محاكاة إسرائيلية لبلدة لبنانية في الجولان: الحرب لم تنتهِ!

«جبهة الشمال كانت التهديد الأكثر ترجيحاً لأي مواجهة مع المقاومة» (من الويب)
«جبهة الشمال كانت التهديد الأكثر ترجيحاً لأي مواجهة مع المقاومة» (من الويب)


هذا الواقع يدعم التقييم بأن هذه المناورات ليست مجرد استعداد دفاعي، بل تعكس عقيدة توسعية واستراتيجية احتلالية واضحة.

في خطوة تحمل أبعاداً عسكرية وسياسية، كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية أن الجيش الإسرائيلي يقيم منشأة تدريب بالذخيرة الحية في منطقة عين فيت بهضبة الجولان، مصممة لمحاكاة «مدينة لبنانية». هذه المنشأة، التي وصفت بأنها «سرية»، تهدف إلى تدريب القوات على القتال في بيئات حضرية شبيهة ببلدات الجنوب اللبناني.

ورغم الصمت الرسمي حول تفاصيل المشروع، فإن اختيار الجولان كمسرح لتلك المحاكاة ليس تفصيلاً لوجستياً فحسب، فالموقع ينسجم مع ما دأب عليه الجيش الإسرائيلي منذ سنوات، إذ تحولت هذه المنطقة إلى ميدان تدريب دائم، يستضيف بانتظام مناورات برية وجوية معقّدة تحاكي اشتباكات في تضاريس جبلية وقرى محصنة، وهو ما يعكس تركيز المؤسسة العسكرية على جبهة الشمال باعتبارها كانت التهديد الأكثر ترجيحاً لأي مواجهة مع المقاومة.

الجولان... ميدان مفتوح للشمال

في شباط 2025، نفّذت الفرقة 210 مناورة واسعة بالذخيرة الحية، بمشاركة قوات احتياط ومدرعات ووحدات طيران، تحت سيناريو «هجوم مفاجئ» من الشمال و«اقتحام حزب الله للجليل».

وقبلها بأشهر، في حزيران 2024، أُجرى الجيش الإسرائيلي تدريبات ميدانية لاقتحام مناطق حضرية وأخرى مفتوحة، باستخدام الدبابات والمشاة القتالية، في محاكاة واضحة لطبيعة القتال في الجنوب اللبناني، وامتداداً لتمرين «عربات النار» عام 2023 الذي دمج القوات البرية والجوية والاستخباراتية لرفع الجهوزية لحروب متعددة الجبهات.

منشأة عين فيت ليست الوحيدة؛ فقاعدة «Snir» في الجولان تضم مباني وأنفاقاً ومساحات تحاكي قرى لبنانية، مدعومة بأنظمة محاكاة رقمية تتيح تدريب القوات على الحرب الإلكترونية وتشغيل المسيّرات الهجومية، بما يعكس دمج التكنولوجيا في الميدان كجزء أساسي من عقيدة القتال الإسرائيلية، لكن هل الجولان هو المسرح الوحيد للمناورات الإسرائيلية؟

قبرص... «وجهة مثلى لإسرائيل»

منذ أكثر من عقد، تحوّلت قبرص إلى ميدان مفضّل للتدريب الإسرائيلي؛ فتضاريس جبال «ترودوس» وغابات «باهوس» توفر بيئة مشابهة لجنوب لبنان، بعيداً عن المراقبة المباشرة. وقد شهدت الجزيرة تدريبات للوحدات الخاصة مثل «إيغوز» و«لواء الكوماندوز» منذ 2017، وعمليات مشتركة مع الحرس الوطني القبرصي لمحاكاة الاقتحام في بيئات جبلية معقّدة.

في عام 2022، ضمن تمرين «ما وراء الأفق» (جزء من «عربات النار»)، نُقلت قوات خاصة جواً وبحراً إلى قبرص لتنفيذ عمليات هجومية تحاكي السيطرة على مناطق داخل العمق اللبناني. وفي عام 2023، ركّز تمرين «Blue Sun» على الضربات الجوية بمشاركة مقاتلات «F - 16» ومروحيات «أباتشي»، إضافة إلى تدريبات إخلاء جرحى تحت النيران.

العلاقة العسكرية بين إسرائيل وقبرص تعزّزت منذ عام 2011، بعد أزمة سفينة مرمرة مع تركيا، عبر اتفاقيات سرّية شملت التعاون الاستخباراتي، والسماح المتبادل باستخدام القواعد الجوية والبحرية. هذه الترتيبات تتيح استخدام الأراضي القبرصية كنقطة انطلاق لأي عدوان ضد لبنان أو سوريا، تحت غطاء «التدريب» أو «الإنقاذ المشترك».

عقيدة قتالية موجهة للشمال

المناورات في الجولان وقبرص تعبّر عن عقيدة قتالية ركزت على:

• الاستعداد لحرب متعددة الجبهات، مع احتمال تزامن المواجهة مع حزب الله مع تصعيد في غزة أو الضفة الغربية المحتلة.

• التفوّق في القتال الحضري والجَبَلي، حيث يفرض الجنوب اللبناني تحديات مركّبة بين القرى المحصنة والتضاريس الوعرة.

• دمج التكنولوجيا، من الطائرات المسيّرة إلى أنظمة القيادة الرقمية.

ترتبط هذه الركائز بما يُعرف بـ«المثلث الأمني» الذي صاغه بن غوريون، والقائم على الردع، والإنذار المبكر، والقدرة على القهر. وقد حافظت المؤسسة الأمنية على هذه الركائز، لكنها عدّلت أدواتها بما يتناسب مع تحولات البيئة الإقليمية، وخصوصاً بعد العدوان الإسرائيلي على الجنوب بين عامي 2023 و2024، عبر رفع كفاءة الاستخبارات وزيادة فعالية الضربات الاستباقية.

كما يندرج ضمن هذه العقيدة مبدأ «نقل المعركة إلى أرض العدو» لتعويض غياب العمق الجغرافي، وهو ما يفسر حرص الجيش على التدريب في بيئات مشابهة لجنوب لبنان أو الجولان، لضمان المبادرة في أي مواجهة.

وعليه، فإن إسرائيل تواصل الإعداد الميداني لسيناريوهات الحرب الشاملة على الجبهة الشمالية، بما ينسجم مع عقيدتها التوسعية التي عبّر عنها رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو في تصريحه الأخير عن «إسرائيل الكبرى».

هل هناك تهديد حقيقي؟

في حديث لقائد الجبهة الشمالية المنتهية ولايته اللواء أوري غوردين، يتضح تناقض جوهري في السياسة الإسرائيلية، إذ أكد أن الوضع الأمني على الحدود الشمالية هو «الأفضل منذ عام 1982»، وأن حزب الله فقد قيادته، ولا توجد قوات قادرة على تنفيذ اقتحامات أو تهديد واسع للشمال، مع قوة دفاعية منظمة ومهيأة جيداً.

وفي ظل هذا الاعتراف الصريح بعدم وجود تهديد، يبقى السؤال: لماذا يواصل الجيش الإسرائيلي محاكاة القرى اللبنانية وإجراء مناورات واسعة النطاق؟ إذا كان الهدف دفاعياً بحتاً، فلماذا يكرر العدو تدريبات هجومية، ويستثمر في تجهيزات لمحاكاة السيطرة على العمق اللبناني؟ هذا الواقع يدعم التقييم بأن هذه المناورات ليست مجرد استعداد دفاعي، بل تعكس عقيدة توسعية واستراتيجية احتلالية واضحة.

هذا النهج العسكري لا ينفصل عن الرؤية السياسية التي عبّر عنها نتنياهو، حين شدّد على ضرورة تعزيز السيطرة على «المناطق الحيوية» بما فيها الجولان والضفة الغربية، وترك الباب مفتوحاً أمام توسيع «العمق الاستراتيجي» نحو الشمال. هذه المناورات ليست «دفاعية» كما يروّج الاحتلال، بل جزء من مشروع يعيد رسم الحدود وفق مشروع «إسرائيل الكبرى».

تاريخياً، لجأ الجيش الإسرائيلي إلى محاكاة واقعية لساحات القتال المستقبلية؛ ففي الثمانينيات، بُنيت قرى تدريبية في النقب لمحاكاة شوارع بيروت. وفي العقدين الأخيرين، أنشئت مواقع مثل قاعدة «تسيئيليم» لاختبار سيناريوهات مواجهة الأنفاق والصواريخ قبل حرب غزة 2014.

من هنا، تبدو منشأة عين فيت وتدريبات قبرص أكثر من مجرد استعدادات عسكرية؛ بل هي جزء من مشروع أوسع، يربط بين الميدان والسياسة، وبين الذخيرة الحية والخطاب الأيديولوجي، كما بين «الجاهزية الدفاعية» ووقائع التوسع الاستراتيجي على حساب الأراضي العربية. ومع استمرار هذا المسار، تبقى الجبهة الشمالية على فوهة بركان، تنفجر مع تحوّل المحاكاة إلى مواجهة فعلية.

نفّذت الفرقة 210 مناورة واسعة بالذخيرة الحية في شباط 2025 (من الويب)
نفّذت الفرقة 210 مناورة واسعة بالذخيرة الحية في شباط 2025 (من الويب)


تحوّلت قبرص إلى ميدان مفضّل للتدريب الإسرائيلي (من الويب)
تحوّلت قبرص إلى ميدان مفضّل للتدريب الإسرائيلي (من الويب)


هذا النهج العسكري لا ينفصل عن الرؤية السياسية التي عبّر عنها نتنياهو (من الويب)
هذا النهج العسكري لا ينفصل عن الرؤية السياسية التي عبّر عنها نتنياهو (من الويب)


تعليقات: