روان عيسى: عن المطران غريغوار حدّاد.. العلمانية الشاملة والمواطنة


صوت مختلف في زمن الانقسام

في بلد يتقاطع فيه الدين بالسياسة، ويُبنى النفوذ على أسس طائفية، برز المطران غريغوار حدّاد كصوت عروبي استثنائي. لم يكن مجرد رجل دين تقليدي، بل كان رجل إيمان ومجتمع مدني، جمع بين الروحانية والجرأة في طرح أفكار إصلاحية جريئة. وُصف بـ"المطران الأحمر" من قبل محبّيه، فيما اعتبره خصومه خطيرًا لأنه تحدّى القاعدة ودعا إلى دولة مدنية لا تقوم على العصبيات.


النشأة والبدايات

وُلد المطران عام 1924 في بيروت، ونشأ في بيئة مسيحية أحبّت العلم والقراءة. التحق بالكهنوت ونال شهادة في اللاهوت من جامعة القديس يوسف، لكنه سرعان ما تجاوز الدور الكنسي التقليدي. كان يؤمن بأن الكنيسة لا تقتصر على الطقوس، بل عليها أن تنخرط في قضايا الناس، خصوصًا الفقراء والمهمشين.


نشاط اجتماعي متجذّر

لم يكتفِ بالتنظير، بل كان ناشطًا ميدانيًا. أسّس وشارك في جمعيات رائدة مثل "أمم" و"اللجنة الوطنية للحوار الإسلامي–المسيحي"، ونظم مبادرات لدعم الشباب، واللاجئين، وذوي الاحتياجات الخاصة. جمع بين الإيمان والعمل المدني، وجعل من الدين وسيلة لخدمة الإنسان.


مشروعه: مجتمع مدني ودولة عادلة

في الستينات والسبعينات، طرح حدّاد مشروعه الكبير: بناء مجتمع مدني قائم على العلمانية. دعا إلى:

فصل الدين عن السياسة

إلغاء النظام الطائفي

المساواة بين المواطنين

تمكين الفئات الفقيرة

إصلاح الكنيسة لتكون أقرب إلى الناس

شعاره كان بسيطًا وجامعًا: "الدين لله والوطن للجميع".


الصدام مع المؤسسة الدينية

جرأته جعلته في مواجهة مباشرة مع النظام الطائفي والكنيسة معًا. وفي عام 1975، تعرّض لحملة عنيفة واتُهم بالهرطقة. جُمّدت صلاحياته كمطران، لكنه لم يتراجع. واصل نشاطه المدني، مؤكدًا أن الإيمان لا يتناقض مع الحرية، بل يعزّزها.


فلسفة العلمانية عنده

قدّم المطران حدّاد رؤية جديدة للعلمانية، مغايرة للصورة النمطية في لبنان. كان يقول:

"العلمانية لا تعادي الدين، بل تحميه من التسييس، وتحمي المواطن من التمييز."


إرثه المستمر

توفي عام 2015 عن عمر 91 عامًا، لكن أفكاره ما زالت حيّة. في ظل الأزمات التي يعيشها لبنان اليوم، يتجدد الحديث عن الدولة المدنية، والمساواة، والإصلاح. كلها شعارات رفعها المطران حدّاد منذ عقود.


خاتمة

كان المطران غريغوار حدّاد رجلًا سابقًا لعصره، جمع بين الإيمان والشجاعة، ودافع عن وطن يتسع للجميع. ترك وراءه فكرة بسيطة وعميقة: الوطن للجميع، والدين يُحترم ولا يُفرض. وفي بلد مأزوم كلبنان، لا يزال صوته حاجة ماسة.

تعليقات: