الشباب العربي هو الأقدر على تجسيد الوحدة العربية
يعيش الوطن العربي اليوم مرحلة دقيقة تتشابك فيها الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتزداد فيها التحديات التي تمسّ المجتمعات واستقرارها. وفي خضمّ هذا الواقع المعقد، يبرز الشباب العربي كقوة قادرة على إحياء روح الوحدة الوطنية وإعادة بناء الثقة بين مكوّنات الأمة. فهذه الفئة التي تمثل أكثر من نصف سكان الوطن العربي، تحمل في داخلها طاقة هائلة وإرادة صادقة لتغيير الواقع نحو الأفضل، إذا ما أُتيحت لها البيئة التي تؤمن بالتعاون والتكامل بدل الانقسام والتمييز.
الوحدة الوطنية ليست شعارًا سياسيًا فحسب، بل هي قيمة أخلاقية وإنسانية تُعبّر عن عمق الانتماء للوطن وللإنسان قبل الطائفة أو المنطقة أو الانتماء الضيق. فالمجتمع الذي يحافظ على وحدته الداخلية يستطيع مواجهة العواصف، أما حين تتفكك مكوناته، يضيع الهدف وتُهدر الطاقات. والشباب العربي هو الأقدر على تجسيد هذه الوحدة في الواقع، لأنه نشأ في عصر يتخطى الحدود الجغرافية والمذهبية، ويؤمن أن قوة الأوطان في تنوعها لا في انقسامها.
إن التحدي الأكبر أمام الشباب العربي اليوم هو كيفية تحويل الشعارات إلى فعلٍ وطنيٍ صادق، يقوم على الاحترام المتبادل، والمواطنة، والعمل الجماعي. فالوحدة لا تُفرض من فوق، بل تُبنى من القاعدة الاجتماعية الصلبة التي يشكلها الشباب في مدارسهم وجامعاتهم وأحيائهم ومؤسساتهم. إن كل مبادرة تطوعية، وكل حوار وطني، وكل مشروع مشترك بين أبناء الوطن الواحد، هو لبنة في بناء هذه الوحدة التي تحتاجها مجتمعاتنا أكثر من أي وقت مضى.
الوحدة الوطنية ليست فقط وسيلة لحفظ السلم الداخلي، بل هي الأساس الحقيقي للعدالة والتنمية والاستقرار. حين يشعر كل مواطن، شابًا كان أو كبيرًا، أنه شريك في الوطن وله مكانته ودوره، تزدهر روح الانتماء، وتنخفض النزاعات، وتتراجع مشاعر الإلغاء والتهميش. من هنا، فإن الشباب العربي مدعو إلى تبنّي ثقافة الانفتاح والتسامح، ونبذ التعصب، وتقديم المصلحة العامة على المصالح الشخصية والفئوية، لأن مستقبل الأوطان يُبنى بالأيدي المتشابكة لا بالأصوات المتناحرة.
الشباب هم الجسر الذي يربط بين تاريخ الأمة ومصيرها، وهم الورثة الحقيقيون لقيم الوحدة التي رسخها الأجداد في وجه الاستعمار والانقسام. ومن واجبهم اليوم أن يحافظوا على هذه القيم ويطوروها بما يتناسب مع متطلبات العصر. عبر الحوار والتعاون والمبادرات الوطنية، يمكن للشباب أن يصنعوا نموذجًا جديدًا للوحدة يقوم على المشاركة الفعلية والمسؤولية الجماعية، ويؤكد أن قوة الأمة لا تُقاس بعدد سكانها أو ثرواتها، بل بمدى تماسكها الداخلي.
إن الاستثمار في الشباب العربي اليوم يعني الاستثمار في وحدة الأمة ومستقبلها. لا يمكن لأي دولة أن تنهض من دون تمكين هذه الفئة ومنحها الثقة والمساحة لتشارك في صنع القرار، ودعم مشاريعها التي تخدم الإنسان والوطن. فحين يتوحد الشباب حول هدف مشترك، يسقط التهميش، وتتراجع الفتن، وتنهض الأوطان من جديد أكثر قوة وإشراقًا.
الطريق ليس سهلاً، لكنه ممكن. فالوحدة الوطنية ليست حلماً بعيداً، بل خيارًا مصيريًا لا بديل عنه. وإذا كانت الشعوب تُقاس بقدرتها على التكاتف في الأزمات، فإن الشباب العربي هو الأمل الأكبر في بناء مستقبلٍ مشرقٍ تُشرق فيه شمس العدالة والكرامة والانتماء الصادق.
* راشد شاتيلا مختص في الذكاء الاصطناعي و إدارة البيانات
تعليقات: