الجنوبيون وجرحُ حربٍ مفتوحة: تعويضات عالقة بين الحزب والدولة

تسجيل الأضرار الجديدة مستمر لكن دفع التعويضات مؤجل (المدن)
تسجيل الأضرار الجديدة مستمر لكن دفع التعويضات مؤجل (المدن)


انتظر الجنوبيون الهاربون من قراهم إثر توسّع الحرب الإسرائيلية، ومعهم الهاربون من الضاحية الجنوبية لبيروت، أن يعودوا جميعاً إلى بيوتهم مع إعلان وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني 2024. وظنّ كثيرون أنّ عملية إحصاء الأضرار ستُستَكمَل وتليها رحلة دفع التعويضات المالية. لكنّ الآمال خابت والذاكرة لا تزال تسجّل المزيد من الخيبات مع استمرار الاعتداءات الإسرائيلية التي ترفع حجم الأضرار وتراكم الخسائر. وليس إحصاء الأضرار المستجدّة وحده المشكلة، بل دفع أكلافها، فلا حزب الله استأنَفَ دفع المستحقات، ولا الدولة قادرة على ذلك. فمَن يدفع هذه الفاتورة؟

الأضرار تتزايد

دَفَعَ الجنوبيون فاتورة دم كبيرة لا يزال الخلاف حول جدواها قائماً. فتداعيات قرار حزب الله فتح معركة "إسناد غزّة" في 8 تشرين الأول 2023، تسارعت وصولاً إلى حرب شاملة تحوّل خلالها الجنوب اللبناني إلى ساحة نار يصعب إخمادها. أمّا القرى الحدودية، فباتت شبه صحراء خالية إلاّ من ركام المنازل والمؤسسات والأشجار المعمّرة المقتَلَعة عمداً من أرضها.

إعادة عقارب الساعة إلى الوراء وإلغاء قرار الإسناد والحرب، أمر مستحيل. على أنّ الحلّ الأنسب هو إعادة إعمار ما تهدّم. لكن عقبة التحوّلات في لبنان والمنطقة وغياب التمويل والإمكانات اللوجستية لدى الحزب والدولة، يُحيل إعادة الإعمار إلى المجهول. ومع أنّ بعض البَدَلات المالية دُفِعَت للمتضرّرين، بهدف مساعدتهم في استئجار منازل وشراء بعض الأثاث، إلاّ أنّ وقف حزب الله عملية صرف الشيكات عبر مؤسسة القرض الحسن، فاقَمَ أزمة النازحين والمتضرّرين. وتعاظمَ الحال مع غياب رؤية الدولة لمصير الإعمار.

ووسط هذا العجز، لا يزال حساب الحرب مفتوحاً بفعل استمرار الاعتداءات الإسرائيلية. ورغم عدم القدرة على الدفع راهناً، إلاّ أنّ حزب الله "لا يزال يمسح الأضرار المستجدّة مع كل اعتداء"، وفق ما يؤكّده المهندس المسؤول من قِبَل حزب الله عن عملية مسح الأضرار في الجنوب، هيثم زيّات، الذي يقول لـ"المدن" إنّ الفرق المتخصّصة "تسجّل الأضرار في اليوم التالي لأي عملية استهداف". لكن مذ أعلنت مؤسسة القرض الحسن تعليق عملية صرف الشيكات "بات الدفع مؤجّلاً". ويلفت زيّات إلى أنّ "كل حامل شيك سيتمكّن من صرفه فور استئناف الدفع".

لا أموال لدى الدولة

تعليق الحزب عملية دفع البَدَلات المالية للنازحين والمتضرّرين، رافقه توقّف الدولة عن تمويل بعض أعمال الترميم، خصوصاً عبر مجلس الجنوب الذي استطاع "تأمين التمويل لترميم نحو 200 مدرسة رسمية متضرّرة، بين الجنوب والبقاع الغربي وراشيا، إضافة إلى ترميم 155 مبنى لمؤسسات رسمية توزّعت بين مبانٍ للبلديات والمستشفيات، ومنها بنت جبيل، تبنين ومرجعيون. فضلاً عن ترميم سرايا النبطية، بنت جبيل، تبنين وجويّا"، وفق المعلومات التي حصلت عليها "المدن" من مجلس الجنوب الذي يؤكّد أنّ "عدم توافر الاعتمادات المالية اللازمة، حال دون دفع التعويضات حتى تاريخه".

معضلة التمويل لدى الدولة لا تنحصر بعدم دفعها تعويضات أضرار الحرب الأخيرة، وإنما تُعيد التذكير بأنّ بعض متضرّري حرب تموز 2006 لم يقبضوا تعويضاتهم، بحسب مصادر في مجلس الجنوب. وتشير هذه المصادر إلى أنّ "غالبية التعويضات للمتضرّرين تمّ دفعها، لكن هناك مَن لم يقبض بعد بسبب وجود إشكالات في أوضاع وحدته المتضرّرة، إضافة إلى أنّ قيمة التعويضات بالليرة لم تعد كافية، بفعل ارتفاع سعر صرف الدولار". وذلك يستدعي "إعادة النظر في قيمة التعويضات".

وبغضّ النظر عن موعد الدفع، سجّل مجلس الجنوب "حتى الآن، 223 ألف و117 وحدة سكنية وغير سكنية مهدّمة ومتضررة. وتنقسم الوحدات بين 50 ألف وحدة مهدمة و173 ألف و117 وحدة متضررة. وكلفتها الإجمالية نحو 5 مليارات دولار".

وأما البنى التحتية المهدمة والمتضررة فـ"مجموعها نحو 222 ألف و500 وحدة. تتوزّع بين مدارس، مستشفيات، مستوصفات، مبان بلدية، سرايا، مخافر، دفاع مدني، أبنية دينية، شبكات كهرباء، تأهيل طرقات، شبكات صرف صحي، سيارات، ملاعب، نوادٍ، مكتبات ومتاحف... وغيرها. وقيمتها التقريبية نحو 500 مليون دولار".

عدم استقرار الأحوال السياسية في لبنان والمنطقة، ووقف الجهات المعنية، أي حزب الله والدولة، عمليات الدفع وترميم ما يمكن من مراكز ومؤسسات رسمية، يعنيان أنّ المستقبل القريب المتعلّق بالتعويضات، لا يزال غامضاً. أمّا استذكار تعويضات حرب تموز 2006، والإشارة إلى انهيار سعر صرف الليرة، فيعنيان أنّ بعض متضرّري تلك الحرب لم يقبضوا مستحقاتهم رغم مرور نحو 13 عاماً، وهي الفترة بين انتهاء الحرب وبدء الأزمة الاقتصادية وانهيار سعر الليرة. وهذا ينذر بأنّ دفع تعويضات الحرب الأخيرة وأضرارها المتراكمة حتى اللحظة، قد يُحال إلى أمد بعيد.

تعليقات: