في جنوب لبنان تعبر الأنهار بين أوديته، لا سيما أنهار الليطاني والوزاني والحاصباني (اندبندنت عربية)
بحسب مشروع المندوب الأميركي إريك جونستون فإن حصة بلاد الأرز منه تبلغ 35 مليون متر مكعب سنوياً
ملخص
بعد الانسحاب الإسرائيلي في مايو عام 2000، وكانت الظروف الدولية مواتية نوعاً ما بعد ترسيم "الخط الأزرق" وتحرير أراض لبنانية كانت تحت السيطرة الإسرائيلية، أعلن لبنان الرسمي قرار استعادة حقه في مياه الوزاني بعدما كانت إسرائيل تمنع استخدامها طوال سنوات احتلالها المنطقة الحدودية الجنوبية تحت تسمية منطقة "الشريط الحدودي"، وأثيرت زوبعة تدخلت على إثرها الأمم المتحدة بعدما هددت إسرائيل بتدمير المنشآت على نهر الوزاني، ثم جرت تسوية جعلت لبنان يستفيد من حقه في مياه النهر، إنما ليس مجمل حقه ولم يتجاوز الأمر سدس الكمية التي تحق للبنان.
من يتابع المشكلات المائية التي يعاني منها اللبنانيون اليوم، بخاصة في ظل الشح الذي أصاب الينابيع أخيراً وأدى إلى جفاف بعضها، يدرك أن مقولة "لبنان قصر المياه" لم تعد تنطبق عملياً على أرض الواقع، من هنا تظهر حاجة لبنان الفعلية إلى مصادر ثابتة للمياه ليس من ينابيعه وحسب بل كذلك من الأنهار التي تذهب مياهها سدى، إما نحو البحر أو باتجاه أراض ومياه إقليمية تحدّ لبنان من جهاته الأربع.
في جنوب البلاد تعبر الأنهار بين أوديته، لا سيما أنهار الليطاني والوزاني والحاصباني، فتجري مياه الأول مسرعة نحو البحر وتسلك مياه الآخرين نحو إسرائيل. تبلغ حصة لبنان من حوض الحاصباني - الوزاني، بحسب الاتفاقيات الدولية، 55 مليون متر مكعب سنوياً، لكن جنوب لبنان لا يستفيد بأكثر من 10 ملايين متر مكعب، هذا إذا تركت إسرائيل للبنان حق الاستفادة من الحصة التي لا تتجاوز سدس الكمية المتفق عليها، فتعمد، مرة، إلى تفجير الأنابيب أو محطات التغذية والضخ، أو خلق مشكلة وإحداث قلقلة دولية وينال لبنان من ورائها ما يناله من تهديدات وتصعيد مستمر تحت عنوان حاجتها الملحة إلى المياه وذهاب مياه لبنان هدراً باتجاه البحر.
أطماع تاريخية بالمياه
إن الأطماع الإسرائيلية التاريخية بمياه لبنان تظهر جلياً بقضية مياه الوزاني، الذي يشكل أحد روافد نهر الحاصباني، فيغذيه الأخير بنحو 50 إلى 60 مليون متر مكعب من أصل 150 إلى 180 مليون متر مكعب هي معدل تصريف الحاصباني السنوي، ويجتاز مسافة 25 كيلومتراً داخل الأراضي اللبنانية قبل أن يدخل الأراضي الإسرائيلية، ليشكل أحد روافد نهر الأردن ويصب في بحيرة طبريا.
وبحسب مشروع المندوب الأميركي إريك جونستون الذي وُضع عام 1955 وطرح تحت شعار "تنمية إقليمية مشتركة"، إنما كان جوهره تكريس هيمنة إسرائيل على معظم موارد النهر، فإن حصة لبنان من النهر تبلغ 35 مليون متر مكعب سنوياً، وهو اتفاق رُفض لبنانياً وعربياً لأنه كان يتضمن اعترافاً ضمنياً بالكيان العبري. ولكن مع تغير الأحوال والأزمان وبطلان الأسباب الموجبة للرفض، بدا جلياً أن مشروع جونستون معمول به ضمنياً، إلا أن أرقام الواقع المرير تقول إن لبنان لا يحصل اليوم سوى على ما بين 6 و7 ملايين متر مكعب سنوياً، ما يعني أنه يضحي بنحو 29 مليون متر مكعب سنوياً إن شاء ذلك أم أبى.
قرارات لم تحمِ حق لبنان
عام 1953، بدأت الحكومة الإسرائيلية بناء مشروع قناة تحويل ومعمل كهربائي على نهر الأردن، ما أثار قلق دول المنطقة، فتدخلت الولايات المتحدة وأرسل الرئيس دوايت أيزنهاور مبعوثاً هو إريك جونستون لحل النزاع، وانتهت جولاته التفاوضية مع الحكومات المعنية بوضع مشروع لتقسيم مياه نهر الأردن عام 1955 وفقاً للحصص الآتية: الأردن 720 مليون متر مكعب، إسرائيل 565 مليون متر مكعب، سوريا 132 مليون متر مكعب، لبنان 35 مليون متر مكعب، لكن لبنان والدول العربية رفضت توقيع الاتفاق في حينه، اذ اعتبر اعترافاً ضمنياً بوجود إسرائيل.
خلال عام 1964، اتخذت القمة العربية التي عقدت في القاهرة قراراً يقضي بقيام سوريا والأردن ولبنان بالسيطرة على روافد نهر الأردن (الحاصباني والوزاني اللبنانيان، وبانياس السوري) لمنع إسرائيل من سحب مياه النهر إلى صحراء النقب، لكن إسرائيل أقدمت في أواخر سبتمبر (أيلول) عام 1965 على تدمير المنشآت والمشاريع القائمة لتحويل مجرى الحاصباني والوزاني، إذ استهدفت الطائرات الإسرائيلية المنشآت اللبنانية على النهر وأحالتها حطاماً.
بعد الانسحاب الإسرائيلي في مايو (أيار) عام 2000، وكانت الظروف الدولية مواتية نوعاً ما بعد ترسيم "الخط الأزرق" وتحرير أراض لبنانية كانت تحت السيطرة الإسرائيلية، أعلن لبنان الرسمي قرار استعادة حقه في مياه الوزاني بعدما كانت إسرائيل تمنع استخدامها طوال سنوات احتلالها المنطقة الحدودية الجنوبية تحت تسمية منطقة "الشريط الحدودي"، وأثيرت زوبعة تدخلت على إثرها الأمم المتحدة بعدما هددت إسرائيل بتدمير المنشآت على نهر الوزاني، ثم جرت تسوية جعلت لبنان يستفيد من حقه في مياه النهر، إنما ليس مجمل حقه ولم يتجاوز الأمر سدس الكمية التي تحق للبنان.
وخلال يوم الـ 15 من أكتوبر (تشرين الأول) 2002 دشّن رئيس الجمهورية اللبنانية آنذاك إميل لحود مشروع جر مياه نبع الوزاني إلى القرى الحدودية العطشى بحضور رئيس مجلس النواب نبيه بري وحشد من الوزراء والنواب على مقربة من محطات الضخ التابعة للمشروع.
أطماع في الليطاني
يقول وزير خارجية لبنان السابق عدنان منصور (2011- 2014) "في ما يتعلق بالوزاني والحاصباني لبنان يستخدم أقل من حقه بكثير، إذ إنه في عام 1953 بعدما حضر المندوب جونستون إلى لبنان للبحث في عملية توزيع مياه الوزاني وحوض الليطاني، في ذلك الوقت كنا نعلم أن الحاصباني والوزاني ينبعان من لبنان ويصبان في أراضي فلسطين، وأعلن جونستون أن حق لبنان من مياه الوزاني نحو 30 في المئة، أي ما يقارب 35 مليون متر مكعب سنوياً من أصل 100 مليون متر مكعب، وأعطى إسرائيل أكثر مما تستحق، هذه الكمية التي استطاع لبنان أن يحصل عليها بعد نزاع كاد أن يؤدي إلى اشتباك بعد التحرير عام 2000، لبنان استطاع أن يحصل على كمية تسعة ملايين متر مكعب وإسرائيل تتفرد بكمية 91 في المئة، لكن أطماع إسرائيل تتجاوز نهري الحاصباني والوزاني وتطمع في مياه الليطاني".
ويشير الوزير منصور في حديثه لنا إلى أن "انعطافاً لنهر الليطاني قرب بلدة دير ميماس جارة كفركلا في قضاء مرجعيون (جنوب) لا يبعد أكثر من كيلومترين إثنين عن الحدود الدولية بين لبنان وإسرائيل، ومطالب إسرائيل بالمياه اللبنانية لا تتوقف، ولها دور أساس في المستقبل، إذ كلما ازداد عدد السكان في إسرائيل تزداد حاجتها إلى المياه للزراعة والصناعة والشرب والاستخدام المنزلي. أنظار إسرائيل على الليطاني ليست منذ سنوات قليلة أو بعد قيامها عام 1948"، ويتابع منصور "وإذا ما اطلعنا على كتاب بنيامين نتنياهو (رئيس وزراء إسرائيل) تحت عنوان: (مكان بين الأمم: إسرائيل والعالم)، يقول إنه في عام 1919 وخلال مؤتمر فرساي بباريس بعد الحرب العالمية الأولى، تنازلت الحركة الصهيونية عن الليطاني الذي كان يفترض أن يضخ المياه إلى إسرائيل. وكلمة تنازلت تعني أن الحق كان لها وتنازلت عنه ومنحته لغيرها، ويومها لم تكن إسرائيل قد قامت بعد، وأن نهر الليطاني لها وتنازلت عنه. يأتي نتنياهو اليوم بعد قيام دولة الاحتلال وفي كتابه الصادر عام 1992 ليعيد التذكير بأن إسرائيل، من خلال الحركة الصهيونية، تنازلت عن الليطاني ويعلن عن نيتها في استعادة حقها المزعوم. هذه الأطماع لم تزل حاضرة في الخطاب الإسرائيلي فيما لبنان لا ينال حقه من مياه الوزاني والحاصباني".
إسرائيل تدمر المنشآت الحيوية
ويحذر الوزير السابق من أن "إسرائيل لو انسحبت من الأراضي اللبنانية التي احتلتها أخيراً، ومنها السيطرة بالنار على مجرى الوزاني في الأراضي اللبنانية، لن تترك شيئاً قبل أن تدمره بالكامل، فهي لا تترك حتى شجر الزيتون العتيق إذ اقتلعته في حربها الأخيرة على لبنان من الأراضي اللبنانية ونقلته إلى داخل إسرائيل، وهي تسعى، بشكل واضح، إلى تدمير البنى التحتية بكاملها في القرى الحدودية، كي لا تقوم قيامة هذه القرى والبلدات ثانية، وحتى إذا ما أراد لبنان أن يستعيد تعمير ما تهدم وإعادة المرافق الحيوية فيحتاج إلى وقت طويل، لهذا السبب فإن إسرائيل، وعلى رغم قرار وقف إطلاق النار المقرر في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، تواصل تدمير المنشآت الحيوية في المناطق الحدودية اللبنانية".
يضيف منصور "الديبلوماسية اللبنانية ضعيفة ولم تستند إلى قرارات حازمة من قبل كل الحكومات التي مرت على لبنان خلال سبعة عقود مضت، وعلى سبيل المثال، عام 2006 وعندما قامت إسرائيل بتلويث المياه الإقليمية اللبنانية في حوض البحر الأبيض المتوسط بعد قصفها المنشآت الكهربائية في محطة الجيّة (جبل لبنان)، صدر قرار عن الأمم المتحدة يغرّم إسرائيل بمبلغ 860 مليون دولار لمصلحة لبنان كتعويض عما خلفته من خسائر وتلوث، حتى اليوم لم تدفع إسرائيل قرشاً واحداً، ولبنان الرسمي نائم، وبدلاً من أن يواصل تحريك هذا الموضوع الحق من خلال الدبلوماسية مع الجهات الدولية، بأي شكل من الأشكال".
إن الأطماع الإسرائيلية التاريخية بمياه لبنان تظهر جلياً بقضية مياه الوزاني (اندبندنت عربية)
بعد الانسحاب الإسرائيلي عام 2000 أعلن لبنان قرار استعادة حقه في مياه الوزاني (اندبندنت عربية)
يقول وزير خارجية لبنان السابق عدنان منصور في ما يتعلق بالوزاني والحاصباني لبنان يستخدم أقل من حقه بكثير (اندبندنت عربية)
تعليقات: