«السليق» طعام الفقراء المجاني وتجارتهم

تجمع الأعشاب من تحت الزيتون
تجمع الأعشاب من تحت الزيتون


بنت جبيل ـــ

أمطرت السماء، فجبلت تراب بنت جبيل بمائها، وأنبتت طعام الفقراء. منذ بدء موسم تناوب الطقس بين المطر والصحو، تستيقظ نسوة المنطقة باكراً للفوز بأكبر حصة من نباتات «السليق» على أنواعها:

خبّيزة وهليون وصعتر، بانتظار موسم العكوب والفطر.

تحمل أم أحمد فوعاني، من بلدة حولا (قضاء مرجعيون) كيساً من النايلون، تملأه بما تيسر لها من خبّيزة وهليون، وتقول «هذا طعام اليوم أمّنته لنا الطبيعة، فمثل هذه الأيام من السنة، تحمل لنا الخير، والأرض هنا عوّدتنا على إطعامنا من أطيب النباتات وأكثرها فائدة». تتحدث السيدة إلينا وهي تمشي متفحصة بعينيها ما نبت من أعشاب، وإن كان بينها ما يؤكل. تسير أم أحمد على الأقدام أكثر من 1000 متر قاصدة الحقول البعيدة والتلال المنخفضة، وترى أن نبتة الخبّيز من أكثر الأعشاب فائدة لأنها، فضلاً عن أنها «تستخدم في الطعام، فهي تستخدم دواءً مهدّئاً للسعال ومكافحاً للالتهابات المختلفة». ويسرد الأستاذ علي فرحات (برعشيت) فوائد الخبيز، فيقول إنه «مدرّ للبول ومهدئ للسعال ويزيل التهابات الحنجرة». ويقصد الأستاذ علي غنوي مع بعض صحبته بعض الحقول القريبة من منطقة النبطية، بهدف التنزّه وقطف نبات الهليون، الذي لم يحن موعده بعد في القرى الجبلية المرتفعة. فالهليون «من أطيب الطعام، وأسهله تحضيراً، ويضرب بطراوته المثل، إضافة إلى أنه يحيل طبقاً عادياً من البيض المقلي إلى أكلة فاخرة، كل ذلك في 5 دقائق، ويجب أن تبحث عنه بين الأعشاب النابتة أسفل أشجار الزيتون وبجانب الصبّار». بعض الصبية في منطقة بنت جبيل بدأوا برحلات البحث عن الفطر الذي ينمو في الحقول بعد الأيام الأولى لسقوط المطر ، هكذا، ينتظر جهاد عطوي (15 سنة) يوم العطلة المدرسية، للذهاب إلى الحقول البعيدة وجني ما تيسر له من الفطر، لكن أهله، كما يقول، أصبحوا يخافون عليه من القنابل العنقودية، التي لا يعلمون في أي حقل تكون، وخصوصاً أن الكثير من الأولاد أصيبوا إصابات خطرة جرّاء انفجار هذا النوع من القنابل في حقول لم يكن يعلم أنها مفخخة. وفي جميع الأحوال، فموسم الفطر يحتاج إلى مطر إضافي لم ترسله السماء بعد. وهدف الصبية من لمّ «السليق» ليس بالطبع الإفادة الصحية. فهم يستغلون الموسم للتجارة. هكذا، يقصدون سفوح الجبال البعيدة صباحاً، ويأتون بحمولتهم من النباتات، التي يبيعونها لأصحاب المنازل. فسعر ربطة الصعتر لا يتجاوز ألفي ليرة، أما الهليون فهو الأغلى سعراً، لذلك يعمد الصبية إلى توزيعه على ربطات صغيرة جداً لبيعها بأسعار مقبولة. واليوم، يشكو البعض قلّة الأراضي التي لا تزال برية بسبب العمران الفوضوي، وتقول فاطمة ياسين، «منذ عشر سنين كانت الأمكنة المحيطة ببلدتنا مجدل سلم عذراء، لا يطأها إلا الفلاحون والصيادون، أما اليوم فقد تضاءلت مساحة الأراضي الزراعية بسبب العمران الذي ملأ كل الأودية والحقول المحيطة بالبلدة».

تعليقات: