صبحي القاعوري: إني ارى ما لا ترون.. شرق اوسط جديد بسواعد ابنائه


تحولات موازين القوى في الشرق الأوسط: قراءة في السيناريوهات الجيوسياسية المستقبلية


تمثل التطورات الجارية في المنطقة نقطة محورية لإعادة تقييم المشاريع الجيوسياسية التي هيمنت على عقود مضت. تشير التحليلات القائمة على قراءة المسار التاريخي إلى أن نموذج الهيمنة الإقليمية الذي تزّعمه التحالف الغربي-الإسرائيلي يواجه تحديات وجودية، مما يفتح المجال أمام بروز معادلات قوى جديدة قد تُعرف ما يُصطلح عليه بـ"الشرق الأوسط الجديد"، ولكن بصيغة مختلفة عن تلك التي بُشر بها سابقاً.


السياق التاريخي: من الإخفاقات إلى نقاط التحول

لا يمكن فصل السيناريوهات المستقبلية عن السياق التاريخي. فقد شهدت المنطقة سلسلة من الأحداث التي شكلت وعيها الجيوسياسي، بدءاً من النكبة الفلسطينية، مروراً بالحروب المتكررة والصراعات بالوكالة، ووصولاً إلى احتلال بيروت عام 1982 الذي مثل ذروة منطق القوة الأحادية. إلا أن حرب تموز 2006 مثلت منعطفاً حاسماً، حيث هُزت فيه نظرية الأمن الإسرائيلية القائمة على الردع المطلق لأول مرة بشكل جلي.


حرب تموز 2006 وكونداليزا رايس وحلم الشرق الاوسط الجديد

لم يكن وجود كوندا وزيرة الخارجية الامريكية آنذاك في لبنان عن طريق الصدفة في حرب تموز، شنت إسرائيل هذه الحرب بتخطيط وتعليمات أميركية، وقفت كوندا امام مسئولين لبنانيين وعلى رأسهم رئيس الوزراء ورئيس جمهورية أسبق وبعض رؤساء احزاب مرتبطين بأعداء بلدهم، وقفت باعتزاز وثقة بالنفس لتعلن عن بدء ولادة شرقي اوسط جديد، وتعني الهيمنة عليه من الدولة الصهيونية، والغريب في الامر، صفق الحضور ترحيبًا لاحتلال بلدهم مع تبادل القبلات مع كوندا، لكن الرياح جاءت معاكسة وهُزم العدو شر هزيمة.

السيناريو الاستشرافي: استقراء تطور قدرات محور المقاومة

بناءً على معطيات تصاعد قدرات ما يعرف بمحور المقاومة، يمكن استقراء سيناريو مواجهة شاملة تتسم بالسمات التالية:


1. تحول طبيعة المواجهة: التحركات العسكرية الغربية والإسرائيلية الأخيرة قبالة السواحل اللبنانية وعلى التهديدات الأمريكية الاخيرة للبنان بإعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل وعلى الحدود لا تشير بالضرورة إلى نزاع محدود.


التحليل الاستراتيجي يوحي بأن أي مواجهة قادمة قد تتخذ طابعاً وجودياً، حيث تواجه إسرائيل جبهات متعددة تمتلك ترسانة صاروخية متقدمة وقدرة على اختراق الردع الجوي التقليدي، كما قد يتجلى في السيناريو الافتراضي بإسقاط طائرات حربية في المراحل الأولى.


2. اختبار متانة الكيان السياسي الإسرائيلي: قد تدفع المواجهة الشاملة إلى اختبار قدرة البنية الداخلية الإسرائيلية على الصمود. مشاهد الدمار المحتمل في المراكز الحضرية، عمليات برية من غزة والضفة، قد تضعف الرواية الصهيونية القائمة على "الحصانة والأمن"، مما قد يؤدي إلى تحول الكيان من دولة متماسكة إلى كانتونات منعزلة ومحاصرة، وهو سيناريو يحمل تداعيات استراتيجية عميقة.


3. الصراع على الهوية السياسية اللبنانية: يُظهر السيناريو انقساماً داخلياً في لبنان بين قوى قد تتعاون مع الضغط الخارجي استمراراً لدور تاريخي في صفقات الوكالة، وقوى أخرى تتبنى خطاب المقاومة والاصطفاف الداخلي. هذا الانقسام يعكس المعركة الأوسع على تحديد الهوية الوطنية والاختيار الجيوسياسي للبنان في لحظة حاسمة.

v

4. الدور السوري: الفاعل الإقليمي المحدود: يبقى تدخل سوريا محسوباً ضمن المعادلة الإقليمية والوضع الداخلي في سوريا، لكن تأثيره قد يبقى ثانوياً في قلب المواجهة، مما يؤكد أن الثقل الاستراتيجي يتركز في القوى الأساسية للمحور.

v

يتضمن هذا التحليل الاستشرافي رسالتين أساسيتين على الصعيد الجيوسياسي وما قد يترتب عليهما من تداعيات:

- للقوى الدولية والإقليمية المهيمنة: أي تصعيد كبير لن يكون تكراراً للمواجهات السابقة. التكلفة المتوقعة ستكون وجودية للكيان الإسرائيلي وباهظة بالنسبة لداعميه، مما يستدعي إعادة حساب استراتيجية للمخاطر والمكاسب.

- لفاعلي محور المقاومة والرأي العام العربي: المستقبل الجيوسياسي للمنطقة لم يعد حكراً على القوى الخارجية. هناك قدرة متصاعدة على صناعة الجغرافيا السياسية من الداخل، وأن استمرار نهج المقاومة، بحسب هذه الرؤية، يقود حتماً إلى إضعاف المشروع الصهيوني.


خاتمة: هذا التحليل السياسي يستند الى رؤية تهدف إلى تأكيد أن هذه الرؤية ليست طوباوية، بل تستند إلى جذور راسخة في الواقع والتاريخ المحلي. الاستنتاج الذي تقدمه هذه القراءة هو أن مستقبل المنطقة سيتحدد بشكل متزايد من خلال التفاعل بين إرادة القوى المحلية وتصادمها مع استراتيجيات القوى الدولية، في صراع طويل الأمد لإعادة رسم الخريطة الجيوسياسية للشرق الأوسط.

تعليقات: