مي عبدالله: تفجير البيجر.. جرح في الجسد اللبناني وامتحان للمواطنة


المتضررون من تفجير البيجر ليسوا مجرد أرقام في نشرات الأخبار. إنهم آباءٌ لأسر، أصحاب مهن، وأبناء أرض. إنهم مواطنون لبنانيون شاء من شاء وأبى من أبى. ومن يرتضي الأذية لشريكه في الوطن، ويعيش نشوة الشماتة في مصابه، لا تليق به صفة المواطنة ولا يحق له الادعاء بالحرص على مفهومها.

ما حدث مع عناصر حزب الله في تفجير البيجر قد يحدث غدًا مع طوائف أو تيارات أو أحزاب أخرى، وإن بأشكال مختلفة. فهل يكون التشفي بمصاب جزءٍ من اللبنانيين دليل عافية وسلوكًا طبيعيًا؟ أم هو سقوط أخلاقي يهدد النسيج الوطني برمته؟

لقد اعتاد اللبنانيون، رغم انقساماتهم، أن يتوحّدوا عند أي اعتداء خارجي يمسّ السيادة والكرامة. حين احتجز الرئيس سعد الحريري في السعودية عام 2017، وقف خصومه قبل حلفائه ليقولوا إن الإهانة التي لحقت بموقع رئاسة الحكومة لا تُمسّ به وحده بل بكل لبنان. وفي مجازر قانا عامَي 1996 و2006، كما في حرب تموز وما رافقها من قصف وتهجير، خرج اللبنانيون جميعًا ليعلنوا أن الدم المدني البريء ليس مجالًا للتسييس ولا للتشفي.

غير أن المشهد في ذكرى تفجير البيجر كان مختلفًا.

اليوم، بعد مرور عام على استهداف العدو الإسرائيلي لشريحة واسعة من أبناء الوطن عبر تفجير البيجر، يغيب المشهد الطبيعي: لا بيان رسمي في الذكرى يعلن موقفًا متضامنًا على المستوى الإنساني والوطني، ولا تعويضات رسمية تُخفّف عن المتضررين، ولا خطوات عدلية ملموسة تُطمئن المصابين وعائلاتهم بأن الدولة إلى جانبهم.

لا يمكن لدولة أن تقوم على تجاهل أبصار فُقدت وأيادٍ بُترت، دون أن يكون لها على الأقل موقفٌ يُنصف الضحايا ويبرهن أنها دولة لجميع اللبنانيين، لا دولة غائبة أو دولة فريق دون فريق.

كم من الوطنية تبقى عندما تغيب التعويضات والإنصاف؟ رغم أن الحكومة أدانت التفجير ورفعت شكوى في منظمة العمل الدولية، فإن عامًا مرّ دون أن تُصدر الدولة أي فعل يوازي حجم الكارثة. هذا الغياب ليس مجرد تقصير بشري، بل علامة على أن الوطنية تحتاج إلى أفعال، لا مجرد كلمات.

وفي ذكرى مرور عام على تفجير البيجر، يجب أن يعلو صوت التضامن على صوت الشماتة، وصوت الاستنكارات على صوت الاتهامات، وصوت الوحدة على أصوات الفتنة والتفرقة. فالوطن لا يُبنى بالانقسام، بل بحفظ كرامة أبنائه جميعًا أمام أي اعتداء خارجي.

ختامًا، رحم الله الشهداء، وصبّر الله الجرحى على آلامهم ومصابهم.

هذا المقال ليس اصطفافًا مع طرف ضد آخر، بل وقفة إنسانية ووطنية أمام جريمة أصابت شريحة واسعة من اللبنانيين. الرسالة واضحة: التفجير عدوان إسرائيلي، والضحايا مواطنون لبنانيون، والوحدة الوطنية فوق كل خلاف. أما الدولة، فامتحانها الحقيقي لا يكون في البيانات، بل في أفعال تُنصف الجرحى وعائلات الشهداء.

#تفجير_البيجر

#المواطنة

#مي_حسين_عبدالله

تعليقات: