بِبالِغ الأسى وعمق الفقد، ودِّعت مدينة بيروت اليوم قامة وطنية نادرة، وسيدة من سيدات لبنان الكبار، الدكتورة نعمت حبيب غندور، رئيسة مؤسسة حسن صعب للدراسات والابحاث، والامينة العامة لمكتبة حسن صعب، الذي مضت تاركة خلفها أثرا خالدا في الذاكرة الوطنية ومسيرة العمل الاكاديمي.
رحلت السيدة الذي حملت اسم لبنان عاليا، ووقفت حيث يجب أن يُسمَع صوت الوطن، مُدافعة عن كرامته وعزته.
كانت رمزا للعزّة، ثابتة الموقف، واضحة الرؤية، متواضعة في حضورها، كبيرة في أثرها.
كانت الفقيدة الغالية نعمت غندور مُحِبّة للحياة.
حملت في قلبها لبنانا واحدا، ورسمت بخطواتها دربا من الثقة والنُّبل والإلتزام.
برحيلها، فقد لبنان سيدة نزيهة عفيف النفس، أنيقة الروح، نادرة المثال، جمعت بين العقل الراجح، والقلب الكبير، والخُلق الرفيع. لكن ما بَقِيَ، هو الإرث المعنوي الذي تركته، إرث المحبة والعمل النبيل.
سلامٌ على روحها الطاهرة، وسيبقى اسمها محفورا في ذاكرة الوطن، منارة للعلم والفكر.
رحلت عن دنيانا الام المثالية والزوجة الوفيّة، عشنا معها أكثر من ربع قرن تحت سقف واحد. هي الدكتورة نعمت حبيب غندور، من ذاكرة بيروت، وشاهدة على إرث وطني عريق، وركنا من أركان بيت قدم الكثير في سبيل الوطن ووحدته.
وقد ساهمت غندور في بناء المجتمع وتقدمه من خلال دعمها للمرأة وتمكينها في مختلف المجالات. كانت شريكة قوية لزوجها الراحل د.حسن صعب في كافة أعماله ونشاطاته، مما يظهر قيمة الدعم المتبادل وأهمية وجود شريكة قوية تعزز من نجاح الشخص.
د.نعمت غندور صعب "إمرأة استثنائية طبعت بعطاءها وبصمتها مجالات التعليم والثقافة والعمل الاكاديمي في لبنان والعالم.
وزرعت القيم في أجيال، ونسجت بخيوط الإيمان بالعلم امتدت من بيروت إلى كل زاويةٍ من زوايا العالم وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية. كانت د.نعمت غندور نموذجا للقيادة الهادئة، والعقل النيّر، والروح المؤمنة برسالة التعليم كوسيلة للارتقاء بالمجتمعات.
بفكرها الرائد وإدارتها الحكيمة، ساهمت في ترسيخ نظام اكاديمي متين، ومنحت آلاف الطلاب فرصة لصناعة مستقبلهم بثقة واستحقاق. لم تكن مؤسسة فحسب، بل كانت أما، ومرشدة، ومُلهمة.
هي قامة علمية ووطنية يفتخر بها كل من عرفها إنسانة نذرت نفسها للعلم، فتركت في كل قلب محبة، وفي كل عقل أثرا، وفي كل مؤسسة إرثا لا يُنسى.
الراحلة العزيزة د.نعمت غندور وضعت علمها وثقافتها وخبراتها الطويلة لدعم المهتمين ومساعدة الاخرين.
تراها دائما تلفت الانتباه بكل وقار ومودة ومحبة انطلاقا من غيرتها على طلابها او اي طالب علم واي طامح وباحث للمعرفة والتنور.
الفقيدة العزيزة شخصية لبنانية، بيروتية، وطنية نخبوية متواضعة من الطراز الرفيع.
هي أرملة الرجل النبيل، الدكتور حسن صعب، مفكر عربي بارز وأستاذ محاضر سابق في علم السياسة بالجامعة اللبنانية والجامعة الأمريكية. شغل منصب مستشار لبنان الثقافي في أمريكا الشمالية. ولد في 15 أكتوبر 1922 وتوفي في 25 يوليو 1990، رحمه الله.
أسس ندوة الدراسات الإنمائية في عام 1964، التي ركزت على إطلاق عملية التنمية في لبنان وجعلها قضية تعني كل المواطنين.
وشارك في بعثات عربية ودولية متعددة، بما في ذلك عضوية بعثة لبنان في الجامعة العربية والوفد اللبناني إلى منظمة اليونسكو والجمعية العامة للأمم المتحدة.
ألف العديد من الكتب، بما في ذلك "علم السياسة"، "الوعي العقائدي"، "تحديث العقل العربي"، الاسلام الانسان"، "اسلام الحرية لا اسلام العبودية"، الاسلام وتحديات الحياة العصرية"، "لبنان العقل لا لبنان العنف"، و"نظرة جديدة إلى الاتحاد العربي".
ترأس لجنة الحريات النقابية في منظمة العمل العربية ورأس اللجنة الثقافية في مؤتمر رؤساء دول عدم الانحياز.
ركز د.صعب على أهمية العقلانية والحداثة في التنمية والتقدم.
آمن بالديمقراطية التشاركية ودعا إلى تعزيز قيمة المواطن والوحدة الوطنية.
شدد على أهمية التعليم والثقافة في بناء مجتمع متقدم.
جمعتنا مع هذه الأسرة الكريمة سنوات طوال من الجيرة الصالحة والعلاقات العائلية الدافئة والعمل. تركوا في القلب أثراً، وفي الذاكرة ذكريات لا تُنسى.
اليوم، ونحن نودّعكِ أيتها السيدة الطيبة الفاضلة، تعود بي الذاكرة إلى أيام مضت، إلى زمن كانت فيه الجيرة نعمة، والصداقة صادقة، والمجالس عامرة بالمحبة والاحترام.
رحمكِ الله ماما نعمت، لقد أحسنتِ الرسالة وأتقنتِ الأمانة. يكفي أن ننظر إلى أولادك الكرام د.مروان، ود.حسان، وأحفادك : حسن، سامي، هديل، سيرين. لنفهم عمق التربية وجمال الغرس.
رجال نرفع الرأس بهم، أعمدة في عالم الطب والاعمال، عنوانهم العلم، وأخلاقهم التواضع والرفعة. ولا ننسى السيدة فرح جودي، الزوجة الصالحة لاخينا د.مروان، التي أتمّت جمال الصورة ورقيّ العائلة.
لقد كنتِ مدرسة في التربية، ورمزاً في الحنان والعطاء.
نعم، كما قال الشاعر:
«الأم مدرسة إذا أعددتها… أعددت شعباً طيب الأعراق».
ولا يسعني هنا إلّا أن أذكر وأترحم على الوالد الحاج حبيب غندور والوالدة الحاجة نبيهة حلواني، المربّيان الحكيمان اللذان خلّفا لنا نموذجاً نادراً في القِيَم والإنسانية.
وشقيقك الإنسان الفاضل الطبيب الدكتور مصطفى حبيب غندور، مؤسس العيادات الاستشارية في الرياض وبيروت،
صاحب الفكر والرؤية. وشقيقتاك الدكتورة حياة، والدكتورة لطيفة
اللتان هم الروح التي حييت بها.
رحمكم الله، وأجزل عليكم من رحمته..
وحفظ الله أبنائكم، واحفادكم، خير خلف لخير سلف.
رحلت فقيدتنا الكبيرة عن عمر ناهز ال ٩٤ عاما وغيابها سيترك أثرا وارثا كبيرين في الحقل الانساني والاجتماعي والاكاديمي.
رحيلها خسارة وطنية كبيرة سنفتقدها ونفتقد توجيهاتها ودعمها للمؤسسة والمكتبة ولمؤسسات وجمعيات عديدة كان لها أثر إيجابي وفعّال في نهضتها.
رحيلها احدث فراغا من الصعب ان يملؤه احد.
تجبرنا الدنيا على فراق الاحبة وهو قضاء الله وقدره لكن فقدان إنسان عزيز وغالي على قلبك هو الوجع الحقيقي ويترك أصعب الذكريات المؤثرة.
رحلت عنا ولم ترحلي منا د.نعمت ستبقى ذكراك في قلوبنا الى الأبد.
محمد ع.درويش
المنسق الإعلامي لمؤسسة حسن صعب للدراسات والابحاث
تعليقات: