ألاسكا وفلسطين: مقاربة تاريخية في قضايا الأرض والسيادة

نكبة فلسطين.. التاريخ يعيد نفسه
نكبة فلسطين.. التاريخ يعيد نفسه


عبر التاريخ الحديث، شكّلت مسألة الأرض والسيادة محوراً أساسياً لصراعات الأمم والشعوب. ومن أبرز الأمثلة على ذلك بيع ألاسكا في القرن التاسع عشر من روسيا إلى الولايات المتحدة، وما يتصل اليوم بالقضية الفلسطينية التي ما زالت تشكّل قلب الصراع في الشرق الأوسط. إن دراسة هذه التجارب جنباً إلى جنب تتيح قراءة معمّقة لأبعاد الانتقال القسري للسيادة وتداعياته على الشعوب.

في عام 1867، أقدمت الإمبراطورية الروسية على بيع ولاية ألاسكا للولايات المتحدة الأميركية بمبلغ 7.2 مليون دولار. كان القيصر ألكسندر الثاني يعتقد أن بيع ألاسكا سيجلب فوائد مالية لروسيا ويمنع استيلاء بريطانيا عليها في حرب مستقبلية. وقد جاء هذا القرار في سياق ظروف صعبة واجهتها روسيا آنذاك، أبرزها التحديات المالية والخشية من التمدد البريطاني في المحيط الهادئ.

لم تكن الصفقة لتأخذ بعين الاعتبار حقوق السكان الأصليين، الذين عاشوا على أرض ألاسكا لآلاف السنين. وقد شعر هؤلاء بأن السيادة انتقلت فوق رؤوسهم دون استشارتهم أو ضمان حقوقهم. استمر هذا التهميش حتى عام 1971 حين أقرّ الكونغرس الأميركي “قانون تسوية مطالبات سكان ألاسكا الأصليين” (ANCSA)، مانحاً إياهم جزءاً من الأراضي وحقوقاً مالية. لكن ذلك جاء متأخراً بعد عقود من فقدان الهوية والسيطرة على الموارد.

أما في فلسطين، فقد كان انتقال السيطرة على الأرض أكثر تعقيداً وأكثر مأساوية. فمع وعد بلفور عام 1917، ودعم القوى الاستعمارية لاحقاً، فُرض مشروع استيطاني على حساب الشعب الفلسطيني. وقد جاء قرار التقسيم 181 عام 1947 ليمنح اليهود أكثر من نصف أرض فلسطين رغم أنهم كانوا أقلية آنذاك. ونتج عن ذلك نكبة عام 1948، حيث هُجّر مئات الآلاف من الفلسطينيين من قراهم ومدنهم.

وفي حين أُهملت حقوق سكان ألاسكا لعقود قبل أن يُعترف بجزء منها، ما زال الشعب الفلسطيني حتى اليوم يواجه إنكاراً ممنهجاً لحقه في العودة وتقرير المصير، رغم صدور عشرات القرارات الدولية مثل القرار 194 (حق العودة) .

إلى جانب ذلك، لا يمكن إغفال البعد الأيديولوجي للصراع الصهيوني في المنطقة. فالمشروع الذي تبنّته الحركة الصهيونية لم يقتصر على إقامة دولة في فلسطين فحسب، بل حمل في جوهره رؤية أوسع .

المقارنة بين ألاسكا وفلسطين تكشف عن نقاط تشابه واختلاف. ففي ألاسكا، كان الدافع اقتصادياً واستراتيجياً لروسيا، مع إهمال حقوق السكان الأصليين قبل أن يُعاد الاعتبار لها جزئياً بعد قرن تقريباً. أما في فلسطين، فالمسألة أبعد من معاملة غير منصفة، إذ تجسد مشروعاً استيطانياً إحتلالاً لا يزال مستمراً، يستهدف اقتلاع شعب بكامله وإلغاء هويته الوطنية.

إن قراءة التجربتين توضح أن قضايا الأرض ليست مجرد حدود جغرافية أو عقود بيع وشراء، بل هي جوهر الهوية والسيادة وحق الشعوب في تقرير مصيرها. وإذا كان سكان ألاسكا قد حصلوا في نهاية المطاف على اعتراف ولو محدود بحقوقهم، فإن الشعب الفلسطيني ما زال يناضل حتى اليوم من أجل استعادة أرضه وحقوقه التاريخية.

راشد خضر كمال شاتيلا

تعليقات: