ليلى كرم (م.ع.م)
عندما وصلت الفنانة ليلى كرم إلى إحدى قاعات »بيال« في وسط بيروت، منذ أشهر، بمناسبة تكريم أبطال المسلسل الشهير »الدنيا هيك«، تسارع كثيرون إلى دعوتها للجلوس على كراسيهم في الصف الأمامي للصالة. هي »وردة« التي غابت عن الشاشة لكنها حضرت المناسبة بتعب ظاهر. مع ذلك، بقيت تحرص على طلاء أظافر أحمر وتنظر ببسمة يختلط فيها الفخر بالحزن، وهي تتطلع إلى وجوه رافقتها أيام العصر الذهبي للتلفزيون.
يومها، سادت لغة خاصة في المكان، قيل الكثير من الكلام بين أبناء الجيل الواحد.
اقترب الفنان صلاح تيزاني منها، قبّل يدها. »الله يطول بعمرك« قال. اكتفت بإيماءة ونظرة فيها غموض عززه وجه لم يخفِ تجاعيد تركتها السنون، وربما ساهم في تعميقها أرشيف طويل فيه »تعب قلب الفنانين« وواقعهم.
احتاجت كرم يومها إلى من تتكئ عليه كي تصل إلى المسرح، بعدما اتكأ زملاء لها على دعمها ولو المعنوي في كثير من المراحل. لم تتكلم كثيراً، هي التي رفعت صوتها أكثر من مرة بوجه الحال التي آلت إليها الدراما اللبنانية.
تعبت »عمة نعمان« في »ميس الريم«، و»أم وليد« في فيلم »وست بيروت« والناظرة في »المعلمة والأستاذ« من الشكوى.
في العام ،٢٠٠٤ لم تكن كرم تريد ان تعلن عن وجودها في المستشفى، مع ذلك وجدت الصحافة طريقها إليها. هناك استذكرت علياء نمري وجيزيل نصر ومحمد شامل وغيرهم.
تخلت كرم عما بقي من كوميدية »أم ملحم«، ولم توفر »أم المراجل« عتباً على الدولة التي غيبت »تلفزيون لبنان«، ولا على »ملكات جمال الترمس والبقدونس« اللواتي يعملن في ما لا شأن لهن به، لا بل ذهبت إلى حد المطالبة »بإقفال معهد الفنون الجميلة لأن الطالب فيه يشقى بلا نتيجة«.
أمس، كانت الفنانة ليلى كرم في غرفة العناية الفائقة في مستشفى »أوتيل ديو«، حيث تحفّظ معالجها الدكتور جورج دبر في اتصال مع »السفير« على ذكر تفاصيل وضعها الصحي احتراماً لخصوصيتها مكتفياً بالقول »وضعها حرج للغاية، وهي الآن في العناية المركزة«، بعد ان تسربت أنباء عن اشتراكات صحية، كونها كانت تخضع لغسيل في الكلى (اضطرها في مرحلة من العلاج إلى تناول ١٨ حبة دواء وتنشق الأوكسجين)، وباتت تعاني مشاكل في الضغط والوعي ما جعل الأعضاء الأخرى تتأثر.. الى أن فارقت كرم الحياة قبيل منتصف الليل.
»هيدا فوفو كلب الإفرنجي« كانت أول جملة قالتها الفنانة كرم في الإذاعة التي استقبلتها العام .١٩٤٦ ثم فُتحت لها الأبواب سريعاً لتكر سبحة الأعمال السينمائية والمسرحية والتلفزيونية. فكان لها ما أرادت: أن تلعب كل الأدوار »من الراهبة إلى بائعة الهوى، من الطفلة إلى العجوز، من الشخصية الرومانسية (كما في »الغروب« و»السراب«) إلى الشخصية المجنونة«. عملت كرم مع شخصيات بارزة أهمها الراحل عاصي الرحباني، وآلمها أن تضطر إلى المشاركة في مرحلة ما في أعمال كانت دون مستوى تطلعاتها ففضلت الانسحاب منها بعد حلقات قليلة (مرتي وأنا).
غياب الأمان
تفتح قصة الفنانة كرم، التي تشكل نموذجاً لحال فنانين كثر، الباب على مسألة غياب شبكة أمان تحمي من أعطوا زهرة عمرهم للفن. يبدأ نقيب الفنانين المحترفين محمد ابراهيم كلامه بالدعاء لكرم، ويلفت إلى الفنان اللبناني »صادف على مر العقود مراحل يرثى لها، وهذه معاناة مستمرة من فجر الاستقلال حتى اليوم، فليس هناك ضمانة للفنان، بسبب عدم وجود قانون يحميه، ولكننا الآن في صدد المرحلة الأخيرة من مشروع قانون تنظيم المهن الفنية«. وعما سيغيره القانون الجديد يقول »سنأخذ عندها ما نسبته عشرة في المئة من أرباح الفنانين الأجانب والعرب، إضافة إلى ما نسبته ٢ في المئة على بطاقة كل حفلة فنية، وكلها عائدات ستذهب إلى صندوق التعاضد بهدف تأمين الطبابة والشيخوخة وغيرها من التقديمات«.
بدوره، يشير أمين سر نقابة الممثلين الزميل عبيدو باشا الى ان معالجة الفنانين كانت تتم سابقاً عبر العلاقات الشخصية مع بعض الوزراء ما سهل دخول بعض الفنانين إلى المستشفيات، كما ان هناك أشخاصاً يشغلون مواقع إدارية ويحرصون على العناية بالفنانين وتقديم التسهيلات لهم، »لكن هذا أمر مهين بحق الفنانين اللبنانين برغم تقديرنا للمبادرات الشخصية. لقد وصلت بنا الحال إلى حد شراء قبر يدفن فيه من ليس له مكان كي يدفن، ما ينقصنا هو قانون تنظيم المهن الذي اختلفنا عليه، ثم تقدمنا بصيغة مشتركة مع »نقابة الفنانين المحترفين«. نحن بانتظار إقراره من خلال المتابعة مع وزراء معنيين بهذا الشأن، وعبر مبادرة قمنا بها تجاه الرئيس بري والوزير تمام سلام، من أجل تحريك القانون في أدراج وزارة الإدارة والعدل، وهو الآن ينتظر الهيئة العامة لمجلس النواب كي يقر ويصبح ساري المفعول«. كما يطمئن ابراهيم »نحن في نهاية المخاض الذي سيحقق المشروع الكبير للفنانين«، نافياً ان يكون »الفراق« بين نقابتي الفنانين المحترفين والممثلين قد أخر إقرار القانون وتنفيذه: »لا فراق بيننا.. نحن نعمل سوياً ونسقنا مع نقابة الممثلين برئاسة صديقي انطوان كرباج (رئيس نقابة الممثلين) لكي نصل مع لجنة الإدارة والعدل إلى نتيجة«.
تعليقات: