النظارات الذكية - يمثل طرح النظارات الذكية نقلة نوعية في كيفية وتوقيت ومكان إيصال المعلومات إلى المستهلكين (Getty)
يُغيّر استخدام الذكاء الاصطناعي طريقة بناء وإدارة المسوّقين للحملات الإعلانية، فهو يستخدم التعلّم الآلي والبيانات لاستهداف الجمهور المناسب، وتحسين الإنفاق والأداء عبر مختلف المنصات. وبدلًا من الاعتماد على التخمين أو العمليات اليدوية، يساعد الذكاء الاصطناعي المسوّقين على إطلاق حملات أكثر ذكاءً وكفاءة، للتواصل الفعلي مع الجَمهور.
من هنا سترسم النظارات الذكية الجيل الجديد من الحملات الإعلانية، خصوصًا أن هذه التقنية شهدت نمواً مطرداً منذ عام 2020، ومن المتوقع أن يتسارع هذا الاتجاه ليصل إلى معدل نمو سنوي مركب قدره 27.3 في المئة بين عاميّ 2025 و2030. ويُعدّ طلب المستهلكين، إلى جانب التطورات التكنولوجية مثل الجيل السادس والحوسبة السحابية، عوامل تمكين رئيسة لهذا النمو المتسارع. وسيلغي هذا الجيل الجديد من التفاعل الرقمي، الحاجة إلى الشاشات التقليدية وما تسببه من تشتيت للانتباه، ما يسمح للمستخدمين بالوصول إلى كميات هائلة من المعلومات بدقة في لحظة الحاجة دون الاعتماد على الهواتف الذكية أو الأجهزة اللوحية أو أجهزة الكمبيوتر المحمولة.
وبعدما كان الإعلان بتقنية الواقع المعزز يعتمد بشكلٍ كبير على الهواتف الذكية بحيث يستعين المستخدمون بكاميراتهم لبدء تجارِب رقمية، فمع ظهور النظارات الذكية ونظارات الواقع المختلط، ستنتقل الواجهة من يدك إلى مجال رؤيتك، وهذا ما يغير كل شيء، إذ لم تعد الإعلانات مجرد شيء تراه، بل أصبحت جزءًا من مساحتك.
فجرٌ جديد للحملات الإعلانية
يمثل طرح النظارات الذكية نقلة نوعية في كيفية وتوقيت ومكان إيصال المعلومات إلى المستهلكين. فإلى جانب إيصال المحتوى، تلتقط هذه الأجهزة القابلة للارتداء بيانات المستخدم الصوتية والمرئية وبيانات الموقع، التي وعند تفعيلها بالذكاء الاصطناعي، تتيح للمعلنين قدرة غير مسبوقة على استهداف وتخصيص المحتوى الإعلاني للمستخدمين في الوقت والمكان المناسبين تماماً.
وهكذا سيمكنك أن تتجول في أي مدينة وتتلقى رؤى فورية مولّدة بالذكاء الاصطناعي حول الشركات والفعاليات التي تناسب اهتماماتك الشخصية. حتى يمكنك أن تتسوق في متجر بعيد عنك آلاف الكيلومترات وترى تقييمات المنتجات ومقارنات الأسعار معروضة مباشرةً في مجال رؤيتك.
وبدلاً من اعتماد المستخدمين على هواتفهم للبحث بنشاط عن العلامات التجارية والمحتوى الذي يستهويهم، تقدم النظارات الذكية معلومات ذات صلة بالسياق بشكلٍ استباقي، بناءً على محيطهم وتصرفات المستخدم الحالية، وبصورة مباشرة من داخل المتاجر عبر العالم.
عصرٌ جديد للعلامات التجارية والمعلنين
قد يتيح هذا الدمج السلس بين التجارب الرقمية والجسدية فرصاً جديدة للعلامات التجارية للتفاعل مع المستهلكين. وكما هيمنت محركات البحث على الويب 1.0، أي الجيل الأول من الإنترنت الذي ظهر في أواخر الثمانينيات واستمر حتى بداية الألفية الجديدة، وسيطر التواصل الاجتماعي على الويب 2.0، قد تمهّد النظارات الذكية الطريق لعصر الإعلانات المعتمدة على النظارات. ومع تزايد اعتماد النظارات الذكية على نطاقٍ واسع، قد تحتاج الشركات إلى تكييف استراتيجياتها التسويقية الرقمية للاستفادة من هذه المنصة الثورية.
ومن خلال تقديم عروض ترويجية قائمة على الموقع، أو عروض توضيحية ثلاثية الأبعاد للمنتجات، أو إتاحة تجارِب مثل التجارب الافتراضية، أو دمج سرد القصص الغامرة في التجارِب اليومية، تقدم النظارات الذكية محتوى شخصي وفوري ضمن نطاق رؤية المستخدم. ومع هذه الإمكانية للاستهداف السياقي، تزداد فرص تحقيق تلك التحولات المهمة والتفاعلات الأعمق التي تبحث عنها العلامات التجارية في عالمٍ لم يسبق أن كان فيه التنافس على انتباه المستهلك أكبر من أي وقتٍ مضى.
وكما هي الحال مع أي تقنية سريعة التطور، فإن هذا التحول، بطبيعة الحال، يمثل للشركات فرصةً وتحدياً في آنٍ واحد. ففي حين توفر النظارات الذكية مستويات غير مسبوقة من التفاعل، فإنها تتطلب أيضاً نهجاً جديداً في إنشاء المحتوى والإعلانات.
سباقٌ عالمي على تطويرها
وفقاً للتقارير، باعت شركة "ميتا" الأميركية مليون نظارة "راي بان" العام الماضي، حيث تضاعفت المبيعات ثلاث مرات وتضاعف عدد المستخدمين النشطين شهرياً أربع مرات خلال العام الماضي، ما يدل على أن النظارات الذكية ربما وجدت أخيراً مكانها في السوق.
ولا شك أن توفر إطارات مختلفة بألوان متنوعة، بما في ذلك العدسات الطبية، يساعد في ذلك. أضف إلى ذلك الصوت الخفي الذي يتم توصيله عبر مكبرات صوت خارجية مدمجة في الأذرع، وكاميرا بدقة 12 ميغابكسل مدمجة مع "مساعد ميتا الذكي" للاستعلامات الصوتية، ونظام التعرف على الأغاني، وتسجيل الفيديو.
ولا يقتصر السباق على وادي السيليكون، فالشركات الصينية مثل "علي بابا" تطور أنظمة نظارات ذكية خاصة بها. في الوقت نفسه، تجهز العلامات التجارية العالمية نظارات ذكية تعمل بنظام "أندرويد إكس أر" ستجلب منافسة وابتكاراً جديداً إلى السوق. وتأتي شركة "إكس ريل" الصينية في طليعة هذه الشركات لا سيما أنها ستطلق العام المقبل مشروع "أورا" الذي يوصف كأول تطبيق بنظام "أندرويد إكس أر" يجمع بين العدسات الطبية وتكامل الصوت.
الخصوصية والاعتبارات الأخلاقية
كما هي الحال مع أي تقنية ثورية، تثير النظارات الذكية تساؤلاتٍ مهمة حول خصوصية البيانات والإعلانات الأخلاقية. ونظراً لأن هذه الأجهزة تعالج باستمرار بيانات العالم الحقيقي، بما في ذلك مواقع المستخدمين وتفاعلاتهم ومحيطهم البصري، يجب على الشركات تطبيق إجراءات خصوصية صارمة لحماية معلومات المستهلكين.
لذا، ومع تطور هذه الصناعة، سنرى بلا شك هيئات تنظيمية تعمل على وضع إرشادات للاستخدام المسؤول للبيانات، تلزم العلامات التجارية بإعطاء الأولوية للشفافية وموافقة المستخدم.
الطريق إلى الأمام
في المحصلة، لم تعد النظارات الذكية مفهوماً مستقبلياً في الحملات الإعلانية، بل أصبحت واقعاً ملموساً. ومع استمرار تزايد شعبية هذه الأجهزة القابلة للارتداء والقائمة على الذكاء الاصطناعي، ومع استمرار تطور الأجهزة، يمكن للعلامات التجارية والمعلنين الذين يتبنون هذه التقنية مبكراً تحقيق مِيزة كبيرة في المشهد الرقمي المتطور. وقد يصبح تقديم محتوى مخصص وفي الوقت الفعلي أمراً متوقعاً ضمن تجرِبة المستخدم، وهذا ما يعزز الروابط بين المستخدمين والعلامات التجارية، ويحوّل الإعلانات التقليدية إلى تجارِب سلسة وغامرة يقدّرها المستهلكون ويقبلونها.
ومع وقوفنا على أعتاب عصرٍ جديد من الإعلانات المعتمدة على النظارات، لن يكون مستقبل المعلومات والإعلان شيئاً نمسكه بأيدينا، إنما سنراه بأعيننا، ومن نافل القول إن العلامات التجارية التي ستتكيف وستبتكر وستستثمر في هذا المجال ستسيطر على آفاق التفاعل الرقمي القادمة.
تعليقات: