إضاءة على مسيرة المفكر العربي د. حسن صعب بعيون زوجته د. نعمت غندور


في الذكرى الـ 103 لميلاد المفكر العربي الراحل الدكتور حسن صعب، أجرى موقع الطائر نيوز لقاء خاصاً مع  رفيقة دربه ومسيرته، الدكتورة نعمت حبيب غندور صعب، التي فتحت لنا قلبها وذاكرتها لتروي حكاية عمرٍ من الفكر والعطاء والحب المشترك للبنان والإنسان.

هي التي عاشت معه، آمنت بفكره، وواصلت بعد رحيله حمل رسالته بكل وفاء. في هذا اللقاء، حديث عن الرجل والرسالة والمكتبة والإرث الذي لا يزول.

بدايةً، من هي نعمت غندور صعب، الإنسانة والأكاديمية والزوجة؟

أنا ابنة بيروت، وُلدت في 22 آب 1931. درستُ اللغة الإنكليزية، ودرّستها في الجامعة الأميركية في بيروت، ثم عملت في مكتبة الجامعة قبل أن أنتقل إلى إحدى الجامعات في الولايات المتحدة، حيث أدرت مكتبتها.

لكن مهما ابتعدت، بقي قلبي في لبنان، ومع فكري الذي جمعني بزوجي الراحل الدكتور حسن صعب. كنتُ إلى جانبه في كل خطوة من مسيرته، نتشارك الحلم ذاته: إنماء الإنسان كل إنسان وكل الإنسان.

عرفنا عنكم أنكم لعبتم دورًا كبيرًا إلى جانب الراحل حسن صعب. كيف تصفين تلك الشراكة الفكرية والإنسانية؟

كانت شراكة استثنائية بكل معنى الكلمة.

كنا نؤمن أن الزواج لا يكتمل إلا حين يجتمع الفكر والمحبّة والعمل. كنت أرافقه في مؤتمراته ونقاشاته، أتابع أبحاثه، وأشارك في صياغة أفكاره أحيانًا.

هو كان يرى فيّ “العين الثانية التي تقرأ”، وكنت أرى فيه “العقل الذي يفكر للبنان والعرب”.

لقد نذر حياته للإنماء والعلم، وأنا نذرت حياتي لمساندته، ولأن أكون صوته بعد رحيله.

الدكتور حسن صعب ترك إرثًا فكريًا وإنمائيًا كبيرًا. كيف تحافظون اليوم على هذا الإرث؟

نحافظ عليه من خلال مكتبة الدكتور حسن صعب، التي هي بالنسبة إليّ أكثر من مؤسسة ثقافية، إنها قلبه النابض.

تضم المكتبة مجموعة قيّمة من الكتب والمراجع في الدين، والسياسة، والتربية، والتاريخ، والقانون، والعلوم الاجتماعية، وكل ما يتعلّق بالإنماء الذي آمن به.

إحياء هذه المكتبة هو بالنسبة إليّ إحياء لدور لبنان الطليعي في الفكر والثقافة، لأن هذه المكتبة كانت وما زالت مركزًا للحوار والتلاقي والإبداع.

ما الذي يميز مكتبة الدكتور حسن صعب عن غيرها من المراكز الثقافية في لبنان؟

ما يميزها هو رسالتها قبل محتواها.

هي ليست مجرد أرشيف للكتب، بل منارة فكرية تسعى إلى تعزيز الهوية الثقافية اللبنانية، وتشجع على البحث العلمي، وتربط الماضي بالحاضر والمستقبل.

المكتبة أسهمت منذ تأسيسها في صيانة الفكر اللبناني والعربي، واحتضنت الندوات والمعارض الثقافية، وقدمت مساحة حوار بين المفكرين والعلماء والأدباء.

نحن نسعى اليوم لأن تكون هذه المكتبة مركزًا للتميّز في إنتاج ونشر المعرفة، وملتقى للتفاهم بين الحضارات.

إذا عدنا إلى فكر الدكتور صعب، ما الرسالة الأساسية التي أراد إيصالها إلى الأجيال الجديدة؟

رسالته كانت واضحة وبسيطة وعميقة في آنٍ واحد: “إنماء الإنسان… كل إنسان… وكل الإنسان.”

كان يرى أن نهضة لبنان لا تكون إلا بالإنسان، وأن الإنماء ليس بناءً للحجر بل بناء للوعي والفكر والمسؤولية.

كان يدعو إلى التخطيط العلمي، وإلى أن يتحرر العرب من كل مظاهر التخلف بالتربية والمعرفة.

لقد ناضل بلا كلل ليحوّل لبنان من دولة نامية إلى دولة متقدمة، تؤمن بالتنمية، بالحرية، وبالعدالة الاجتماعية.

كيف تنظرين إلى بيروت اليوم، وهي المدينة التي احتضنتكما فكرًا وحبًا؟

بيروت هي ذاكرتي وذاكرته، هي مدينة الفكر والحرف والحرية.

بيروت التي أحبها حسن صعب كانت دائمًا أمّ الشرائع وملهمة المثقفين.

واليوم، رغم الجراح، ما زلت أؤمن أن بيروت قادرة على النهوض، كما تنهض من تحت الرماد دائمًا، لأنها مدينة لا تموت، ومكتبتنا هي جزء من هذا النهوض الفكري والروحي.

وماذا تقولين للأجيال الجديدة التي ربما لم تعرف فكر الدكتور صعب عن قرب؟

أقول لهم:

اقرأوا حسن صعب لتفهموا لبنان الذي نحلم به.

لا تبقوا أسرى اللحظة، بل انظروا إلى المستقبل بعين الإنماء والمعرفة.

وكونوا أوفياء لفكرة أن التقدّم لا يصنعه السياسيون، بل يصنعه الإنسان الواعي الملتزم بمسؤوليته تجاه وطنه ومجتمعه.

وأتمنى أن تكون مكتبة حسن صعب بيتًا لهم، يجدون فيه الفكر الذي يفتح الأفق، لا الفكر الذي يغلقه.

أخيرًا، بماذا تختمين هذا اللقاء؟

أقولها من القلب:

إحياء مكتبة حسن صعب هو إحياء لفكرٍ ما زال حيًا فينا.

لبنان لا يُبنى بالحجارة فقط، بل بالفكر، وبالكتاب، وبالإنسان.

وسأبقى ما حييت، أعمل لأجعل هذه المكتبة منارة لكل طالب علم، ولكل مؤمن بأن الفكر هو الطريق إلى الحرية والإنماء.

لقاء خاص مع السيدة نعمت حبيب غندور اجرته مهى كنعان بالتنسيق مع الاعلامي محمد درويش







تعليقات: