رنا الساحلي شخصية بارزة في الوسط الإعلامي، لم يكن يمر أي عمل صحفي في مناطق نفوذ الحزب من دون موافقتها
تواصل قيادة حزب الله إعادة صياغة بنيته التنظيمية ولملمة أشلائه بما يتناسب مع مرحلة ما بعد النكسة والإخفاقات التي أصابت وحداته. وقد وجد الحزب نفسه أمام مفترق طرق خطير: إما الاستمرار على نهج سلفه والعمل بالأدوات المتبقية من عهد السيد حسن نصر الله، مع ما يحمله ذلك من انتكاسات إضافية، أو الانقلاب على نفسه والتوجه نحو مسار جديد يضمن بقاءه.
بنيان مهترئ وصراع داخلي
أدركت القيادة الحالية أنها أمام بنيان مهترئ لا بد من هدمه وإعادة بنائه. وتكشف مصادر متابعة أن داخل الحزب يدور صراع وتمرد بين من يعتبر أي تغيير انقلابًا على مبادئ نصر الله وانحرافًا عن البوصلة الإيرانية، وبين القيادة الجديدة التي رأت أن سبيل البقاء هو العودة إلى نقطة الصفر وتأسيس “نيو حزب” يتماشى مع المتغيرات.
العلاقات الإعلامية واجهة الانقسام
في هذا السياق، شكّلت وحدة العلاقات الإعلامية – باعتبارها الواجهة التي تعكس هوية الحزب السياسية والعسكرية – مسرحًا للصراع الذي كشف الانقسام الداخلي بعد اغتيال مسؤولها محمد عفيف، الذي كان مقرّبا من نصر الله وناطقا باسم الحزب. وتشير المصادر إلى أن طريقة إقالة رنا الساحلي من منصبها على يد يوسف الزين، الذي خلف عفيف، أبرزت حجم الخلافات. فقد تمرّدت الساحلي على الزين بدعم أحد القادة العسكريين، وكانت تصدر بيانات الإعلام الحربي دون التنسيق معه، ما تسبب ببلبلة وإرباك متكرر قبل أن تُضبط الأمور.
تضيف المصادر أن الساحلي حاولت السيطرة على المواقع الإلكترونية التي أسسها محمد عفيف سابقًا كمنصات غير رسمية للتصويب على السعودية وتمرير الرسائل إلى الحلفاء، إضافة إلى مهاجمة الخصوم والناشطين. كما تكشف أن أسلوب إقالتها يشبه الطريقة التي حُيّد بها مسؤول وحدة التنسيق والارتباط وفيق صفا عبر تقليص صلاحياته الأمنية دون قرار رسمي، في محاولة لحفظ ماء الوجه ومنع الخصوم من استغلال الموقف لتصوير الحزب ضعيفًا.
إقالة بلا إعلان رسمي
وتشير المصادر إلى أن الزين لم يُبلّغ بقرار الإقالة رسميًا، بل تلقّاه بطريقة غير مباشرة عبر رسالة وزعتها العلاقات الإعلامية لوسائل الإعلام تضمنت أرقام مكتب المسؤول الجديد، خالية من رقم الساحلي. ونصّت الرسالة: “في إطار تنظيم وتعزيز التنسيق والتعاون مع وحدة العلاقات الإعلامية نعلمكم باعتماد الأرقام التالية للتواصل مع المعنيين في الوحدة وتسهيل الأمور والمتابعة ضمن الأطر المناسبة”. تلك الأسطر القصيرة كانت كافية لإيصال الرسالة، ولولا حملة التضامن على وسائل التواصل – التي أثارها ناشطون من الحزب معتبرين أن السبب هو كونها امرأة – لبقيت القضية طي الكتمان. وقد ردّت الساحلي ببيان شكرت فيه المتضامنين معها.
نفوذ الساحلي
وتؤكد المصادر أن إقالة الساحلي لم تكن سهلة أو مفاجئة، فهي شخصية بارزة في الوسط الإعلامي، إذ لم يكن يمر أي عمل صحفي في مناطق نفوذ الحزب من دون موافقتها. فقد كانت صاحبة القرار الفعلي، لا سيما في عهد محمد عفيف قبل اغتياله، حيث لم يكن يُسمح لأي صحافي بالعمل في الضاحية أو البقاع أو الجنوب من دون إذن “الحجّة رنا”. ومن تجاوز “الفيتو” الخاص بها عرّض نفسه للاعتقال أو الإبعاد.
امتدّ نفوذها إلى المؤسسات الإعلامية نفسها، حيث امتلكت حق الفيتو على أي صحافي أو محلل سياسي شيعي لمنعه من الظهور الإعلامي إذا لم يكن ضمن دائرتها. وكانت تُوصف بتعاطيها الفوقي مع الإعلاميين، إذ كان المراسلون ينتظرون أيامًا للحصول على رد على رسائلهم، وإن وافقت على تقرير أو تحقيق، كان المحتوى يخضع للرقابة الدقيقة ليتوافق مع سياسة الحزب. ومن خالف هذه القواعد وُضع على اللائحة السوداء ومنع من التغطية تحت طائلة المسؤولية الأمنية.
,تؤكد المصادر أن المرحلة الجديدة ستشهد تعاطيًا أقل تشددًا مقارنة بالماضي، مع توجّه لرفع اليد عن ما سمّاه المصدر “الدكاكين الإعلامية” التي كان مكتب العلاقات الإعلامية يمولها.
تعليقات: