راشد شاتيلا: ٧ أكتوبر تحوّل تاريخي في معادلات الصراع ومسار الوعي الإقليمي


في صباح السابع من أكتوبر، تغيّر وجه المنطقة كما لم يتغير منذ عقود. لم يكن ذلك اليوم حدثًا عابرًا، بل محطةً فارقة أعادت فتح الملفات التي أُغلقت قسرًا، وأعادت إلى الواجهة قضيةٍ ظلّت في جوهرها أساس كل اضطرابٍ في الشرق الأوسط: القضية الفلسطينية. لكنّ ما ميّز هذا اليوم لم يكن فقط ما جرى ميدانيًا، بل ما أثاره من تداعيات فكرية وسياسية وإنسانية على مستوى العالم بأسره.

منذ ذلك اليوم، بدأ العالم يتعامل مع واقع جديد، انكشفت فيه هشاشة التوازنات القائمة، وبرزت الحاجة إلى قراءةٍ أكثر عمقًا لما يجري. لقد أثبتت أحداث ٧ أكتوبر أنّ تجاهل جذور الصراع لعقود، والاكتفاء بإدارة الأزمات بدل حلّها، لا يمكن أن يضمن استقرارًا دائمًا. بل على العكس، فإنّ كل تأجيلٍ للحلول العادلة يولّد انفجارًا جديدًا، ويعيد التاريخ إلى نقطة البداية.

على الصعيد الإقليمي، كشفت التطورات التي تلت هذا التاريخ عن حجم التوترات المتراكمة، وعن غياب الثقة بين الشعوب والأنظمة، وبين الواقع والآمال. ومع ذلك، فقد شكّل اليوم نفسه مناسبةً لإعادة النظر في مفهوم الأمن. فالأمن الحقيقي لا يُقاس فقط بالقوة العسكرية أو بالتفوق التقني، بل بمدى شعور الشعوب بالأمان في أرضها وحقوقها ومستقبلها.

كما أعاد السابع من أكتوبر النقاش حول مفهوم العدالة الدولية. فالتغطية الإعلامية وردود الأفعال السياسية أبرزت تباينًا واضحًا بين المعايير الإنسانية المعلنة وتطبيقاتها على الأرض. وهذا التناقض ولّد وعيًا عالميًا متزايدًا حول ازدواجية الخطاب السياسي، وأعاد تعريف معنى التضامن الإنساني في زمنٍ تتقاطع فيه المصالح وتضيع فيه القيم أحيانًا خلف الحسابات الكبرى.

لقد مثّل هذا اليوم أيضًا لحظة اختبارٍ للضمير العربي. فبين من رأى فيه إنذارًا بضرورة التغيير في النهج السياسي، ومن اعتبره صرخةً ضد واقعٍ ظالمٍ طال أمده، اتفق الجميع على أنّ القضية الفلسطينية لا يمكن طيّها أو تجاوزها، لأنها تمسّ وجدان كل من يؤمن بالعدالة والحرية. وهنا برزت أهمية الموقف المتوازن الذي يجمع بين دعم الحق ورفض العنف، وبين الإيمان بالمقاومة المشروعة وضرورة الحلول السياسية الواقعية التي تحفظ الأرواح وتفتح أبواب الأمل.

أما على الصعيد الدولي، فقد أظهرت التفاعلات التي تلت هذا اليوم أنّ العالم لم يعد كما كان قبل ٧ أكتوبر. فالدول الكبرى، والمؤسسات الدولية، والرأي العام العالمي وجدوا أنفسهم أمام مشهدٍ جديدٍ يتطلّب إعادة تقييم للمفاهيم القديمة. لم تعد الصيغ التقليدية قادرة على تفسير ما يحدث، ولا على تقديم حلولٍ قابلة للحياة. ومن هنا، برزت الحاجة إلى رؤية شاملة تعترف بحقوق الشعوب، وتحترم القانون الدولي، وتعمل على تحقيق سلامٍ عادلٍ لا يقوم على الإكراه أو التهميش.

من الناحية الإنسانية، كانت المأساة المشتركة التي لحقت بالمدنيين في كل مكان تذكيرًا مؤلمًا بأنّ الحروب، مهما تعددت أسبابها، تترك خلفها وجعًا واحدًا يجمع البشرية كلها. فالدموع التي تُذرف على طفلٍ في غزة لا تختلف عن تلك التي تُذرف على طفلٍ في أي مكانٍ آخر من العالم. ومن هنا، تبرز مسؤولية المجتمع الدولي في حماية الأبرياء، والعمل على معالجة الأسباب لا الاكتفاء بإدانة النتائج.

إنّ ٧ أكتوبر لم يكن مجرد يومٍ من أيام الصراع، بل لحظة مفصلية في التاريخ العربي والعالمي. لقد كشف عمق المأزق الإنساني والسياسي، وذكّر الجميع بأنّ تجاهل العدالة يولّد الغضب، وأنّ الأمن لا يتحقق إلا عندما تُصان الكرامة وتُحترم الحقوق. كما أنّه أعاد إلى الأذهان فكرة أنّ مستقبل المنطقة لا يُبنى على التفوق العسكري وحده، بل على الشراكة في السلام، وعلى الاعتراف المتبادل بحق العيش الكريم لكل الشعوب.

في الختام، يمكن القول إنّ السابع من أكتوبر كان جرس إنذارٍ للعالم بأسره: إن لم تُعالج جذور المأساة الفلسطينية بروحٍ عادلةٍ وشجاعة، فإنّ دوامة الصراع ستبقى تتكرر بأشكال مختلفة. وحده السلام القائم على العدالة والاحترام المتبادل قادر على إنهاء هذه الدائرة، ووضع أسسٍ جديدة لعلاقاتٍ قائمة على الإنسانية لا على المصالح وحدها.

راشد شاتيلا مختص في الذكاء الاصطناعي و إدارة البيانات

تعليقات: