيّ عقب وفاة السّجين السّوريّ أسامة الجاعور، المنحدر من مدينة القصير في ريف حمص، بعد سنين من التّوقيف في ظروف احتجازٍ قاسيةٍ. وكان الجاعور قد أوقف على خلفيّة دعمه ومشاركته في الثّورة السّوريّة، بحسب روايات سجناء وحقوقيّين.
رواياتٌ من داخل السّجن
قال أحد نزلاء المبنى "باء" المخصّص لفئةٍ "الإرهاب" من السّجناء لـ"المدن": "إنّ الجاعور كان عنصرًا في الجيش الحرّ، ولجأ إلى لبنان بعد سقوط القصير، ولم يكن مطلوبًا بجرائم داخل الأراضي اللّبنانيّة. اعتقل قبل ستّ سنواتٍ، ثمّ صدر بحقّه حكمٌ بالمؤبّد بسبب مشاركته في الثّورة". وأضاف: "تدهورت حالته الصّحّيّة تدريجيًّا، وفقد توازنه العقليّ قبل نحو عامين، ونقل إلى مبنى مخصّصٍ للأمراض النّفسيّة من دون دواءٍ أو علاجٍ كافٍ".
أزمةٌ صحّيّةٌ متفاقمةٌ
ويشكو السّجناء من تفشّي أمراضٍ جرثوميّةٍ وجلديّةٍ، وعودة إصابات الكوليرا والتّيفوئيد، في ظلّ انقطاعٍ شبه دائمٍ للكهرباء وشحٍّ في موادّ التّنظيف والأدوية. وتقول رواياتٌ من الدّاخل إنّ بعض المستشفيّات الحكوميّة والخاصّة تمتنع عن استقبال نزلاء روميّة بحجّة عدم تسديد المستحقّات، فيما تحمّل مصلحة الصّحّة في قوى الأمن عائلات السّجناء عبء العلاج. ويشير سجناء وناشطون إلى أنّ نسبة إشغال السّجون تجاوز 380%، وأنّ سوء التّغذية ونوعيّة المياه الملوّثة يضاعفان أعداد المرضى ويرفعان وتيرة الوفيات. وفي تقريرٍ لمنظّمة العفو الدّوليّة، دعيت وزارة الصّحّة إلى اتّخاذ تدابير تأديبيّةٍ بحقّ المستشفيّات الّتي ترفض بصورةٍ غير قانونيّةٍ علاج النّزلاء، فيما يضع القانون اللّبنانيّ المسؤوليّة الصّحّيّة الكاملة على عاتق وزارة الدّاخليّة تجاه جميع المحتجزين لديها.
القضاء المعلّق وعقدة الاكتظاظ
يجمع مراقبون على أنّ مفتاح الحلّ قضائيٌّ بالدّرجة الأولى؛ إذ يمضي القسم الأكبر من النّزلاء سنين في التّوقيف الاحتياطيّ بلا محاكماتٍ ناجزةٍ. ويعوّل على إعادة تفعيل "محكمة روميّة" لتخفيف الضّغط لوجستيًّا، شرط أن يرفق ذلك بإرادةٍ قضائيّةٍ لتسريع التّحقيقات وإصدار الأحكام أو إخلاءات السّبيل عند انتفاء مبرّر التّوقيف. وتتجدّد الطّروحات بخفض السّنة السّجنيّة إلى تسعة أشهرٍ أو إقرار عفوٍ عامٍّ يستثني الجرائم الخطرة، غير أنّ الانقسام السّياسيّ يعطّل أيّ تقدّمٍ، فيما تعود التّحرّكات الاحتجاجيّة داخل السّجون دوريًّا لتذكّر السّلطات بأنّ "الانفجار" ممكنٌ في أيّ لحظةٍ.
كلفة الإهمال على الدّولة والمجتمع
وترى جهاتٌ حقوقيّةٌ أنّ الأزمة داخل السّجون ليست ترفًا يمكن تأجيله؛ فعندما يفقد السّجين ثقته بالقضاء وبحقّه في العلاج، تتفاقم الاضطرابات داخل الزّنازين وتتمدّد خارجها. كما أنّ وفاة أيّ سجينٍ بسبب الإهمال أو الانتحار تمثّل وصمةً أخلاقيّةً على جبين المؤسّسات المفترض أن تحمي حياة المحتجزين لديها.
والحال، ليست وفاة أسامة الجاعور حادثةً منعزلةً بقدر ما هي جزءٌ من مشهدٍ أوسع لأزمةٍ صحّيّةٍ وقضائيّةٍ متشابكةٍ داخل السّجون اللّبنانيّة. وبين اكتظاظٍ قياسيٍّ وانهيار خدماتٍ أساسيّةٍ وتعطّل العدالة، تتزايد الدّعوات إلى خطّة إنقاذٍ عاجلةٍ تعيد الاعتبار لحقوق السّجناء وصحّتهم وكرامتهم، وتخفّف في الوقت نفسه الأعباء عن قوى الأمن والقضاء."
تعليقات: