السمنة والوزن الزائد - استخدمت تقنية كريسبر التي تتيح انتقاء جينات تؤثر على تراكم الدهون وتطور الخلايا الدهنية (Getty)
ارتفع معدل السمنة عالمياً بأكثر من الضعف خلال الثلاثين عاماً الماضية، وبات يؤثر على أكثر من مليار شخص حول العالم. وترتبط هذه الحالة الشائعة أيضاً باضطرابات أيضية، بما فيها داء السكري من النوع الثاني، وأمراض القلب والأوعية الدموية، وأمراض الكلى المزمنة، والسرطانات.
وتشمل خيارات العلاج الحالية تعديل نمط الحياة، والجراحة المرتبطة بالسمنة، وبعض الأدوية، ومع ذلك يجد العديد من المرضى صعوبة في الحصول على هذه العلاجات أو إكمالها أو الحفاظ على وزنهم بعد التنحيف.
انطلاقاً من ذلك، ابتكر علماء معهد "سالك للدراسات البيولوجية" في الولايات المتحدة الأميركية استراتيجية علاجية جديدة للبروتينات الدقيقة التي تؤثر في السمنة. وهي فئة من الجزيئات لم تُدرس بشكلٍ كافٍ سابقاً، وتتواجد في جميع أنحاء الجسم، وتلعب دوراً أساساً في صحة الإنسان. وفي دراسةٍ جديدة، فحص علماء المعهد آلاف جينات الخلايا الدهنية باستخدام تقنية تحرير الجينات "كريسبر" للعثور على عشرات الجينات التي يُحتمل أن تشفر البروتينات الدقيقة والتي تنظم إما تكاثر الخلايا الدهنية أو تراكم الدهون.
العلاجات الحالية للسمنة
عند زيادة وزن الجسم، تتضخم الخلايا الدهنية الموجودة في جسمنا، وتخزن الخلايا الدهنية الطاقة الزائدة على شكل جزيئات دهنية تُسمى "الليبيدات". وفيما بعض فائض التخزين يمكن التحكم فيه، فإن الزيادة المفرطة تسبب تراكم رواسب دهنية في جميع أنحاء الجسم، ما يؤدي إلى التهاب في الجسم بأكمله وخلل في وظائف الأعضاء.
وقد طُوّرت العديد من الأدوية لعلاج السمنة في السنوات الماضية، ولكنها أدت إلى آثار جانبية مثل زيادة الوزن وهشاشة العظام، وبالتالي لم يُطرح بعد في السوق أيُ علاجٍ مثالي للسمنة.
وبما أن الدراسات الطبية الحديثة تشير إلى مستقبل واعد لأدوية البروتينات الدقيقة، يبحث علماء معهد "سالك" عن العلاج التالي للبروتينات الدقيقة باستخدام أدوات وراثية جديدة تخرج البروتينات الدقيقة من حال "الغموض". فلسنواتٍ عديدة، اعتُبرت هذه البروتينات جزءاً من الجينوم "غير ذات قيمة" وبالتالي تُركت دون استكشاف. لكن التطورات التكنولوجية الحديثة أتاحت للعلماء النظر في هذه الأجزاء المظلمة واكتشاف عالم خفي من البروتينات الدقيقة، وهذا ما أدى بدوره إلى توسيع مكتبات البروتينات بنسبة 10 إلى 30 في المئة.
ويستخدم علماء معهد "سالك" على وجه الخصوص تقنية فحص "كريسبر" المبتكرة لمسح المناطق الغامضة في جسم الإنسان بحثاً عن البروتينات الدقيقة المحتملة. ويُمكّن هذا النهج من الاكتشاف المتزامن لآلاف البروتينات الدقيقة المحتملة المشاركة في تخزين الدهون وبيولوجيا الخلايا الدهنية، وتطوير أدوية للسمنة بفعالية لم يسبق لها مثيل.
فحص "كريسبر" للبروتينات الدقيقة
يعمل فحص "كريسبر" عن طريق استبعاد الجينات المهمة في الخلايا، ومراقبة ما إذا كانت الخلية تزدهر أو تموت بدونها. بناءً على هذه النتائج، يمكن للعلماء تحديد أهمية ووظيفة جينات محددة. وفي هذه الحالة، اهتم علماء "سالك" بالجينات التي قد تشفر البروتينات الدقيقة المشاركة في تمايز الخلايا الدهنية أو تكاثرها.
أراد علماء المعهد الأميركي أن يعرفوا ما إذا كان هناك أي شيء أغفلوه خلال كل هذه السنوات من البحث في عمليات التمثيل الغذائي في الجسم، ووجدوا أن تقنية "كريسبر" تتيح لهم انتقاء جينات مهمة ووظيفية تؤثر بشكلٍ خاص على تراكم الدهون وتطور الخلايا الدهنية.
أهمية البروتينات والخطوات التالية
باستخدام التجارب الطبية على الفئران ومنهجية فحص "كريسبر"، حدد العلماء بروتينات دقيقة قد تكون لها علاقة ببيولوجيا الخلايا الدهنية، ومن ثم قاموا بتضييق نطاق البحث أكثر من خلال تجربة أخرى لإنشاء قائمة مختصرة تضم 38 بروتيناً دقيقاً محتملاً يشارك في تكوين قطرات الدهون، ما يشير إلى زيادة تخزين الدهون.
واكتشف العلماء خلال التجارب بروتيناً دقيقاً جديداً، يسمى "Adipocyte-smORF-1183"، يؤثر على تكوين قطرات الدهون في الخلايا الدهنية. ويُعدّ هذا الاكتشاف خطوةً مهمةً نحو تحديد المزيد من البروتينات الدقيقة المشاركة في تراكم الدهون وتنظيم الخلايا الدهنية في حالات السمنة. كما يؤكد أن تقنية "كريسبر" أداة فعالة للعثور على البروتينات الدقيقة المشاركة في بيولوجيا الخلايا الدهنية، والسمنة، والتمثيل الغذائي.
في الخلاصة، ما حققه علماء معهد "سالك" سيؤدي إلى توسيع قائمة الأدوية المرشحة المحتملة، وسيُمهد الطريق لعلاجاتٍ ثورية جديدة تحد من السمنة واضطرابات التمثيل الغذائي في المستقبل.
تعليقات: