مي عبدالله: الخطة الأميركية.. بين الواقع المعلن والأهداف غير المصرّح بها

مي حسين عبدالله:  قد يُفهم من مجمل المؤشرات  ان الخطة الأميركية تظهر كمسعى لإنهاء الحرب، لكنها في جوهرها قد تتحول إلى إدارة للأزمة أكثر منها حلًا للصراع
مي حسين عبدالله: قد يُفهم من مجمل المؤشرات ان الخطة الأميركية تظهر كمسعى لإنهاء الحرب، لكنها في جوهرها قد تتحول إلى إدارة للأزمة أكثر منها حلًا للصراع


الأحداث لا تمنحنا ترف التأجيل. وما نكتبه اليوم قد لا يعود صالحًا غدًا. من هنا تأتي هذه القراءة للخطة الأميركية في توقيتها، قبل أن تفقد قيمتها وسط سيل المقالات


تطرح إدارة ترامب خطة جديدة لوقف حرب غزة، تبدو في ظاهرها مسعى نحو التهدئة وإعادة الإعمار، لكنها تحمل في طياتها أبعادًا أعمق تستدعي قراءة متأنية تتجاوز الشعارات المعلنة. فبدل أن تُعيد الاعترافات الدولية المتزايدة بدولة فلسطين الاعتبار إلى مسار حل الدولتين، يأتي هذا الطرح الأميركي ليضع هذا الاعتراف أمام اختبار صعب، وربما ليُفرغه من مضمونه العملي.

الخطة في مضمونها المعلن، تدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار، تبادل للأسرى، نشر قوة استقرار دولية، وإنشاء حكومة تكنوقراطية في غزة تتولى الإعمار والإدارة المؤقتة. من حيث الشكل، قد تبدو هذه البنود خطوة نحو التهدئة وإنهاء المعاناة الإنسانية.

مع ذلك، قد يُفهم أن الخطة لها أهدافا أخرى غير مصرح بها، من أبرزها:

* تعزيز صورة ترامب كوسيط سياسي قبل الانتخابات الأميركية.

* إعادة ترتيب المنطقة بما يعزز موقع إسرائيل كقوة إقليمية أساسية.

* تقليص دور الفصائل الفلسطينية المسلحة، ومحاولة نزع السلاح من غزة عبر آليات دولية.

* إبعاد إيران وحلفائها عن الملف الفلسطيني، وإعادة توجيه دور الدول العربية ليكون داعمًا لمسار ترعاه واشنطن.

وقد عبّر ترامب صراحة عن هذه الرؤية حين نشر البيت الأبيض صورة له على منصة "أكس" مرفقة بعبارة: «السلام من خلال القوة». عبارة تختصر جوهر الخطة الأميركية، وتحوّل السلام إلى مشهد مشروط بالقوة لا بالتسوية.

وعلى الرغم من أن دولًا أوروبية عدة اعترفت مؤخرًا بدولة فلسطين، إلا أن الخطة الأميركية قد تجعل هذه الاعترافات رمزية أكثر منها عملية. فالانسحابات من قاعة الأمم المتحدة أثناء خطاب نتنياهو تعكس حجم الرفض السياسي لهذا المسار، لكن يبقى ميزان القوة على الأرض هو العامل الحاسم في تحديد جدية هذه الاعترافات.

في هذا السياق، من المتوقع أن تجد إيران في الخطة تحديًا مباشرًا لنفوذها الإقليمي. قد تسعى إلى مواجهتها عبر وسائل دبلوماسية وإعلامية، وربما من خلال دعم أطراف حليفة في غزة وساحات أخرى. ومع ذلك، تدرك طهران أن الدخول في مواجهة مفتوحة قد يجرّ تداعيات واسعة، ما يجعل أي رد محتمل محكومًا بحسابات دقيقة.

في لبنان، أي محاولة لتجريد غزة من السلاح قد تُقرأ على أنها تمسّ بعمق معادلة الردع في المنطقة. حزب الله، وإن لم يكن معنيًا مباشرة بتفاصيل الخطة، سيراقب مسارها باهتمام. فإذا بقيت الخطة في إطار المناورة السياسية، قد يكتفي الحزب بموقف داعم لغزة سياسيًا وإعلاميًا. أما إذا مضت واشنطن وتل أبيب نحو تنفيذ جدي يطال جوهر قوة المقاومة، فقد يلجأ الحزب إلى خطوات تصعيدية متدرجة على الجبهة الجنوبية، مع مراعاة الظروف الداخلية اللبنانية وحسابات الكلفة والفائدة.

ختامًا، قد يُفهم من مجمل المؤشرات ان الخطة الأميركية تظهر كمسعى لإنهاء الحرب، لكنها في جوهرها قد تتحول إلى إدارة للأزمة أكثر منها حلًا للصراع. فهي لا تعيد الاعتبار لمسار الدولتين، ولا تقدّم للفلسطينيين أفقًا سياسيًا واضحًا، بل تفتح الباب أمام مرحلة جديدة عنوانها إعادة التموضع الإقليمي، وتحدي الإرادة الدولية التي تجسّدها الاعترافات بدولة فلسطين. في هذا السياق، تبقى الأسئلة مفتوحة حول قدرة هذه الخطة على الصمود، وحول ما إذا كانت ستخفف حدة الصراع أم تؤجل انفجاره إلى مرحلة لاحقة.

تعليقات: