الأوساخ والأكياس والنفايات تغطي مجرى نهر الحاصباني
تحول من مصدر نعمة إلى مبعث نقمة لتسرب <زيبار الزيتون>..
كامل أبو غيدا: المشكلة مستعصية وتتطلب مشروعاً يفوق قدرة وامكانيات البلدية..
حاصبيا -
يتعرض نهر الحاصباني هذه الأيام لكارثة بيئية بكل ما للكلمة من معنى، تحول معها هذا النهر من مصدر نعمة إلى مبعث نقمة، بعدما قضت على الحياة المائية فيه، وباتت تشكل خطراً داهماً على صحة وسلامة المواطنين في الأماكن القريبة من مجراه، وحرّمت مئات المزارعين من ري بساتينهم ومزروعاتهم بسبب التلوث الكبير الذي أصاب مجرى النهر، جراء تسرب كميات كبيرة من <زيبار> الزيتون والمياه الاسنة في ظل غياب تام من قبل الجهات المعنية وكأن شيئاً لا يعنيها·
هذا التلوث الكبير والمخيف الذي حل بنهر الحاصباني، لم يكن جديداً أو مفاجئاً، وإن كان لم يبلغ في السنوات الماضية إلى ما بلغه اليوم، انما جاء بعدما فشلت كل المحاولات والتدابير التي لجأت إليها بلدية حاصبيا السابقة والحالية، بالتعاون مع العديد من بلديات المنطقة عبر المشاريع البيئية ومحطات التكرير وحفر البرك وغيرها من محاولات لمحاصرة هذه المشكلة والحد من خطرها·
<لـــــــــواء صيدا والجنوب> وقف على هذه المشكلة، وعاد بهذا التقرير···
إلى جانب الكميات الكبيرة من المياه الاسنة والصرف الصحي، التي تتسرب إلى مجرى النهر على مدار السنة، تأتي اليوم مع موسم قطاف الزيتون وعصره في قضاء حاصبيا ملوثات مضاعفة من <زيبار> الزيتون، التي تتسرب وبشكل عشوائي من عشرات المعاصر الموزعة في العديد من البلدات والقرى القريبة من مجرى النهر، لتحول مياهه العذبة والصافية إلى سوداء داكنة، تنبعث منها الروائح الكريهة، وتقضي على الثروة السمكية وكل الحياة المائية فيه، وتحرم مئات المزارعين من ري بساتينهم ومزروعاتهم، التي أصابها اليباس على مرأى من أعينهم، ناهيك عن الخطر الأكبر الذي بات يهدد صحة وسلامة المواطنين في المنازل القريبة من مجاري النهر، مما اضطر بالعديد منهم إلى ترك منازلهم واللجوء إلى أماكن امنة صحياً بعيداً عن الحشرات السامة والروائح الكريهة·
وعود معسولة
أهالي حاصبيا وخصوصاً المزارعين منهم، وبعد أن سئموا <الوعود المعسولة> نتيجة المراجعات والإتصالات التي قاموا بها مع العديد من الجهات والمسؤولين: رسميين كانوا أم غير رسميين، يرفعون اليوم الصوت عالياً، مطالبين المعنيين وخصوصاً وزارات الصحة والبيئة والزراعة، وكذلك <الهيئة العليا للإغاثة> التحرك سريعاً، واتخاذ خطوات عملانية تضع حداً لهذه المشكلة، التي لم يعد بالإمكان تحملها·
ويصف مختار حاصبيا الشيخ أمين زويهد <بأن ما يتعرض له نهر الحاصباني هذه الأيام بالمأساة، نتيجة التلوث الهائل الذي يتعرض له هذا النهر، الذي طالما كان مصدراً أساسياً في معيشة شريحة كبيرة من أبناء حاصبيا والمنطقة، كما وأن هذا النهر كان على الدوام واجهة حاصبيا السياحية يقصده آلاف الزوار والسائحين عرباً وأجانب في فصل الصيف للتمتع بمناظره الخلابة ومياهه العذبة>·
وقال زويهد: يعز علينا أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه اليوم، ويتحول هذا الشريان الحيوي إلى مجمع للقاذورات والمياه المبتذلة، على مرأى ومسمع المعنيين، الذين لم يحركوا ساكناً رغم كل المراجعات والشكاوى التي تقدمنا بها للدوائر والجهات المختصة على مدى السنوات الثماني الماضية، وكنا في كل مرة نتمنى عليهم ونناشدهم التدخل السريع من أجل ايجاد الحلول والمعالجات اللازمتين لهذه المأساة، التي إذا ما استمرت على حالها ستؤدي إلى عواقب وخيمة·
منحى خطير
رئيس <تعاونية مزارعي الزيتون> في حاصبيا الشيخ مهدي سعسوع لفت إلى <أن مشكلة تلوث مياه نهر الحاصباني أخذت هذه السنة منحى خطيراً بسبب ارتفاع كميات <زيباري> الزيتون والمياه المبتذلة، إلى درجة أن هذه الملوثات أبادت الثروة السمكية والحياة المائية في هذا النهر، كما منع المزارعين في حاصبيا والقرى المجاورة من ري أملاكهم، انطلاقاً من محور جسر الحاصباني وحتى سهول الماري، مما رتب عليهم خسائر مادية فادحة، خاصة هذه الفترة، حيث المواسم في عز عطائها، وخاصة الحقول المزروعة بالملفوف والباذنجان والفاصوليا والقرنبيط وغيرها، فهذه المواسم يبست وأُتلفت أمام أعيننا بسبب العطش·
ويعتب على <المسؤولين في الدولة ونواب المنطقة، الذين يتلهون بمشاكلهم السياسية ومصالحهم الإنتخابية، تاركين للمزارع أن يُقلع شوكه بيديه>·
ودعا سعسوع <كل مزارعي لبنان إلى مقاطعة الإنتخابات النيابية المقبلة في كل المناطق، طالما أن القطاع الزراعي لا يحظى بأي اهتمام من قبل الجهات المعنية>·
أحد سكان حي السلام عند المدخل الغربي لبلدة حاصبيا المواطن حمودي خداج، لفت إلى <أن معاناة أهالي الحي مع مشكلة التلوث، بدأت منذ سبع سنوات تقريباً - أي منذ انشاء ما يسمى <بمحطة التكرير> للمياه المبتذلة والصرف الصحي قرب منازلنا والتي أثبتت فشلاً ذريعاً في عملها وكأنها لم تكن فالحشرات السامة والروائح الكريهة تنبعث في كل اتجاه وباتت تشكل خطراً داهماً على صحتنا وصحة أطفالنا>·
وأضاف:لقد تقدمنا بالعديد من الشكاوى والعرائض للبلدية وللقائمقام وإلى كافة المعنيين، وكنا في كل مرة نحصل على الوعود التي لم يتحقق منها شيء حتى الآن، لا بل الأمور زادت تعقيداً، وأمام هذا الواقع الأليم والمزري لم يبقًَ أمام سكان الحي إلا بيع منزله أو تركه، واللجوء إلى أماكن أخرى بعيداً عن هذا التلوث الخطير·
وختم خداج بالقول: للمرة الألف ورأفة بعيالنا وأطفالنا نجدد مناشدتنا لكافة المعنيين وبخاصة من هم في سدة المسؤولية في وزارتي البيئة والصحة ان يتعاطوا مع مأساتنا بكل جدية ومسؤولية لأن الوضع بات خطيراً ولا يمكن السكوت عنه بعد اليوم·
مشكلة مستعصية
من جهته رئيس بلدية حاصبيا كامل أبو غيدا أكد <بأن مشكلة التلوث في الحاصباني مزمنة إلى حد انها باتت مستعصية، وأن بلدية حاصبيا لم تألو جهداً للحد من هذه المشكلة وحلها بشكل جذري، وهذا الحل يتطلب مشروعاً ضخماً يفوق قدرة وامكانية البلدية، حيث أن الدراسات التي أعدتها البلدية بينت أن كمية الملوثات التي تتسرب إلى مجرى النهر وخصوصاً·· <زيبار> الزيتون تفوق 8 الاف م3، وهذه الكمية قابلة للزيادة عاماً بعد اخر، لذا لجأنا إلى التعاون مع العديد من المؤسسات والجمعيات الإنسانية منها والرسمية، وخاصة <مجلس الإنماء والإعمار> الذي تجاوب مع مطلبنا، وسنبدأ بالعمل قريباً>·
ولفت أبو غيدا إلى <تعاون اخر مع منظمة <اليونيسيف> لتنفيذ مشروع آخر لربط ما تبقى من مجاري للصرف الصحي و<زيبار> الزيتون من حاصبيا وباقي القرى المجاورة بمحطة التكرير التي سبق وانشأتها <مؤسسة مرسي كور> قبل 5 سنوات قرب الحاصباني>·
سعيد أبو غيدا (صاحب احدى معاصر الزيتون في حاصبيا) رفض تحميل أصحاب المعاصر مسؤولية هذا التلوث الذي يتطلب حلاً جذرياً من قبل الدولة كما يحصل في بعض المناطق اللبنانية، أو في الدول المتطورة والمتقدمة انمائياً وزراعياً·
ولفت أبو غيدا إلى <أن بعض الإجراءات والتدابير التي حاول البعض فرضها على أصحاب المعاصر غير مجدية ولا تحل المشكلة، و<زيبار> الزيتون يؤثر بشكل كبير على المياه الجوفية، وهذا بحد ذاته مشكلة أخطر من تلوث الحاصباني، لذا المطلوب حلاً جذرياً لهذه المشكلة وإلا لم يبقَ أمام المزارعين إلا اقتلاع أشجار الزيتون واللجوء إلى زراعات بديلة، وهذا غير معقول ولا يمكن أن يقبله عاقل>·
زيبارة الزيتون حوّلت النهر إلى مستنقع خطر
تعليقات: