عدنان سمور: عالمنا اليوم الى اين؟

المهندس عدنان سمور: التطور العلمي والتقني التي وصل اليها الانسان ، للأسف يتم توظيفها اكثر ما يكون في الحروب وفي ابادة الشعوب الرافضة للخضوع والتبعية
المهندس عدنان سمور: التطور العلمي والتقني التي وصل اليها الانسان ، للأسف يتم توظيفها اكثر ما يكون في الحروب وفي ابادة الشعوب الرافضة للخضوع والتبعية


1- نظراً لتجارب اميركا التاريخية في تجنب الحروب المباشرة مع القوى الصاعدة ، وتحويل هذه الحروب الى حلفاء لها ليتصدوا لهذه الحروب كما حصل معها في الحربين العالمية الاولى والثانية وكما حصل في حروب اليابان ضد الصين قبل وخلال الحرب العالمية الثانية .

فأميركا اليوم تحاول خلق محور معادي لروسيا بدأته في المواجهة التي خلقت ظروف نشأتها في أوكرانيا ، هذه الحرب التي عندما تطورت بشكل مأساوي وخطير ، قررت اميركا ان تسحب يدها منها ، وتطلب من الاتحاد الاوروبي ان يتصدى لحمل اعبائها وتمويلها ، وهي تبيعهم السلاح الذي يحتاجونه لدعم صموده اوكرانيا ، في الوقت الذي قامت فيه اميركا بتوقيع اتفاقيات مذلة مع اوكرانيا التي تحول شعبها وثرواتها وعمرانها الى وقود لحرب قررها الغرب على ارضهم ، هذا الاتفاق يؤدي بطبيعة الحال الى نهب ثروات أوكرانيا المعدنية من قبل اميركا كتعويض عن دعمها السياسي لها ، وهذه الحرب من شأنها اذا تطورت ان تورط الاتحاد الاوروبي مباشرة مع روسيا في حرب تهدد بتدمير اوروبا وروسيا معاً، ولا تتدخل اميركا في هذه الحرب طبعاً الا بعد ان يُنهَك الطرفان ، بذلك تفقد الصين اهم حليف لها في مواجهة الغطرسة الأميركية وهو روسيا ، وتزداد حاجة الاتحاد الاوروبي للدعم الاميركي كما يزداد ارتهانه لها ولمساعداتها ودعمها وحمايتها له .

2- اختبرت اميركا بعد حصول معركة طوفان الأقصى قدرة النظام الصهيوني في فلسطين المحتلة على لعب دور القاعدة المتقدمة لها ولغربها الجماعي في منطقة غرب اسيا ، حيث استنتجت ان تركيبة النظام الصهيوني باتت تعاني من امراض ومشكلات قاتلة ، اهمها فقدان القدرة على حسم المعارك التي تخوضها اميركا بواسطته ضد اعدائها وأعداء مشروع هيمنتها في منطقة غرب آسيا ، رغم اضطرار اميركا وغربها الجماعي لتقديم الدعم المادي والعسكري اللامحدود لهذا الكيان ، وهو دعمٌ لا تقدمه اميركا من موازناتها بل تموله دول الخليج النفطية التي قررت ان تكون في سياساتها المتبعة ذَنَباً لمشروع الهيمنة الغربية في المنطقة ، ناهيك عن اضطرار اميركا وغربها الجماعي لتعطيل النظام الدولي الحاكم في العالم منذ الحرب العالمية الثانية لمدة سنتين لتاريخه منذ حصول معركة طوفان الاقصى ، والمدى الزمني ما زال مفتوحاً بلا أفقٍ منظور ، ويستنزف سمعة اسرائيل وسمعة وأخلاقيات النظام الليبرالي الذي تتغنى به اميركا وغربها الجماعي ، إضافة الى ان اسرائيل ادركت بالتجربة الدموية وبعمليات الإبادة والتوحش التي تمارسها في غزة والضفة الغربية ، انها اوصلت الشعب الفلسطيني وداعمي قضيته من شعوب المنطقة الى اتخاذ قرار حاسم بخوض حرب تحرير ملحمية لفلسطين مهما بلغت التضحيات والأثمان ، وهذا الأمر ان دل على شيء فإنه يدل على ان السياسات والرهانات الخاطئة التي انتهجها القادة الصهاينة بدعم وتغطية غربية اثبتت ان اليهود الصهاينة يمثلون شعباً عاجزاً عن الاندماج والعيش مع اي مجتمع انسانيٍّ سواءً كان هذا المجتمع شرقياً او غربياً وسواءً كان عدوانياً او مسالماً وسواء كان ديمقرطياً او ديكتاتورياً ، وهذا الأمر زاد كراهية ونبذ شعوب المنطقة للصهاينة كما فضح السردية الصهيونية الغربية المبنية على المظلومية التاريخية لليهود وخاصة المحرقة التي تعرضوا لها في الحرب العالمية الثانية ، وانفضاح هذه السردية التي منحتهم حصانة خلال تاريخ وجودهم في المنطقة ، رفع مستوى القلق الوجودي لدى المجتمع الصهيوني الذي يعاني اصلاً من ارتفاع معدل القلق الوجودي لديه ، الامر الذي اثَّر على سلوكه وزاد من استخدامه للتوحش والتغول وعمليات الإجتثاث والإبادة الجماعية التي يمارسها ضد شعب مدني اعزل في فلسطين ، واكسب حركات المقاومة له مشروعية امام شعوبها وامام احرار العالم وامام المنظمات الدولية الغير مسيَّسة كما أيقظ هذا السلوك العدواني المجرم وعي شعوب المنطقة ووعي بعض انظمتها المراهنة على الغرب ، ولا شك ان هذا الوعي يبقى كامناً ويمكن ان ينفجر في اي لحظةٍ في المستقبل ويوظف انفجاره كثورة تصب نتائجها في مصلحة شعوب المنطقة وخاصة شعب فلسطين المظلوم .

3- ان السياسة التي تنتهجها الصين في مقابل الهجمة التي تقودها اميركا لمحاربة صعود الصين المقلق لها والذي يهدد مشروع الهيمنة الغربية على العالم بزعامتها ، تبدو هادئة وغير مستعجلة وواثقة ورصينة وبعيدة كل البعد عن الانفعال والتسرع وتجاوز الاعراف الدولية المتفق عليها ، بينما تبدو سياسة اميركا على العكس تماماً من هذه الصفات ، فهي هجومية ، اتهامية ، مفترية ، متسرعة هوجاء يصعب فهم المنطق الذي يحكم حركتها ، فجة ، انتهازية ، ابتزازية ، انانية متجاوزة لكل الاعراف ، وهذا المستوى من الاداء السيء قوبل ايضاً من قبل الجمهورية الاسلامية في ايران بأسلوب هادىء ، أخلاقي ، متحمِّل ، مصر على احترام الأنظمة والقوانين والاعراف الدولية المتفق عليها ، ولكنه في ذات الوقت حاسم ومواجه للعدوان في الاستحقاقات الكبرى ، وداعم لحركات التحرر رغم الضغوط الهائلة التي تمارس عليه ، ولديه نَفَسٌ طويل رافض للإستدراج او الابتزاز أو الغطرسة ، وهذا النوع من الاداء من قبل الصين وايران ، زاد قدرتهما على نسج التحالفات مع دول المنطقة والعالم الغير مرتهنة لاميركا وغربها الجماعي وزاد من تضامن شعوب العالم الحرة معهما ، وقلَّل قدرة اميركا والغرب واسرائيل على نسج تحالفات معتدٍّ بها لمواجهة الصعود الصيني العالمي .

وكمثال على هذا الاستنتاج فإن العرض العسكري الصيني الاخير في بكين بحضور انظمة عالمية وازنة ، المقصود منه ان التصعيد الحاصل اليوم من قبل اميركا ومن يدور في فلكها في حال تصاعده سيؤدي الى مواجهات مدمرة ومؤلمة وقاتلة ، لأننا اقوياء ولن نخضع لضغوطاتكم ، وبدل ان ترد اميركا بالمطالبة بالجلوس الى طاولة المفاوضات للحوار وللبحث عن حلول سلمية لمشكلات العالم كما يليق بالشعوب المتحضرة ، إذ بها تبادر لتغيير اسم وزارة الدفاع لديها ليصبح وزارة الحرب ، الامر الذي يوحي بان اميركا ماضية في مواجهتها ولو ادى الامر الى حرب عالمية ثالثة لا تبقي ولا تذر ، وهذا الأداء يرفع احتمال استخدام الاسلحة النووية في المستقبل ، ويهدد وجود الانسان على هذا الكوكب ، وهنا تبرز الحاجة الملحة لخلق ادوات ضغط كبيرة وفاعلة من قبل النخب العالمية الواعية والمنظمات القادرة على اطلاق مبادرات انسانية انقاذية ، لإبعاد شبح الحرب المدمرة عن هذا الكوكب المبتلي بعقول حكام غير مستوعبين للجهود المخلصة الهائلة التي بذلها عظماء البشرية العباقرة والاوفياء لإنسانيتهم من بني البشر عبر تاريخ الانسان الطويل على هذا الكوب الرائع .

4- ان ذروة التطور العلمي والتقني التي وصل اليها الانسان ، للأسف يتم توظيفها اكثر ما يكون في الحروب وفي ابادة الشعوب الرافضة للخضوع والتبعية ، الأمر الذي بات يشكل تهديدا لمستقبل الانسان وللتنوع الحضاري الغني على كوكبنا ، وهذا المسار لمجريات الامور يشكل مؤشراً خطيراً على مستوى الانحراف الذي وصلت اليه الانظمة المتحكمة بتطوير العلوم والتقنيات في مجال الطاقة والبرمجيات الخوارزمية والذكاء الاصطناعي وعلوم الفضاء وغيرها ، لأن هذه العلوم وبدل ان يتم توظيفها في خدمة الانسان وتطورة وتحقيق حريته وحل مشكلاته الغذائية والصحية والمعيشية والثقافية ، وبدل تسخير هذه العلوم والتقنيات لتفجير الطاقات الكامنة في عقول ومخيلة الشباب لخدمة الانسان ومستقبله على هذا الكوكب ، صار يجري تسخيرها لتدمير المجتمعات المصرة على حفظ حريتها وكرامتها وحقوقها ، في مواجهة مشاريع الهيمنة الظالمة والانانية والجشعة والساعية لإخضاع وتدمير كل من يعارض ارادتها ويناهض مشاريعها المعادية .

هذا الواقع المظلم يحتاج ايضاً لمبادرات عالمية جماعية ضاغطة ، تناضل وتقف بصلابة في وجه الظالمين ، لتوقف هذا النزف الأخلاقي الحاصل في الحضارة الانسانية المعاصرة ، وتلزم الجميع بوضع اسس انظام عالمي جديدٍ اكثر شفافية وأكثر انسانية ، واكثر حصانة ، لكي لا يسيطر عليه ويتحكم بقراراته ورثة انظمة استعمارية ارتكبت مجازر مخجلة في تاريخها المظلم وآن وقت حسابها، وهي مصرة اليوم على متابعة مسيرة تدميرها للكوكب وسكانه في حال اصرَّ احرار العالم على رفض مشروع هيمنتهم على العالم مهما بلغت الاثمان ، وعلى احرار العالم ان يثبتوا ان تحقيق هذا المسعى امرٌ مستحيل ومرفوض وغير قابل للتحقق.

ع.إ.س

باحث عن الحقيقة

06/09/2025

تعليقات: