غازي العريضي: السويداء ومصير سوريا

دروز السويداء - قضية السويداء باتت قضية دولية أميركية- اسرائيلية بامتياز (Getty)
دروز السويداء - قضية السويداء باتت قضية دولية أميركية- اسرائيلية بامتياز (Getty)


أصدرت وزارة الداخلية السورية في الأيام الأخيرة بياناً عن أحداث السويداء واعدة "بإجراء تحقيقات بالارتكابات التي حصلت خلال الأحداث الدموية البشعة التي عاشتها المحافظة ومحاسبة المرتكبين لأي جهة انتموا متحدثة عن تأمين ممرات إلى المدينة وإدخال مساعدات". بعد وقت قصير صدر موقفان واحد من الأمم المتحدة تحدث عن أحداث الساحل التي وقعت قبل أشهر، وأشار إلى جرائم ضد الإنسانية ارتكبتها قوات نظامية سورية وموالون للنظام السابق. ثم صدر بيان عن الحكومة الانتقالية يتحدث عن الموضوع ذاته ويشير إلى عمل لجنة التحقيق وما توصلت إليه. فعلياً نحن نتحدث عن أمرين : الأول "تدويل" أممي على مستوى الأمم المتحدة، التي تبقى مرجعية دولية مهما حاول كثيرون وعلى رأسهم اسرائيل الإساءة إليها، والتهرّب من تنفيذ قراراتها، وصولاً إلى تمزيق دستورها على منبرها من قبل سفير دولة الاحتلال. فهذه الهيئة لا تزال موجودة ولها شيئ من التأثير المعنوي. أما التدويل الفعلي فهو اليوم "حصري" بيد الإدارة الأميركية، ليس فقط بسبب لجوئها إلى حق الفيتو عند التصويت خصوصاً في ما يتعلق باسرائيل، ولكن هذا الحق ليس حصرياً لها إذ ثمة دول أخرى تملكه. ولكن موقع الولايات المتحدة اليوم ودخولها المباشر على الساحة السورية وإمساكها بأوراق كثيرة هناك، من العقوبات المفروضة على الدولة السورية، وصولاً إلى العلاقات مع دول الجوار وإلى "التبني" المباشر للحكومة السورية المؤقتة، إرضاء لبعض الدول من جهة، واستهدافاً لدول أخرى من جهة ثانية.. وكل هذا مؤقت. إذ عندما تحقق أميركا مكاسبها ومصالحها، وتجني وتستلم آلاف المليارات التي نالها الرئيس ترامب في زيارته الأخيرة إلى بعض دول الخليج، وهو يفاخر بذلك، سيتغير كل شيئ.

اعتدنا عند تدويل هذه الأزمة أو تلك في منطقتنا أن يذهب البعض إلى التعريب: "نحن أهل البيت"، "ثمة جامعة عربية"، "مصالحنا العربية نعالجها في البيت العربي" ... اليوم ليس ثمة بيت عربي متماسك. جزء كبير منه مدمّر. ليس ثمة جامعة عربية تلعب دورها بالحد الأدنى. صراع عربي – عربي في كل مكان على الأرض العربية. ليس ثمة مصالح عربية مشتركة. ثمة مكائد عربية- عربية. فخاخ عربية. لا ثقة. تسابق على توفير الحماية من قبل أميركا واسرائيل، وهدر أموال وتمزيق دول. وكل ذلك تحت شعار "الحضن العربي". عودة هذه الدولة أو تلك إلى "الحضن العربي". وينتشر الشعار ويعمّ ويستخدم هنا وهناك وفلسطين تصفّى. تحتل أرضها، وقادة الاحتلال يتحدثون عن توسيع احتلالهم إلى الأردن ومصر وسوريا ولبنان والسعودية، بوعد إلهي. وبالتالي، الدخول إلى عمق الحضن العربي. الحضن العربي ممزّق اليوم بالسكاكين العربية من السودان إلى ليبيا واليمن والعراق وسوريا ولبنان، واسرائيل تتمدّد. كفى شعارات فارغة من أي مضمون. اسرائيل تهدّد الجميع بالاحتلال وفرض الشروط والعرب في دنيا أخرى تماماً. هنا الخطورة في الوضع السوري. هذا عربي يقول لك: سوريا عربية وليست تركية. سوريا عربية ولكن ليست قطرية أو إماراتية. ويردّ آخر علناً أو بالهمس: سوريا عربية ليست إيرانية. ليست حزب الله. ليست علوية. ليست عربية من نوع آخر، وهكذا دواليك، ومصير وحدة سوريا مهدّد واسرائيل تتوعّد وتتمدّد وتفر ض شروطها الأمنية، وتريد ممرات أمنية لها ولمصالحها النفطية الاستراتيجية ولضمان أمنها. تتجاوز أميركا في بعض الأمور ولا ترى كل العرب المتسابقين المتفائلين المتنافسين على الأرض السورية، ولا تقيم لهم وزناً واعتباراً. قضية السويداء باتت قضية دولية أميركية- اسرائيلية بامتياز للأسف. يجب أن تكون عربية- إسلامية بمعنى الحفاظ على وحدتها واستقرارها وانتمائها العربي. الحكومة السورية معنية مباشرة بمحاكمة الذين أظهرتهم صور مواقع التواصل الاجتماعي وهم يقومون بالإعدامات في المستشفى الوطني في السويداء، وكثيرون معروفون بالصور والأسماء والممارسات والمسؤوليات. أي تأخير في هذا الأمر لا يصبّ في خانة استقرار الوضع ولا بنجاح محاولات إعادة الأمور إلى نصابها. يجب الإسراع في محاسبة كل المرتكبين وتأمين الطريق بشكل حاسم وإنزال أشد العقوبات الفورية لكل من يعمل على إقفالها، أو يعتدي على الناس، كما حصل منذ أيام. لا يجوز ان تحاصر أي منطقة سورية. ومسألة السويداء ليست مسألة إنسانية فقط بمعنى العمل على تأمين المساعدات، فهذا ضروري ومشكور كل من بادر إلى ذلك من الداخل السوري أو من لبنان، لكن ما يجري يكرّس شهوة وشهية اسرائيل في التدّخل تحت عنوان إنساني أو "أقلوي" بزعم حماية هذه الأقلية أو تلك. فتدخل سوريا مجدداً في متاهة لعبة وحروب " وحماية " الأقليات. ولا أعتقد أن هذا يحمي الانتصار في تغيير النظام الذي مارس أبشع الممارسات بحق شعبه ، بالعكس هذا يبدّده.

في هذا السياق مفيداً كان الاجتماع بين شقيق الرئيس الشرع والبطريرك اليازجي ثم لقاء الأخير بالرئيس ولو أنه تأخر كثيراً. أما وأنه قد حصل فينبغي تعميمه على الجميع بالانفتاح والحوار الداخلي وإشعارهم بالأمان والاطمئنان إلى مسار الأمور، وصولاً إلى مصالحة وطنية حقيقية تكون من خلال تركيبة سياسية جديدة، تشترك فيها مكونات البلد لتؤكد وحدة سوريا أرضاً وشعباً ومؤسسات وللنهوض بالدولة الجديدة. وأي خطاب مذهبي من جهات سورية أو عربية، أو سياسات تبنى على هذا الأساس وتحقن النفوس وتحفر في الذاكرة، فتعيد الأمور إلى ما كانت عليه منذ 1400 عام، فهذا لا ينسجم مع ما أطلقه وأعلنه الرئيس الشرع أكثر من مرة عندما قال: "ما علاقتنا بهذا الأمر؟"، "ولا مصلحة لنا به". هذا الكلام الاستراتيجي يهدده الخطاب المذهبي، تدمّره الممارسات المذهبية وتطيح به الرهانات عليه، كما الردود ضده من منطلقات مذهبية دينية، فتدخل سوريا في حروب لا تتوقف ويطاح بكل شيئ، ويتقدّم المشروع الاسرائيلي خطوات كثيرة، لأن الحروب الدينية في المنطقة هي هدف أساس من أهدافه. وسمعنا خلال الأيام الماضية كلاماً لنتانياهو وغيره عن "الوعود الالهية" و"النصر الالهي" ونسمع كلاماً من هنا وهناك عن "كربلائيات" موعودة، وعن "ضرورة بقاء الشرع لمدة معينة لنستفيد منه في لبنان"، في مواجهة الآخرين في الصراع المذهبي.

هذا تلاعب بمصير سوريا ومصير لبنان معاً. فحذار "تلازم المسارين" الجديد في هذا الإطار. إنه تلازم مساري الخراب والدمار وربح اسرائيل! الأنظمة تتغير لكن الدول يجب أن تبقى في حدودها، والانفصال ليس الخيار للرد على خطايا وممارسات ارتكبت او ترتكب، والدولة مسؤولة عن معالجتها بحزم وسرعة كما قلنا. مصير سوريا مرتبط بالسويداء، ومصير لبنان مرتبط بمصير سوريا، وعامل الوقت ليس لمصلحتنا في البلدين.

تعليقات: