في العديسة حيث لا يمكن الوصول إلى أراضي الأهالي
بعد شهرين من إعلان تسلم بلدية العديسة 87 دونماً من أراضيها النظيفة من الألغام بفضل فريق «باكتيك» بتمويل كندي، لا تجد بين قاطني العديسة من يشهد أن قدميه وطئتا حقل والده المحروم منه منذ أن احتلت إسرائيل هذه الأراضي. وتعلل البلدية الأمر، بأن ثمة إشكاليات بشأن ملكية الأراضي. لكن هل يتلخص الأمر بذلك؟
«كذبوا علينا، وقالوا: نظفنا حقول العديسة من الألغام؛ هذا غير صحيح»، بهذا يطالعنا مختار بلدة العديسة الغاضب خليل علي سلمان رمال، حين سألناه عن صحة الخبر أن أرض العديسة نُظّفت من الألغام كما كان قد أعلن سابقاً، ويضيف «ربما نظفوا 400 دونم من أصل أكثر من 1800 دونم مفخخة بألغام إسرائيلية بشكل متراكم على مدى الحروب المتكررة، شاهدنا وسمعنا على التلفزيون أن بلدية العديسة تسلمت قسماً من هذه الأراضي، لكن حتى الآن لم يتمكن أحد من أبناء البلدة، وأنا واحد منهم، من الوصول إلى أرضه المحروم منها منذ أكثر من 30 عاماً».
هكذا إذاً، فبعد شهرين من تسلّم بلدية العديسة (الواقعة في قضاء مرجعيون) سبعة وثمانين دونماً من الأراضي المحررة من الألغام، في أعقاب تنظيفها من جانب فريق «باكتيك» بتمويل من الحكومة الكندية، لا تجد بين قاطني العديسة من يشهد أنه زار أرضه المحررة أو وطئت قدماه حقل والده أو جده المحروم منها منذ أن احتلت إسرائيل هذه الأراضي منذ عام 1978. وتعلل البلدية الأمر بأن ثمة إشكاليات بشأن ملكية الأراضي «المحررة» ولا يمكن للبلدية تسليمها.
ويشير المختار رمال إلى أن «احتفال التسلم والتسليم الذي جرى برعاية السفير الكندي منذ شهرين لم نبلغ به، لا أنا ولا المختار الآخر في العديسة، أو حتى أصحاب الأراضي! أملك أرضاً قريبة من مركز الطوارئ، هذا المحيط كله لم يدخل إليه نازعو الألغام أو حتى قوات الطوارئ، فكيف سنجرؤ نحن على دخوله؟». ويتابع «يتردد أن هناك ما بين 8 آلاف و12 ألف لغم لم تزل مزروعة في عدد من حقول العديسة على التلال الجنوبية والجنوبية الشرقية المشرفة على البلدة» ويضيف: «شاهدنا على التلفزيون وسمعنا عن التخلص من 4569 لغماً أرضياً زرعها العدو الإسرائيلي، عال يا أخي. صدقنا. وماذا عن الباقي؟».
ويؤكد المختار «أن ما نُظّف هو بعض الحقول نحو الغرب، لجهة بلدة مركبا. فعائلتنا تملك خمسة وخمسين دونماً لم ندخلها منذ أكثر من ثلاثين عاماً. وحتى الآن لم نتمكن من دخولها بسبب الألغام التي لم تزل مزروعة». ويرجح المختار رمال أن تكون قوات الطوارئ قد توقفت عن إزالة الألغام، إما بسبب نفاد الأموال المخصصة لتلك العملية (كما كان قد أعلن سابقاً عن توقف بعض الدول عن تمويل العملية)، بانتظار مبالغ جديدة، أو أن إسرائيل تمنع الطوارئ من تنظيف بعض الحقول لاستراتيجية ما تناسبها هي، واليونيفيل تلزم الصمت!».
وفي عبور للسيارة بمحاذاة حقل «حرجي» يقع على مسافة مئة متر من ساحة العديسة باتجاه الجنوب الشرقي، يتنهد حسن زين طباجة عميقاً ثم يزفر بجلبة، ليبدأ بالحديث عن أرض والده «التي حرمنا من دخولها بسبب الاحتلال الإسرائيلي وألغامه» كما يقول. ويضيف الرجل: «بعد التحرير في عام 2000، كانت هناك علامات وأعمدة حديدية تشير إلى حدود هذه الأرض. (مشيراً بيده إلى كرم محاذ للطريق، يبدو مهملاً من مدة طويلة) جاءت قوات الطوارئ وفجرت غرفة قديمة عند زاويتها، وعللت ما قامت به، بشكها في أن تكون الغرفة ملغمة من الإسرائيليين؛ منذ ذاك الحين وحتى اليوم، لا نجرؤ على دخولها خوفاً من وجود الألغام فيها. لم يأتِ أحد ليقول لنا أرضكم نظيفة وصار بإمكانكم استلامها، ونسأل ولا نعرف على من نتكل بجواب نهائي، وبسبب الإهمال المتراكم تحوّلت أرضنا إلى ما يشبه الأدغال».
رئيس بلدية العديسة المحامي أسامة رمال نفى «ادعاءات الأهالي وبعض المختارين أن الحقول لم تزل مزروعة بالألغام(!!)»، وقال لـ «الأخبار» «إن الكنديين قاموا بما عليهم في هذا المجال، وسلمونا الأرض التي أوكلوا أمر تنظيفها بموجب خرائط تسلموها من قوات الطوارئ؛ لكن المشكلة المستعصية في العديسة، هي أن لا مساحة أو إفادات عقارية في العديسة حتى نعرف لمن هذا الحقل أو ذاك، حتى نعيده إلى صاحبه؛ فالحقول ما زالت متداخلة بين مالكين بالعلم والخبر (إفادة مختار) وبين العديد من الورثة الذين لا يعلمون بموقع أراضيهم وحدودها، حتى يتفقوا على تقاسمها. وهناك أيضاً مشاعات للبلدية. نحن قلنا: من لديه إثبات على أي ملكية تقع ضمن الأراضي المنظفة من الألغام فليتقدم به، ونحن سنسلمه أرضه فوراً، إنما لا يمكن أن نعطي أي حقل لكل من يدعي أنه له، وكفى».
وإذ يؤكد رئيس البلدية رمال أن معظم أراضي العديسة صارت نظيفة من الألغام، يؤكد أن «ذلك لا يعني أن نترك كل شيء ونعلن أن من له حقل فليذهب ويستلمه، فهذا يعني تعميم الفوضى. المنطقة بعد التحرير كانت محظورة، وتحت وصاية قوات الطوارئ الدولية. اليوم صار بإمكاننا الذهاب إلى أرضنا، لكن تحت ظل القانون، وما اتُّفق عليه بين الدولة اللبنانية والأمم المتحدة. وهناك اتفاقات وأمور تنظيمية وأمنية دولية لا يمكن تجاهلها». ثم يستطرد «يا زلمي في ناس مقيمين بالعديسة يمر الخط الأزرق في بيوتهم، ما يجعلهم مقيمين بالجهة الإسرائيلية». ويذكر في هذا المجال أن البلدية أرادت في وقت سابق إقامة أرصفة على مدخل البلدة، فاحتج الإسرائيليون لدى الأمم المتحدة على أن الأشغال تجري على «أرضهم» الواقعة من جهتهم من الخط الأزرق! ثم يقول «لا نريد للناس أن يسرق بعضهم بعضاً وأن تضيّع حقوق الملاكين والمشاعات، إن ما تحرر ليس قطعة موكيت نسعى لتوزيعها بالتساوي، هناك حقوق وواجبات، وعلى الجميع الالتزام بها، وإلا من يردّ بعض الناس عن بعض إذا وقعت الخلافات؟».
ويختم: «أنا لا أقر بانتفاء الألغام نهائياً من أراضينا، فالأمم المتحدة نظفت الحقول التي لها خرائط ألغام، وهناك حقول مشكوك بأمرها، تحتاج لإعادة الكشف عليها، وهذه مهمة الدولة اللبنانية والأمم المتحدة. قطعنا شوطاً كبيراً، لكن لا نريد أن نضيع ما بنيناه طبقاً لمزاج البعض أو الفوضى».
الاتفاق الغامض
يتعلق بمناطق انتشار قوات الطوارئ؛ ونقاط عالقة بين لبنان وإسرائيل منذ رسم الخط الأزرق، أكثرها تعقيداً في العديسة، التي فقدت بشكل غير مفهوم قسماً من أراضيها كانت إسرائيل قد قضمته قبل عام 1978.وحتى اليوم لم يتّضح الاتفاق بين لبنان والأمم المتحدة بشأن العديسة، وخصوصاً أنه لا يبدو مرضياً لإسرائيل.
تعليقات: