حتى الآن، ما زالت الخدمة محصورة في بيروت لكن هناك خطة للتوسع إلى باقي المناطق (علي علوش)
كنت أتنقّل كثيرًا بالتاكسي، وكنت أتعرّض للتحرش دائمًا. حين عرفت بـ Heya Ride، شعرت بالأمان تلقائيًا". هذا ما قالته هيام بكر، بصوت خافت وواضح في آن، كأنّها تعترف بشيء ظلّ طيّ الكتمان طويلًا.
هيام ليست حالة فردية. هي تشبه كثيرات: طالبات جامعيات، موظّفات، ربّات بيوت. نساء يتشاركن الخوف نفسه عند ركوب سيارة أجرة، الشعور الغريزي بالخطر، الفحص السريع لوجه السائق قبل الصعود، النظرات التي لا تُفسَّر، الكلمات التي تُقال وتُبلَع، والقصص التي غالبًا لا تُروى.
وفي بلد شهد جرائم مروّعة باسم التنقّل، لا تزال ذكرى ريبيكا دايكس حاضرة، الدبلوماسية البريطانية التي اغتُصبت وقُتلت على يد سائق أوبر في بيروت عام 2017. تلك الجريمة، بما تمثّله من عنف مُضاعف، كانت كافية لتؤكّد هشاشة المسافة بين المقعد الخلفي والتعدّي.
Heya ride
لكن ما كان يفتقر إليه السوق، ولعلّه المجتمع بأسره، هو شعور المرأة بالأمان في أبسط تنقّلاتها اليومية. لطالما ظلّ التنقّل في سيارات الأجرة أو "التاكسي" مشوباً بالخوف، بالحذر، وبالأسئلة الصامتة التي تدور في ذهن كل امرأة قبل أن تصعد إلى السيارة: هل يبدو وجه السائق مريحاً؟ هل الطريق طويل؟ هل سأكون وحدي؟ تلك المسافة القصيرة بين البيت والعمل، أو الجامعة والمقهى، طالما تحوّلت إلى مساحة محتملة للتعدّي، في ظل غياب الحماية، والثقة، والبدائل الآمنة
في السنوات الأخيرة، ظهرت في لبنان منصات عدّة تسوّق لنفسها كخدمات نقل "آمنة". بعضها أضاف ميزات تقنية مثل زرّ للطوارئ أو خاصية تتبّع الرحلة، فيما اكتفى بعضها الآخر بخطاب دعائي يركّز على "الثقة" أكثر مما يقدّم حلولًا ملموسة. ومع ذلك، ظلّت الفجوة قائمة: النساء لا يزلن يترددن في ركوب سيارات الأجرة، وما زالت المخاوف من المضايقات والتحرشات حاضرة.
من هذه الفجوة بالذات، برزت مبادرة Heya Ride صحيح أنها ليست الأولى من نوعها في السوق، لكنها اختارت الذهاب أبعد من غيرها، عبر حصر الخدمة بالنساء، سواء خلف المقود أو في المقعد الخلفي. هي منصة صمّمتها نساء، واستفادت من واقع قائم لم تنجح الشركات التقليدية في التعامل معه بجدية، لتطرح نفسها كبديل مباشر في وقت تتكاثر فيه المنصات المشابهة.
انطلقت Heya Ride في العاصمة اللبنانية بيروت مطلع شهر كانون الثاني 2025، وسرعان ما لاقت صدى واسعاً في أوساط النساء. فخلال أشهر قليلة، سجّلت المنصة أكثر من 500 حجز، وتجاوز عدد السائقات المفعّلات على التطبيق100 سائقة، وهو ما تؤكّده ميساء مرعي، المؤسسة الشريكة ورئيسة قسم الموارد البشرية في الشركة.
في حديثها إلى "المدن"، توضح مرعي أنّ الفكرة لم تكن تجارية في الأساس، بل نابعة من تجربة شخصية مؤلمة مرّت بها إحدى الشريكات المؤسِسات مع سائق تاكسي، وما تبع ذلك من شعور بالغضب والعجز في آن. "قررنا حينها ألا ننتظر أحداً ليقدّم لنا الحل، بل أن نبتكره بأنفسنا"، تقول مرعي، مؤكّدة أن المشروع لم ينشأ من فراغ، "بل من حاجة أساسية وملحّة، ومن مشكلة مجتمعية مزمنة تمسّ يوميات النساء في كل الطبقات والفئات".
دعم النساء
لكن المشروع، كما توضّح ميساء مرعي، لا يقتصر على تقديم خدمة آمنة للسيدات فحسب، بل يتجاوز ذلك نحو كسر القوالب النمطية التي تحصر مهنة سائق التاكسي بالرجال. ترى مرعي في "Heya Ride" مبادرة مزدوجة البعد: فهي من جهة استجابة لحاجة نسائية ملحّة في النقل الآمن، ومن جهة أخرى مساحة لتمكين النساء اقتصادياً ومهنياً في مجالٍ لطالما ظلّ حكراً على الذكور.
"نحن لا نوفّر فقط وسيلة نقل آمنة"، تقول مرعي، "بل نفتح أيضاً باباً أمام النساء ليكون لديهن مصدر رزق كريم، نخضعهن للتدريب، وندعمهن طوال الطريق، ونقف إلى جانبهن خطوة بخطوة". في هذا السياق، تقول سيلفا جيلديريان، وهي إحدى السائقات على المنصة: "هذه الفكرة سمحت لنا بالعمل وكسب المال، بسهولة وأمان".
وتشير مرعي إلى أنّ أصداء المشروع كانت أعمق من مجرد إعجاب أو تشجيع، بل وصلت إلى حدّ "الصرخة". بعض الرسائل التي تلقتها الشركة بدت كأنّها تعبير عن حاجة طويلة مُسكَت عنها، مثل: "أخيراً صار في منصة كهذه"، أو "أخيراً أصبح هناك خيار آمن".
نحو التوسّع؟
حتى الآن، تنحصر الخدمة في بيروت. لكن هناك خطة للتوسّع، ولو أن الواقع اللوجستي والمالي والبيروقراطي في لبنان لا يزال يحول دون ذلك بسهولة. التطبيق متوفّر على الهواتف الذكية، ويشمل آليات تقييم وحجز مسبق ومتابعة الرحلات في الزمن الحقيقي، مع التأكيد على حصر الاستخدام بالنساء فقط.
في النهاية، لا تدّعي Heya Ride أنها حلّ جذري لمشكلة التحرش أو العنف القائم على النوع الاجتماعي. لكنها محاولة جادة، وعملية، لخلق مساحة آمنة وسط مدينة قلّما تُتيح ذلك. هي ملاذ على العجَل، في بلد لا تزال فيه "الراحة" ترفًا، و"الأمان" استثناء
تعليقات: