المشهد السياسي الفلسطيني يزداد يوماً تلو يوم تعقيداً وضبابية، حيث لم يعد بمقدورنا قراءة الواقعية السياسية التي يتم من خلالها إدارة هذا الملف شائك التعقيد والضبابية بآن واحد، حيث أن الخصمان الفلسطينيان لم يلعبا في الساحة لوحدهما، بل هناك العديد من القوى الدولية والإقليمية تدير سبر المعركة بدقة وتخطيط وفاعلية، وتعيد توجيه بوصلة التطورات الإقليمية الساحة في حدود الجغرافيا الفلسطينية السياسية، وهذا لم يعد خافياً على أحد، أو يحتاج لتعمق أكثر في المشهد الفلسطيني أو الحالة الفلسطينية الحالية. هذه الحالة التي تحولت من صراع فلسطيني- اسرائيلي الى صراع فلسطيني-فلسطيني تديره العديد من القوى العربية والإقليمية كلاً حسب مصالحه وأهدافه ورؤياه السياسية المستقبلية للمنطقة. وهذا ماأشار اليه واضحاً وزير الخارجية المصري في تعليقه على وقف الحوار او تجميده من قبل حركة حماس عندما أشار الى بعض القوى الإقليمية والتي تعتبر إيران وقطر وسوريا على رأسها بل هي المحرك للسياسة الفلسطينية المتعلقة بحركة حماس في قطاع غزة والخارج.
أمام هذه الحالة، طالعتنا وكالات الأنباء بنوايا إسرائيل بالإفراج عن الدكتور عبدالعزيز دويك رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، هذا الإفراج يعطي مؤشرات على تدخل مباشر وعميق لإسرائيل في إدارة الأزمة السياسية الفلسطينية، وهذا ليس مستحدثاً أو نتيجة لما سبق ذكره من تدخلات إقليمية أخرى، بل إن إسرائيل تعتبر أهم اللاعبين في الأزمة الفلسطينية-الفلسطينية، إن لم تكن هي المطبخ السياسي لها، والمخطط لفصولها. ولكن الإيحاءات المباشرة في التدخل بعملية إدارة الأزمة -حسب وجة نظري- بدأت من نواياها بالإفراج عن رئيس المجلس التشريعي في هذا الوقت بالذات، رغم إنها بذلك تخلت عن ربط قضية أسرى أعضاء المجلس التشريعي بملف شاليط، وهذا ليس تضحية من إسرائيل بقدر ماهو تعميق للأزمة الفلسطينية-الفلسطينية.
فهنالك إستحقاق رئاسي قادم في التاسع من يناير للعام القادم، هذا الإستحقاق الدستوري يواجه مواقف رافضة لتجديد فترة الرئاسة، والإعتراف بشرعية الرئيس محمود عباس من قبل حركة حماس، والإعراب عن نواياها بتنصيب أحمد بحر نائب رئيس المجلس التشريعي كرئيس لمرحلة إنتقالية حتى يتسنى إجراء إنتخابات رئاسية جديدة، وهو إن حدث فعلاً تكون حركة حماس قد سطرت آخر فصول انفصال قطاع غزة عن الضفة الغربية، وآخر شهادة وفاة لمؤسسة السلطة الوطنية الفلسطينية، بما وإنه لن تجري أي إنتخابات مستقبلية -على الأقل في الوقت القريب- حتى تعود حركة حماس للملمة مافقدته خلال فترة الإنقسام من جماهيرية أسقطتها العديد من الممارسات السياسية والإقتصادية في قطاع غزة، إضافة إلى تحركات الجامعة العربية وبعض الدول العربية في مقاطعة حركة حماس وهو ماأكدته أزمة حجاج قطاع غزة الأخيرة، والتي أكدت عدم إعتراف السعودية بحكومة حركة حماس المقالة في قطاع غزة، وإنها توجهت الى حكومة الرئيس محمود عباس.
هذه القضايا جميعها مترابطة ضمن سيناريو يؤكد مدى تعقيد وضبابية المشهد الفلسطيني، والذي سيزداد تعقيداً بعملية الإفراج عن رئيس المجلس التشريعي عبدالعزيز دويك، حيث إن عملية الإفراج ستفوت الفرصة على حركة حماس من تنصيب أحمد بحر رئيساً وهو مايسقطه الدستور تلقائياً، وهذا نتاج حقيقة الأزمة الدستورية عامة، وهنا تكون حماس أمام خيارات أفضلها أسوأ من الآخر.
السيناريو الأول: تعيين عبدالعزيز دويك رئيساً للسلطة الوطنية بعد إنتهاء ولاية الرئيس محمود عباس، وهذا بدوره سيمثل ضغوطات على الدكتور عبدالعزيز دويك، تتمثل في مدى قبوله لذلك وبهذا يكون موقعه الجغرافي(رام الله) له دور حاسم في قبوله لذلك، وبذلك يتعرض هو وحركة حماس في الضفة لملاحقة الأمن والقانون معاً، مع العديد من الخيارات الأخرى.
السيناريو الثاني: أن يرحل الدكتور عبدالعزيز دويك إلى قطاع غزة ويقيم فيه وهو ما لا تسمح به إسرائيل قطعاً لأن ذلك يعني تسهيلها لحركة حماس فعل ماتشاء، وقلب الطاولة على المفاوض الأساسي والرئيس محمود عباس وتجريده من كل أوراقة وخاصة بعد تنصيبه من المجلس المركزي الفلسطيني رئيساً لدولة فلسطين.
السيناريو الثالث:رفض الدكتور عبدالعزيز دويك قبول تعيينه رئيساً وهنا يكون قد خرج عن موقف حركته(حماس) وهو مايُعرضه للمساءلة الحزبية والحركية، والتي سيترتب عليها العديد من الأمور والقضايا الأكثر خطورة.
أمام هذه الإحتمالات والإجتهادات، تكون إسرائيل قد قدمت فصلاً آخر من فصول إدارة الأزمة الفلسطينية، حيث إنها إستطاعت الوصول الى الإنقسام ومن ثم إنهاء ورقة الضغط الفلسطينية المتمثلة بالمقاومة سواء في الضفة الغربية او قطاع غزة، وإنه لم تعد تؤرقها المقاومة التي تعيش حالة إحتضار في غزة بفعل التهدئة، وبالضفة الغربية بفعل سياسة الإقصاء والإجبار، وعليه فهي تحدد الممثل وطريقة الأداء والإخراج وفق الرؤى الإسرائيلية المحضة.
إضافة الى إنها وضعت كل الخيارات في سلة واحدة أمام حماس التي ستجد أن أي خيار لها سيضعها أمام مأزق خطير، وكذلك الحال بالنسبة للرئيس الفلسطيني محمود عباس.
وهنا التساؤل الأهم: ماهي الخيارات المطروحة لحركة حماس والرئيس عباس أمام قوة الدفع الإسرائيلية؟!
الإجابة على هذا التساؤل جاءت في السياق السابق من المقال بإشارات غير مباشرة، وهي الإنتظار حتى طرح البدائل والخيارات من القوى الخارجية التي تحرك الفعل السياسي الفلسطيني، والذي ربما ينتج تحركاً سريعاً من قطر على وجه الخصوص في إنقاذ مايمكن إنقاذه من ماء الوجه.-كما فعلت في الأزمة اللبنانية- ولماذا قطر بالذات؟! لأنها الضلع الوحيد من المثلث الذي يستطيع فعل ذلك من الأضلاع الأخرى،إيران وسوريا، كونها تستطيع الظهور بوجه المنقذ لمصالح كل الأطراف الفلسطينية، وهذا يتوقف على الإشارات والإيحاءات التي ستتلقاها قطر من كل الأطراف المتداخلة في اللعبة السياسية الفلسطينية. وهذا إن تحقق سيضطر حركة حماس للقبول بالحوار، والتخلي عن السياسة الإملائية التي عرقلت بها حوار القاهرة، والخضوع لمتطلبات المستجدات السياسية.
والتساؤل الأبرز في خضم هذه الحالة: هل الإفراج عن الدكتور عبدالعزيز دويك وزملائه إنقاذ أم إغراق للساحة الفلسطينية؟!
تعليقات: