زواج مدني وليس حرب أهية
رغم ما يحمله لبنان من تنوّع ديني، يبقى هذا التنوع ساحة خلاف سياسي واجتماعي مزمن. ثلاث قضايا أساسية تتصدر النقاش العام منذ سنوات: الزواج المدني، العلمانية، والطائفية السياسية. وهي ليست ملفات منفصلة، بل حلقات مترابطة تعكس طبيعة النظام اللبناني وأزماته.
الزواج المدني: حق فردي يصطدم بالمرجعيات
الزواج المدني يعني عقدًا قانونيًا أمام الدولة بعيدًا عن المحاكم الدينية. لكن في لبنان، لا يزال هذا الخيار غائبًا، فيضطر الراغبون فيه للسفر إلى الخارج وعقد زواجهم هناك. النتيجة:
غياب المساواة بين المواطنين، إذ تختلف القوانين تبعًا للطائفة.
تقييد حرية الفرد في اختيار نوع زواجه.
أعباء مالية واجتماعية مرتبطة بالزواج الديني.
المؤيدون يرونه خطوة نحو المواطنة، فيما تعتبره المرجعيات الدينية تهديدًا لدورها ونفوذها.
العلمانية: مشروع مؤجّل
العلمانية تعني حياد الدولة تجاه جميع الأديان، وضمان حرية المعتقد. المؤيدون يرونها الطريق الوحيد للخروج من الطائفية وتحقيق المساواة، بينما يدّعي المعارضون أنها تؤدي إلى "ذوبان الهوية الدينية".
ورغم أن التجارب العالمية أثبتت أن العلمانية لا تعني العداء للدين بل حماية التعددية، يبقى تطبيقها في لبنان مؤجلاً منذ الاستقلال.
الطائفية: نظام يقيّد الدولة
الطائفية في لبنان ليست مجرد انتماء ديني، بل نظام سياسي راسخ. المناصب موزّعة على الطوائف، والمواطن يُعرَّف أولاً بانتمائه الطائفي قبل هويته الوطنية. هذه الصيغة تسببت في:
تعطيل الحياة السياسية بسبب المحاصصة.
ضعف الدولة أمام نفوذ الزعامات.
هجرة الشباب الباحثين عن دولة مدنية عادلة.
الترابط بين الملفات الثلاثة
غياب الزواج المدني هو نتيجة مباشرة لهيمنة الطائفية، ورفض أي خطوة نحو العلمانية. استمرار هذا النظام يعرقل بناء دولة المواطنة المتساوية.
لذا،
لبنان أمام مفترق طرق: إما البقاء أسير الطائفية وصراعاتها، أو التوجّه نحو دولة مدنية علمانية تضمن المساواة للجميع. الزواج المدني ليس مجرد نقاش قانوني، بل بوابة لطرح سؤال أكبر: أي لبنان نريد؟ وطنًا جامعًا لكل مواطنيه، أم تنافس وصراع دائم بين طوائف متجاورة، يديره زعماء طوائف وبعض رجالات الدين حفاظاً على مصالحهم؟
* روان عيسى (ناشطة اجتماعية)
تعليقات: