حشر فخامة رئيس الجمهورية نفسه في زاوية ضيقة، أقرب إلى حافة حادة لا تتجاوز30 درجة، حين وضع أمامه خيارين لا ثالث لهما: إمّا أسود وإمّا أبيض. ومن يمل كخيارًا ثالثًا فليتفضل به.
الخيار الأول: الورقة الأميركية
الموافقة على الورقة الأميركية قد تبدو، في ظاهرها، الطريق إلى السلام والازدهار، حيث يمكن للرئيس أن يقول للعالم: "أنجزت واجباتي، فلتنجزوا أنتم واجباتكم". لكنالتجارب مع إسرائيل والولايات المتحدة تؤكد العكس. فمنذ قيام "دولة إسرائيل"، لم تُعر أياهتمام للمجتمع الدولي أو لقراراته، بل كانت دائمًا تفرض عليه شروطها، بينما يقفهذا المجتمع عاجزًا وخاضعًا لمصالحها.
الولايات المتحدة، الراعي الأول لوقف إطلاق النار ومعها فرنسا، لم تلتزما بتطبيق الاتفاقات، ولا اللجنة الخماسية ولا اليونيفيل. جميعهم بلا سلطة حقيقية على إسرائيل. والأسوأ أن اميركا تساند إسرائيل المغتصبة للأرض وسفك دماء الأبرياءالعزل، لا تؤمن بالحلول السياسية إلا إذا كانت تصبّ في مصلحتها . وأوسلو خير شاهد: أين دولة فلسطين اليوم؟
أكثر من 90% من الضفة الغربية ابتلعتها إسرائيل، واليوم تستعد لضمها تحت اسم "يهودا والسامرة"، بعد أن ضمّت قبل أيام قرى وبلدات جديدة إلى القدس.
لبنان، إذا وافق على الورقة الأميركية، يدخل نفقًا مظلمًا قد يقود إلى انهيار نظامه من الداخل والخارج. إنها أشبه بانتحار سياسي يجرّ البلاد إلى الهاوية.
الخيار الثاني: الرفض
رفض الورقة الأميركية يعني استمرار الاعتداءات الإسرائيلية. لكن الردع لا يأتي بالسياسة وحدها، بل بإعطاء الأوامر للجيش والمقاومة بالتصدي. هنا فقط تُجبر إسرائيل على التنازل وتُقلّص خروقاتها حتى الصفر بفضل المقاومة والدبلوماسيةالتي تسيران جنبًا الى جنب لتحقيق الهدف ، وهو السيادة .
أما الإيحاء بأن المقاومة تخص فئة بعينها، فذلك قلب للحقائق. هذه الفئة – التي تُشكّل 38% من اللبنانيين – ليست دخيلة على لبنان، بل هي من أقدم ساكنيه، وقد قاومت كلمحتل: من الاسكندر وما تلاه من حملات غربية الى الأمويين والعباسيين والفاطميين،إلى العثمانيين والفرنسيين، وصولًا إلى الاحتلال الإسرائيلي. وهي من قدّم آلاف الشهداء دفاعًا عن الأرض، وهي من حررت العاصمة بيروت والأراضي المحتلة. هل يكون جزاؤها اليوم نزع سلاحها ونزع قوة لبنان معها؟
وفق استطلاع لجريدة النهار – الخصم الشريف – 75% من اللبنانيين يرفضون نزع سلاح المقاومة. هذا ليس موقف فئة، بل موقف شعب.
الخيار الثالث: الزاوية المنفرجة
الخيار الثالث موجود، وهو الأصح: التمسك باتفاق وقف إطلاق النار، مع تحميل المجتمع الدولي مسؤولية التزام إسرائيل. فلبنان قام بواجباته ونفّذ ما عليه، بينما إسرائيل لم تلتزم، والمجتمع الدولي عاجر أمام القوة والنفوذ الإسرائيلي المهيمن علىالمجتمع الدولي.
في هذا العالم، الضعف لا يُحترم. لبنان قوته في مقاومته، وقد أثبتت التجارب على مدى 40 عامًا أن هذه القوة وحدها هي التي تحميه، لا التنازلات ولا الأوراق الأميركية.
الحاج صبحي القاعوري
تعليقات: