جيلان من الطهاة اللبنانيين: رهبة الكاميرا والطبخ للايكات

الشيف أنطوانالشيف أنطوان لـ المدن: كنا نطبخ بحب، نلتزم بالمقادير، نشرح كل تفصيل صغير حتى لو استغرق وقتاً
الشيف أنطوانالشيف أنطوان لـ المدن: كنا نطبخ بحب، نلتزم بالمقادير، نشرح كل تفصيل صغير حتى لو استغرق وقتاً


من زمان الكاميرا كان إلها رهبة، بهذه العبارة يسترجع الشيف أنطوان الحاج بداياته في الشاشة الصغيرة، حينما كان التلفزيون نافذة رئيسية للناس نحو عالم الطبخ. يتحدث عن التسعينات بوصفها "العصر الذهبي" لبرامج الطهو، حين كانت العائلات تنتظر موعد البرنامج كما تنتظر المسلسل أو نشرة الأخبار، ويكمل مبتسماً: "هلق صار الطبخ للايكات".

في العالم العربي، ومع بداية التسعينات، تحوّلت برامج الطبخ إلى جزء أساسي من الخريطة التلفزيونية. في لبنان، كان المشهد أكثر حيوية، حيث برزت أسماء لامعة مثل الشيف أنطوان، الشيف رمزي الشويري، والشيف رولا، الذين قدّموا وصفاتهم بلهجة لبنانية محبّبة، ومحتوى متقن يزاوج بين المطبخ المحلي والمطابخ العالمية.

كانت الحلقات تُصوَّر في استديوهات تلفزيونية ذات تجهيزات متواضعة مقارنة باليوم، لكن الأجواء كانت مشبعة بالاحترافية. الجمهور كان يدوّن المكونات على دفتر الملاحظات، وينتظر إعادة بث الحلقة في حال فاتته، في زمن لم يكن فيه "يوتيوب" ولا خاصية الإعادة الفورية.

نطبخ بحب

الشيف أنطوان يشرح الفرق قائلاً: "كنا نطبخ بحب، نلتزم بالمقادير، نشرح كل تفصيل صغير حتى لو استغرق وقتاً، لأن الهدف تعليم الناس. كانت للكاميرا هيبة، والظهور في التلفزيون مسؤولية كبيرة. اليوم صارت الحكاية مختلفة تمامًا".

جيل السوشيال ميديا: الطهو في دقيقة

مع بداية العقد الأخير، وانتشار الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي، تغيّرت المعايير. ظهرت موجة الطهاة الشباب الذين برعوا في تقديم الوصفات بأسلوب سريع وجذاب، معتمِدين على المؤثرات البصرية والموسيقى السريعة، وتكثيف الخطوات في مقاطع لا تتجاوز الواحدة منها الدقيقة.

الشيف سيمون حداد، أحد أبرز الطهاة اللبنانيين في "إنستغرام" و"تيك توك"، يصف التجربة الحديثة: "اليوم الناس لا تمتلك الصبر لمشاهدة حلقة طبخ كاملة. تريد أن ترى كل شي بلمحة: شكل الطبق، المكونات، وطريقة التحضير، وبأقل وقت ممكن. السر ليس في الطبخ فقط، السر في الإخراج والتصوير والقدرة على شدّ المشاهد من الثانية الأولى".

ويضيف: "الجمهور صار عالمياً، أي فيديو يُنشر، يمكن أن يراه شخص في لبنان أو أميركا أو الخليج في اللحظة ذاتها. هذا الأمر يدفعنا للتفكير دائماً كيف نطوّر شكل المحتوى، وليس المضمون فقط".

تحوّل واختصار

الفارق بين المدرستين لا يقتصر على طريقة العرض، بل يمتد إلى فلسفة العمل. جيل التسعينات كان يحترم الوقت الطويل للوصفة، يشرح خلفية الطبق الثقافية، ويمرّر نصائح وتقاليد مطبخية متوارثة.

أما جيل السوشيال ميديا، فهو يتعامل مع الطبخ كمادة بصرية في المقام الأول، حيث تصبح الألوان، وزوايا التصوير، وحركة اليدين، أدوات جذب لا تقل أهمية عن الطعم.

ويرى الشيف أنطوان أن هذا التحوّل أفقد الطبخ شيئًا من روحه. يقول: "الطبخ لا يمكن تعلمه بلقطة سريعة. يجب أن تشمّ رائحة الطبق، وترى تفاصيله، وتعرف لماذا توضع تلك المكونات، مع بعضها. هذا الأمر لا يتحقق إذا كان كل شي مختصراً".

لكن الشيف سيمون يرى أن الاختصار لا يعني السطحية دائماً. يقول: "حتى في خلال دقيقة، يمكن أن تصل فكرة أو وصفة إذا كنت ذكياً في التصوير والتنظيم. الناس لا تملك الوقت، لكنها تحب الطعام، وتريد وصفات سريعة وسهلة".

نجومية جيلين

اليوم، يشهد لبنان تداخلاً بين الأسلوبين. بعض الطهاة المخضرمين دخل عالم المنصات الرقمية، وبدأوا يكيّفون محتواهم ليتناسب مع جمهور الإنترنت، في حين يحاول الطهاة الجدد الحفاظ على لمسة من العمق وسط سرعة الإيقاع.

كما أن برامج الطبخ التلفزيونية التقليدية ما زالت موجودة، لكنها تدمج مقاطع قصيرة في "إنستغرام" و"يوتيوب" لجذب جمهور الشباب.

بين "رهبة الكاميرا" و"الطبخ للايكات"، يبدو أن فن الطهو يعكس روح العصر الذي يُقدَّم فيه. ففي حين كان جيل الأمس يركز على نقل المعرفة والتقاليد، يواكب جيل اليوم لغة الصورة السريعة والزمن المضغوط.

لكن في النهاية، تبقى الأكلة الجيدة قادرة على جمع الناس حول المائدة، سواء جاءت من استديو تلفزيوني في التسعينات أو من فيديو عمودي مدته 30 ثانية في "تيك توك".

تعليقات: