بعد الطلاق تبدأ رحلة العذاب، خاصة في مجتمعاتنا، التي تسيطر فيها الذكورية (خليل حسن)
في المسلسل اللبناني "صالون زهرة"، تركع الممثلة أنجو ريحان أمام زوجها في المسلسل طالبة منه أن يُعيدها إلى المنزل وأنها مستعدّة لتقبّل التعنيف شرط ألا يُبعدها عن بناتها. يُجيبها الزوج (فادي أبو سمرا): "أني أتصرف حسب الشرع والقانون". ويكرر هذه العبارة أكثر من مرة كلما ترجّته طليقته بألاّ يحرمها من بناتها. مشهد موجع جدًا، لكنه ليس محدودًا ومقتصرًا على المسلسل، بل يتخطاه ليكون حقيقة في بيوت كثيرة، حيث يوصل الطلاق المرأة إلى مواقف "مُذلة"، فقط لأنّها أم وزوجة !!
عقد الزواج وأهمّيته
الشرع والقانون في البلاد المُتحضّرة يحميان المظلوم من جبروت الظالم. أما في بلادنا العربيّة، وفي محاكمنا الشرعيّة الشيعيّة بالتحديد، فالوضع مختلف تمامًا.
العقد شريعة المتعاقدين كما هو مُتعارف عليه. ولا أحد ينكر أن عقد الزواج هو شراكة ليست مؤقتة. لكن ليست أبدية أيضًا! لكننا لا نتزوج لكي ننفصل، ولا نُقيم الأعراس التي تُكلف آلاف الدولارات لكيّ نختلف بعد ذلك. أما الحضانة فتعرّفها الباحثة أمل الهواري بأنّها "إلزام شرعيّ وقانونيّ بتدبير شؤون الطفل ورعايته جسميًّا وروحيًّا وعلميًّا ممن له الحق في ذلك شرعًا".
عندما يتخذ الرجل والمرأة قرارهما بالارتباط الحقيقي، يكون جزءًا من مخططاتهم المستقبليّة "التكاثر". وعلى الأب والأم رعاية الأولاد وتأمين كل سبل الحياة اللائقة. وإن لم تنوجد معايير مدروسة ومُخطط لها للزواج، سيكون مصيره الفشل، أيّ الطلاق.
بالطلاق تبدأ رحلة العذاب، خصوصاً في مجتمعاتنا، التي تسيطر فيها الذكوريّة على العقول والنفوس. في حال عدم وجود أولاد تكون معاناة المرأة أو الرجل أقل ويتمّ الطلاق بهدوء أو باتفاق الطرفين. والعكس صحيح في حال وجود أولاد وخلافات بين الزوجين وعدم التوافق على كيفية رعاية الأولاد. فتكون الحضانة هي الحصرم الذي يأكله الأهل ويعاني منه الأولاد.
الطلاق أبغض الحلال
الحالات التي توثّق عذابات النساء مع الطلاق كثيرة. قضية عبير خشاب، وهي أم لطفلين، كانت صاخبة لا تزال ماثلة أمامنا. ولطالما نشرت مقاطع فيديوهات تتحدث فيها عن "ذو الشأنيّة"، أيّ طليقها، الذي يريد منعها من رؤية أولادها. وقد استمر ذلك لأشهر، إلى أن توقفت عن نشر أي تفاصيل تتعلق بالقضية.
في صيدا، وفي المحكمة الجعفريّة تحديدًا، امرأة لديها عشرة أولاد، تُحرم من ابنها ذي الأشهر العشرة بعدما طلّقها زوجها غيابيًّا! بعد فترة، تنشر ع. عن منع طليقها من رؤية ابنتها، وإخفائه الطفلة، ولم تعد تستطيع رؤيتها أو حتى سماع صوتها. وكتبت ع.: "مع أن القانون أنصفنا، وحصلت على قرار بتسليمي ابنتي سالي، إلاّ أن طليقي حسن مصطفى علي أحمد رفض.. والمحكمة أصدرت قرارا بحبسه".
ومن القضايا الساخنة أيضاً فيما يتعلق بالحضانة، قصة فاطمة حمزة، التي شغلت الرأي العام. تحدثتُ مع شقيقتها المحاميّة فاديا حمزة في هذا الصدد. تخبرني فاديا عن المعاناة التي مرّت بها أختها، وكيف أوصلت القضيّة لتصبح قضية رأي عام، ما ساعد، إلى حد كبير في إيجاد مخرج للقضيّة. شرحت تقول: "كانت القضية بين شقيقتي وطليقها قضية مُساكنة واطاعة، ودعوى نفقة من جهة شقيقتي. لعب الأهل دورًا كبيرًا في الإساءة إلى العلاقة. بدأ الخلاف حين وُلد ابن فاطمة بوضع صحي خطير، وقد أعلمهم الطبيب أن العمليّة التي ستجرى له خطيرة جدًا. طلبت فاديا من زوجها آنذاك أن تأتي فاطمة لتقضي إجازة الأمومة عند والدتها لكي تكون دعمًا لها، وبعدها تعود إلى العمل حيث تكون أيضا قد تابعت وضع طفلها. وافق الزوج على طلبها، وفي الوقت الذي كانت ذاهبة مع شقيقتها، تنظر والدة الزوج وتعطيه إشارة ألاّ يسمح لها. فجأة يتغيّر رأي الزوج ويرفض ذهاب فاطمة مع شقيقتها. حتى أن الأهل رفضوا أن تأتي والدتها إلى بيتها لتساندها".
ومع تراكم الأمور، وتدّخل أهل الزوج بطريقة سلبيّة، رفع الزوج دعوى مُساكنة واطاعة، بعدها رفعت الزوجة دعوى نفقة. عندما بلغ الصبي السنتين، وكان لا يزال الزواج قائمًا، طلب الوالد الحضانة استناداً إلى فتاوى المرجع السيد علي السيستاني الذي يعتبر أنه إن كان الأمر انفصالًا أو طلاقًا فهو سيّان. لكن فاطمة وعائلتها استندوا إلى رأي المرجع السيد محمد حسين فضل الله. وبذلك، تحولت قضيتها إلى قضية رأي عام، لأن عائلة فاطمة رفضت تسليم الصبي. (عندما سُجنت فاطمة، بدأ الطليق وزوجته الثانية بالتنمّر على صفحات التواصل الاجتماعي بالقول إنها تستحق وما إلى ذلك).
ضغط الرأي العام أفاد، حيث استحصلت فاطمة على طلاق حاكم شرعي، والصبي لا يزال يعيش مع والدته، وهو اليوم في الرابعة عشرة من عمره.
دور المشايخ في الحضانة
هنا لبّ الموضوع: حسنًا ما هو الدور الذي لعبه هؤلاء المشايخ الذين حملوا لواء الإسلام، ويتحفوننا دومًا بالفتاوى، وعلينا أن نسير بحسب فتواهم؟ لكن السؤال هل تصح فتوى من يترك الظالم ليتحكّم بالمظلوم؟ وهل فعلًا هم من يحمل لواء الإسلام؟ حاولتُ بائسة أن أتواصل مع مشايخ لسؤالهم عن مشكلة الحضانة، لكن من دون جدوى! فمنهم من اعتبر المسألة حساسة. لا أدري لماذا! ومنهم من لم يرد على سؤال الحضانة أصلًا (أحد المشايخ في المحكمة الجعفرية). أما آخرهم، وكنت قد تأملتُ بأنه سيُجيب على أسئلتي، لكنه عاد واعتذر بكلّ لباقة!
بعض الأسئلة تمحورت حول: لم لا نلجأ إلى التغيير برفع سن الحضانة؟ ولم الإصرار على مرجعيّة دينية مُحددة في المحاكم الجعفريّة فيما يخصّ الحضانة، مع أن محاكم العراق الشرعية تُعطي الأم الحق بالحضانة حتى سن التاسعة من العمر للبنت والصبي معا!
هل يمكنني وصف مجتمعنا بالمجتمع الذكوري؟ أم هو مجتمع جبان ليس لديه القدرة على قول"لا" للظالم؟ هل سيسامح الله هؤلاء الذين سكتوا على الظلم والجور؟ ما هي حججهم؟
ربما لا يزال لدى "هؤلاء" بعض الوقت ليكفرّوا عن ذنوبهم، بعدم السكوت على إذلال المرأة التي أمر الرسول عليه السلام بإكرامها. ويروى عن الإمام علي أنه قال في معاملة المرأة: "إن احببتها فأكرمها، وإن كرهتها فلا تظلمها."
تعليقات: