الحاج صبحي القاعوري: اقتراح النائب الدكتور الياس جرادي بقانون للأحوال الشخصية المتضمّن عقد الزواج محدد المدة أحدث جدلًا واسعًا في المجتمع اللبناني
قدّم النائب الدكتور الياس جرادي اقتراحًا بقانون للأحوال الشخصية تضمّن نقاطًا عدة، كان أبرزها عقد الزواج محدد المدة. الاقتراح أحدث جدلًا واسعًا في المجتمع اللبناني، واعتبره بعض المعترضين "أخطر من عدوان إسرائيلي دمّر البشر والحجر"، بدليل أن هؤلاء أنفسهم لم يُسمع لهم صوت إدانة عند الاعتداءات الإسرائيلية اليومية.
توحيد الأحوال الشخصية: فكرة مؤجلة
اقتراح توحيد قوانين الأحوال الشخصية ليس جديدًا، فقد طُرح سابقًا، لكنه استُبعد من التداول لاصطدامه بعقبة أساسية: اختلاف التشريعات الدينية بين المذاهب وحتى داخل الطائفة الواحدة، سواء المسيحية أو الإسلامية.
عقد الزواج محدد المدة
ضمن اقتراح جرادي، وردت نقطة أثارت حفيظة الكثيرين: أن يكون عقد الزواج محددًا بخمس سنوات قابلة للتجديد بعد ثلاثة أشهر من انتهائه.
هذا الطرح قوبل بردود فعل قاسية وساخرة، وصلت إلى حدّ اتهام جرادي بارتكاب "جريمة لا تُغتفر"، وذهب البعض إلى حد المطالبة بأن يبقى في مهنته كطبيب بدلًا من التشريع. فيما قلّل آخرون من قيمة الطرح واعتبروه "لغة قانونية ركيكة" ناهيك عن ان موظفا كبيرا أساء لشريحة كبيرة من الناخبين ، حيث قال، سنطالب باعادة النائب السابق الذي حل محله النائب جرادي .
لكن خلف هذه السخرية تكمن إشكالية أكبر: هل النقاش حول عقد زواج مؤقت جريمة بحق المجتمع، بينما الدعوة إلى التطبيع مع إسرائيل أو الاستعانة بها لنزع سلاح المقاومة أمر يمرّ بصمت؟
جوقة التضليل وصمتها المريب
اللافت أن ما يُسمى "جوقة التضليل" تصدّت بعنف لاقتراح الزواج المحدد المدة، معتبرةً أنه يمسّ السيادة والهوية. لكن أين كانت هذه الأصوات عندما:
وقف نائب في البرلمان يطالب علنًا بالتطبيع مع الكيان الصهيوني؟
هدد نائب آخر الحكومة بالاستجواب لأنها لم تمنع طائرة مسيرة باتجاه فلسطين المحتلة؟
صرّح وزير لبناني بأن الحكومة سوف تستعين بإسرائيل لتنزع سلاح المقاومة بالقوة؟
هذه المواقف خالفت الدستور واتفاق الطائف والقوانين المحلية والدولية، ومع ذلك لمتحرّك الجوقة ساكنًا. أما اليوم، فقد جعلت من عقد زواج محدد المدة "تهديدًا للسيادة"!
السيادة بين المعايير المزدوجة
من المدهش أن تُعتبر الاعتداءات الإسرائيلية اليومية، وتصريحات المبعوثين الأميركيين، من القصر الجمهوري والسراي الحكومي، وحكايات باراك عن "منطقة عازلة" في الجنوب وضم أجزاء من لبنان إلى سوريا، وعن تسليح الجيش للتصدي للمواطنين ،أمورًا طبيعية "حفاظًا على السيادة". بينما يُصوَّر عقد زواج قابل للتجديد على أنه مؤامرة وجودية.
العقود في القانون والشريعة
الواقع أن العقود في الفقه والقانون متعددة: عقود تجارية، إيجار، عمل، وزواج. منها ما هو محدد المدة ومنها ما هو غير محدد، وجميعها قابلة للفسخ ضمن شروط العقد .
في الشريعة الإسلامية، وللحد من الزنى، أُجيز عقد الزواج المنقطع أو المؤقت (المتعة، المسيار)، استنادًا إلى الآية الكريمة 24 من سورة النساء. وقد يَتحوّل هذا العقد إلى دائم: «وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا» (النساء: 24).
بل إن النصوص فرّقت بين الأرملة والمطلقة اللتين لهما حرية القبول دون إذن، وبين البكر التي اشترطت الآية الكريمة 25 إذن أهلها، حمايةً لها من الانزلاق في الحرام.
«ۚفَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ»
الفوائد المحتملة
قد يساهم عقد الزواج محدد المدة في معالجة مشكلات اجتماعية متفاقمة، مثلا لمساكنة غير الشرعية وكثرة الأطفال غير الشرعيين. وإذا كان هذا العقد قابلًا للتحوّل إلى دائم، فلماذا لا يُناقش بموضوعية؟
الخلاصة
بدلًا من التهكّم والتشهير، المطلوب نقاش هادئ يوازن بين الإيجابيات والسلبيات، ويرى في اقتراح النائب الياس جرادي محاولة لإيجاد حلول لمعضلات اجتماعية واقعية. فالمجتمع الذي يُغلق الباب على أي نقاش إصلاحي، بينما يلتزم الصمت أمام الانتهاكات الصهيونية، إنما يقع في فخ ازدواجية المعايير
* الحاج صبحي القاعوري
تعليقات: