الجولة الثانية من حرب إيران وإسرائيل: هل باتت على الأبواب؟

فشلت إسرائيل في تحويل إيران إلى نسخة ثانية من سوريا (أ ف ب)
فشلت إسرائيل في تحويل إيران إلى نسخة ثانية من سوريا (أ ف ب)


من الممكن أن تندلع الجولة الثانية من الحرب الإيرانية الإسرائيلية قبل شهر كانون الأول المقبل، بل وحتى أواخر الشهر الجاري، وستكون الجولة المقبلة أعنف وأكثر دموية، تحاول تل أبيب من خلالها تحقيق 3 أهداف أسياسية، بينما ستعمد طهران، على عكس الجولة الأولى، إلى خلع القفازات لتبديد أي انطباع بإمكانية إخضاعها تحت هيمنة إسرائيل العسكرية.

هذا ما خلص إليه تقرير نشرته مجلة «فورين بوليسي» الأميركية قبل بضعة أيام. التقرير الذي كتبه نائب رئيس «معهد كوينسي» الأميركي للدراسات، تريتا بارسي، تطرّق إلى عدة جوانب من الحرب الإيرانية الإسرائيلية الأخيرة، فتحدّث عن الأهداف التي سعت إسرائيل إلى تحقيقها من خلالها، وتأثريها على الشارع الإيراني. كما توقع الكاتب ردّ الفعل المحتمل من جانب طهران في حال تجدد الحرب، بالإضافة إلى الموقف الأميركي المحتمل.

أهداف الحرب الإسرائيلية

يعتبر كاتب التقرير أن الحرب الإسرائيلية لم يكن هدفها البرنامج النووي الإيراني حصراً، بل تغيير ميزان القوى في الشرق الأوسط، مع كون القدرات النووية الإيرانية عاملاً مهماً لكن غير حاسم. وعلى مدى أكثر من عقدين، دفعت إسرائيل الولايات المتحدة إلى اتخاذ إجراء عسكري ضد إيران لإضعافها واستعادة ميزان إقليمي لصالحها—ميزان لا تستطيع تحقيقه بمفردها.

في هذا السياق، يحدد بارسي الأهداف الـ3 الأساسية التي وضعها الجانب الإسرائيلي قبل مهاجمة طهران في حزيران الفائت.

جرّ الولايات المتحدة إلى صراع عسكري مباشر مع إيران.

قطع رأس النظام الإيراني.

تحويل إيران إلى نسخة جديدة من سوريا أو لبنان (بلدان يمكن لإسرائيل قصفها من دون عواقب ودون الحاجة إلى تدخل أميركي).

يرى بارسي أن إسرائيل لم تحقق سوى هدف واحد من هذه الأهداف الثلاثة، كما إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يتمكّن من «محو» البرنامج النووي الإيراني ولا تأخيره لمدة زمنية طويلة.

بعبارة أخرى، فإن إسرائيل حققت عبر هجماتها في حزيران نصراً جزئياً في أفضل الأحوال. النتيجة المفضّلة لها كانت أن ينخرط ترامب بشكل كامل، مستهدفاً القوات الإيرانية والبنية التحتية الاقتصادية. ولكن ترامب يخشى الحرب الشاملة مع إيران، لذلك صُمم الهجوم الأميركي على المنشآت النووية الإيرانية بهدف الحد من التصعيد لا توسيعه، وعلى المدى القصير نجح، ولكن على المدى الطويل، سمح لإسرائيل بأن توقعه في دوامة تصعيدية، طبقاً للمصدر نفسه.

أما الهدفان الآخران لإسرائيل، فقد باءا بالفشل. فرغم نجاحات استخبارية مبكرة مثل قتل 30 قائداً بارزاً و19 عالماً نووياً، إلا أن هذه الضربات لم تتمكن سوى من تعطيل القيادة والسيطرة الإيرانية مؤقتاً. فخلال 18 ساعة، كانت إيران قد عيّنت معظم، إن لم يكن كل القادة البدلاء، وأطلقت وابلاً ثقيلاً من الصواريخ، لتثبت قدرتها على امتصاص خسائر كبيرة مع الاستمرار في شنّ هجوم مضاد عنيف.

كما فشلت إسرائيل في تحويل إيران إلى نسخة ثانية من سوريا وفي فرض هيمنة جوية مستدامة من دون دعم أميركي. فمع أن إسرائيل سيطرت على الأجواء الإيرانية خلال الحرب، إلا أنها لم تعمل بلا رادع، إذ ألحق الرد الصاروخي الإيراني أضراراً هي غير قادرة على تحملها، وفقاً لبارسي.

العدوان أتى بنتيجة عكسية على الشارع الإيراني

على عكس توقعات إسرائيل، فإن قتل قادة بارزين في الحرس الثوري الإسلامي لم يؤدِّ إلى احتجاجات جماهيرية أو انتفاضة ضد الجمهورية الإسلامية. بل على العكس، فقد اصطف الإيرانيون، على اختلاف توجهاتهم السياسية، خلف العلم، حتى وإن لم يكن خلف النظام نفسه، مع اجتياح موجة من المشاعر القومية البلاد.

يرى التقرير أن إسرائيل لم تستطع استغلال تراجع شعبية النظام الإيراني. فبعد ما يقرب من عامين من ارتكاب الفظائع في غزة وشنّ هجوم مباغت على إيران في خضم المفاوضات النووية، لم يرَ إسرائيل بصورة إيجابية سوى قطاع صغير من الإيرانيين غالباً من أبناء الشتات.

في الواقع، بدلاً من تعبئة الشعب ضد النظام، نجحت إسرائيل في منح سردية الجمهورية الإسلامية حياة جديدة. فبدلاً من إدانة النظام على استثماره في البرنامج النووي والصواريخ وشبكة الحلفاء في المنطقة، أصبح كثير من الإيرانيين غاضبين بعدما تبيّن لهم أن عناصر الردع هذه غير كافية، وفقاً لما ذكره التقرير.

ضربة إسرائيلية جديدة تقترب؟

من وجهة نظر بارسي، فإنه وبغضّ النظر عمّا إذا كانت إيران ستستأنف تخصيب اليورانيوم، فإن إسرائيل مصممة على حرمانها من الوقت اللازم لإعادة بناء ترسانتها الصاروخية، أو إصلاح دفاعاتها الجوية، أو نشر أنظمة مطوَّرة. هذا المنطق هو جوهر إستراتيجية إسرائيل المعروفة بـ«جزّ العشب»: الضرب بشكل وقائي ومتكرر لمنع الخصوم من تطوير قدرات يمكن أن تتحدى التفوق العسكري الإسرائيلي.

وهذا يعني أنه، ومع بدء إيران بالفعل في إعادة بناء قدراتها العسكرية، لدى إسرائيل حافز لشنّ ضربة عاجلاً لا آجلاً. فضلاً عن ذلك، تصبح الحسابات السياسية حول هجوم جديد أكثر تعقيداً بمجرد دخول الولايات المتحدة موسم الانتخابات النصفية. ونتيجة لذلك، يرى كاتب التقرير أن الهجوم قد يحدث في الأشهر القليلة المقبلة.

ويضيف بارسي أن هذا ما يسعى القادة الإيرانيون إلى ردعه. ولإزالة أي وهم بأن إستراتيجية «جزّ العشب» الإسرائيلية ناجحة، يرى أنه من المرجح أن تضرب إيران بقوة وسرعة في بداية الحرب المقبلة.

أسئلة محورية قبل الجولة الثانية

يطرح بارسي في تقريره أسئلة محورية ستسهم في رسم ملامح الجولة المقبلة من الحرب بين إيران وإسرائيل، منها: هل تستطيع إسرائيل إعادة ملء مخزونها من الصواريخ الاعتراضية أسرع مما يمكن لإيران إعادة بناء منصات إطلاقها وتخزين ترسانتها الصاروخية؟ هل لا يزال لدى الموساد وجود عميق داخل إيران، أم أن معظم أصوله استُهلكت في محاولة إسقاط النظام خلال الجولة الأولى؟ هل اكتسبت إيران فهماً أكبر لكيفية اختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية؟ أم أن إسرائيل تعلمت كيف تسدّ ثغرات منظومتها؟

ويعتبر بارسي أنه من المرجح أن تعيد إيران تقييم موقفها النووي، بعد أن أثبتت ركائز ردعها الأخرى، بما فيها «محور المقاومة» والغموض النووي، عدم كفايتها.

رهان على ترامب

يعتقد بارسي أن ردّ ترامب على حرب إسرائيلية ثانية مع إيران سيكون حاسماً. إذ يبدو أنه غير راغب في الانخراط في صراع طويل الأمد. سياسياً، تسببت ضرباته الأولى في اندلاع صراع داخلي داخل حركة «ماغا». أما عسكرياً، فكشفت حرب الـ12 يوماً عن فجوات خطيرة في مخزون الصواريخ الاعتراضية الأميركي، حيث استنزف كلّ من ترامب والرئيس الأميركي السابق جو بايدن جزءاً كبيراً من منظومات الدفاع الجوي الأميركية في منطقة لا يعتبرها أيّ منهما حيوية للمصالح الأساسية للولايات المتحدة.

ومع ذلك، فإن موافقته على ضرب إيران خلال الجولة الأولى جعلته يقع في فخّ إسرائيل، على حد تعبير بارسي، وليس واضحاً ما إذا كان قادراً على الخروج منه، خاصة إذا تمسّك بجعل «تصفير التخصيب» أساساً لأي اتفاق مع إيران. ويرى الكاتب أن المشاركة المحدودة لم تعد خياراً ممكناً بالنسبة إلى ترامب، حيث سيكون عليه إما الانضمام إلى الحرب بشكل كامل، أو البقاء خارجها. والبقاء خارجها يتطلب أكثر من مجرد رفض لمرة واحدة، بل يستلزم مقاومة مستمرة للضغط الإسرائيلي، وهو ما لم يُظهر حتى الآن الإرادة أو القدرة على القيام به.

 نجحت إسرائيل في منح سردية الجمهورية الإسلامية حياة جديدة (أ ف ب)
نجحت إسرائيل في منح سردية الجمهورية الإسلامية حياة جديدة (أ ف ب)


كشفت حرب الـ12 يوماً عن فجوات خطيرة في مخزون الصواريخ الاعتراضية الأميركي (أ ف ب)
كشفت حرب الـ12 يوماً عن فجوات خطيرة في مخزون الصواريخ الاعتراضية الأميركي (أ ف ب)


تعليقات: