كامل جابر: هيمنة الدمار بعد عامين من الحرب على جنوب لبنان ومحاولات تعمير خجولة

أسباب الحرب ليست وحدها تعوق إعادة التعمير فثمة أسباب أخرى تمنع هذه العملية (اندبندنت عربية)
أسباب الحرب ليست وحدها تعوق إعادة التعمير فثمة أسباب أخرى تمنع هذه العملية (اندبندنت عربية)


خسائر هائلة في الأرواح والممتلكات تسود القرى الحدودية التي تعرف بـ خط المواجهة الأمامي


ملخص

المشهد السائد جنوباً بعد سنتين من الحرب المعلنة أو المتقطعة، دمار هائل لم يزل يسود في كل القرى الحدودية التي تعرف بخط المواجهة الأمامي، أو في المناطق الخلفية، حتى في عواصم الأقضية النبطية وصور وبنت جبيل ومرجعيون، إنما بوتيرة أقلّ بعد أن عمد كثيرون من أصحاب البيوت والوحدات المدمرة إلى إزالة الركام ونقله إلى مواقع خصصت لذلك بالتعاون مع البلديات أو جهات محلية أخرى. أما على مستوى إعادة التعمير فقد قامت ورش عدة يمتلك أصحابها قدرات مالية سمحت لهم البناء من جديد، بيد أن هذه الورش يمكن إحصاؤها على أصابع اليد في كل بلدة أو مدينة أو قرية.


لن يفاجأ العالمون بأحوال سكان جنوب لبنان، من أبناء المدن والبلدات التي تعرضت إلى حرب مدمرة لم تقتصر على الحرب المعلنة المعروفة بحرب الـ 66 يوماً، التي بدأت في 23 سبتمبر (أيلول) عام 2024 واستمرت حتى تاريخ إعلان وقف إطلاق النار في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، من أن ورشة إعادة التعمير لم تنطلق بالوتيرة التي كانت تلي كل حرب تشنها إسرائيل على لبنان وجنوبه، في عام 2006 وقبلها في أعوام 1996 و1993 و1982 و1978 وما بينها من حروب متقطعة، ومرد ذلك إلى أن الحرب الأخيرة لم تتوقف حتى اليوم على رغم إعلان وقف إطلاق النار، إذ تواصل إسرائيل قصفها ليس لمناطق جنوب نهر الليطاني الذي يشمله القرار الأممي 1701 وحسب، بل تطاول كل الأراضي اللبنانية.


معوقات التعمير

بيد أن أسباب الحرب ليست وحدها تعوق إعادة التعمير، فثمة أسباب أخرى تمنع هذه العملية وفي طليعتها عدم تلقي أصحاب البيوت والوحدات المدمرة تعويضات على نحو تلك التي كانت تدفع في السابق مباشرة بعد توقف الحرب، إن من "مجلس الجنوب" الإدارة الرسمية المولجة هذا الأمر، إذ لا أموال صرفت من الخزانة اللبنانية في ظل انهيار مالي واقتصادي واضح، أو من مؤسسة "جهاد البناء" التابعة لـ "حزب الله" بعد منع الأموال عنها التي كانت تتدفق إليها من إيران وسط حصار دولي معلن، أو من مساعدات الدول العربية والأجنبية التي كانت تأتي إلى لبنان في أعقاب كل حرب أو "عدوان".

المشهد السائد جنوباً بعد سنتين من الحرب المعلنة أو المتقطعة، دمار هائل لم يزل يسود في كل القرى الحدودية التي تعرف بـ "خط المواجهة الأمامي"، أو في المناطق الخلفية، حتى في عواصم الأقضية النبطية وصور وبنت جبيل ومرجعيون، إنما بوتيرة أقل بعد أن عمد كثيرون من أصحاب البيوت والوحدات المدمرة إلى إزالة الركام ونقله إلى مواقع خصصت لذلك بالتعاون مع البلديات أو جهات محلية أخرى. أما على مستوى إعادة التعمير فقد قامت ورش عدة يمتلك أصحابها قدرات مالية سمحت لهم البناء من جديد، بيد أن هذه الورش يمكن إحصاؤها على أصابع اليد في كل بلدة أو مدينة أو قرية.


لا تتجاوز أصابع اليد

في مدينة النبطية مثلاً، وهي عاصمة المحافظة والقضاء، بلغت الوحدات المتضررة بعد حرب الـ 66 يوماً، نحو 3000 وحدة سكنية ومحل تجاري، ويزيد عدد الوحدات المدمرة كلياً فيها على 650، من ضمنها أكثر من 100 متجر. ولم تقم بعد 10 أشهر من توقف الحرب بموجب اتفاق معلن، وسنتين من الحرب المتقطعة التي بدأت في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، بما يعرف بحرب إسناد غزة، 10 ورش بناء، ولم يزل معظم أصحاب هذه الوحدات ينتظرون مبالغ التعويض كي يباشروا إعادة التعمير.

ربما استطاع عدد كبير من أصحاب الوحدات المتضررة جزئياً من تصليح ما تضرر في الحد الدنى من خلال مبالغ سريعة تلقوها من "جهاد البناء" بعد توقف الحرب مباشرة وفي خلال شهرين أو ثلاثة تلتها، قبل أن تتوقف هذه التعويضات بعد الشح المالي الذي أصاب المؤسسة والحزب المسؤول عنها "حزب الله"، بسبب ما أعلنه الحزب عن حصار مالي دولي عليه وعلى ومؤسساته، بل إن هناك عدداً كبيراً من الشيكات التي تلقاها أصحاب البيوت المتضررة لم تتأمن لها السيولة اللازمة لصرفها، ولم يزل أصحابها ينتظرون الفرج.

ويشير عضو مجلس بلدية مدينة النبطية المهندس حسين أحمد جابر إلى أن "ورش إعادة تعمير ما تهدم في النبطية المدينة لا تكاد تتجاوز أصابع اليد، والكلام هنا بعد عام من انطلاق حرب الـ 66 يوماً، وبعد 10 أشهر من قرار وقف إطلاق النار، وكذلك بعد سنتين من حرب متقطعة، والأسباب عديدة، منها: عدم تلقي التعويضات اللازمة من مجلس الجنوب، على نحو ما كان يحصل في أعقاب كل عدوان تشنه إسرائيل على لبنان، وكذلك من جهاد البناء بعد الحصار المالي على حزب الله من قبل جهات دولية، نضيف إليها سبب عدم توقف الحرب حتى بعد قرار وقف إطلاق النار، فالمدن والقرى الجنوبية وغير الجنوبية، على نحو البقاع والهرمل (شرق)، ما زالت تشهد يومياً ما يشبه حرباً متقطعة، وثمة قلق كبير يساور الناس هنا وتوجس من تكرار هذه الحرب".

ما يحصل في النبطية والجنوب يمكن تعميمه على مختلف المناطق اللبنانية التي تعرضت للقصف ونالها من التدمير ما نالها، لا سيما في البقاع وضاحية بيروت الجنوبية، لكن ثمة ورشاً قامت في هذه المناطق على نفقة صندوق "مجلس الجنوب" طاولت مباني المدارس والمؤسسات الحكومية والمستشفيات.


إحصاءات مجلس الجنوب

يقول رئيس مجلس الجنوب هاشم حيدر "على صعيد الأضرار المكشوفة والمسجلة بعد وقف إطلاق النار يمكن القول إن عملية مسح أضرار الوحدات السكنية وغير السكنية في الجنوب والبقاع الغربي وراشيا، أنجزت وهي حالياً في مرحلة التدقيق، وكانت على النحو الآتي: الوحدات السكنية وغير السكنية المهدمة عددها 55000 وحدة. الوحدات السكنية وغير السكنية المتضررة عددها 180000 وحدة. مجموع الوحدات المهدمة والمتضررة عددها 235000 وحدة. وتبلغ كلفتها الإجمالية خمسة مليارات دولار أميركي". يضيف هاشم حول إعادة التعمير "لدينا كشوفات للبنى التحتية ما بين مهدمة ومتضررة، من خلال ترميم المدارس الرسمية المتضررة وعددها نحو 200 مدرسة، قمنا بترميمها حفاظاً على استدامة التعليم وتمت إعادتها إلى العمل خلال أيام معدودة. وتوزعت هذه المدارس في الجنوب والبقاع الغربي وراشيا. كذلك قمنا بترميم المباني المدرسية غير الرسمية، فرممنا نحو 155 مبنى من مباني البلديات والمستشفيات ومراكز الاقتراع المتضررة وغيرها. وأهمها مستشفيات: بنت جبيل، تبنين، مرجعيون، النبطية، وسرايا النبطية وبنت جبيل وتبنين وجويا وغيرها من المباني الرسمية".

وعلم أن ورش الترميم التي نفذها "مجلس الجنوب" لا تشمل المباني المهدمة كلياً أو حتى جزئياً على نحو نصف مبنى أو غرف عدة تهدمت كلياً.

ويؤكد رئيس بلدية عديسة، قضاء مرجعيون، محمد رمال أن "ورش إعادة تعمير ما دمره العدو الإسرائيلي في بلدتنا عديسة ما زالت متوقفة عند الرقم صفر، حصلت هناك بعض التصليحات لمنازل متضررة جزئياً لكن لم تقم ورش كاملة حتى اليوم". ويشير رمال إلى أن "نسبة التدمير في عديسة تجاوزت 70 في المئة ووصلت إلى حدود 80 في المئة، وإعادة التعمير في بلدتنا تحتاج إذا ما انطلقت إلى أكثر من خمس سنوات متتالية، فحجم الدمار لا يوصف، وهذه حال معظم بلدات الحافة الأمامية".


تقرير العفو الدولية

كان لافتاً أخيراً التقرير الذي نشرته "منظمة العفو الدولية" في 26 أغسطس (آب) الماضي، حول التدمير المتقصد للجيش الإسرائيلي في المناطق اللبنانية الجنوبية. ويتحدث التقرير عن الفترة الممتدة من بداية الحرب الإسرائيلية على لبنان في الأول من أكتوبر عام 2024 وحتى 26 يناير (كانون الثاني) الماضي، ويضيف "تعرض أكثر من 10000 منشأة لأضرار جسيمة أو للتدمير خلال تلك الفترة. وقد جرى كثير من التدمير بعد 27 نوفمبر عام 2024، بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله حيّز التنفيذ"، ويتابع التقرير "نفّذ الجيش الإسرائيلي التدمير بعدما أحكم سيطرته على المناطق، أي خارج إطار الأعمال القتالية"، ويوثّق التقرير الصادر تحت عنوان "لا مكان نعود إليه: التدمير الهائل الذي أحدثته إسرائيل في جنوب لبنان" كيف أن "القوات الإسرائيلية استخدمت متفجرات تُزرع يدوياً وجرافات لتدمير منشآت مدنية، بما فيها منازل ومساجد ومقابر وطرقات وحدائق وملاعب كرة قدم في 24 قرية (حدودية)".

وقالت إريكا غيفارا روساس، كبيرة مديري البحوث وأنشطة كسب التأييد والسياسات والحملات في "منظمة العفو الدولية" "إن تدمير الجيش الإسرائيلي منازل مدنيين وممتلكاتهم وأراضيهم في جنوب لبنان جعل مناطق بأكملها غير صالحة للسكن. ما دمّر حياة عدد لا يحصى من الناس. إن الأدلة التي حلّلناها تبيّن، بوضوح، أن القوات الإسرائيلية خلَّفت وراءها عمداً أثراً من الدمار بينما كانت تتحرّك في المنطقة. إن استهتارها الصارخ بالمجتمعات المحلية التي دمرتها مقيت، وحيثما ارتُكبت أفعال التدمير هذه بصورة متعمدة أو متهورة، يجب التحقيق فيها باعتبارها جرائم حرب".

وتبين صور الأقمار الاصطناعية المرفقة بالتقرير أن "قرى يارين، الضهيرة، والبستان في قضاء صور كانت الأكثر تضرراً، حيث دُمر ما يفوق 70 في المئة من مبانيها في الإطار الزمني الذي جرى تحليله. وشهدت سبع قرى أخرى تدمير أكثر من نصف منشآتها. وفي حين أن منظمة العفو الدوليّة غير قادرة على تقييم ما إذا كانت كل واحدة من المنشآت التي يتجاوز عددها 10 آلاف قد تضررت أو دُمرت بصورة غير مشروعة، إلا أن المنظمة أجرت تحليلاً تفصيلياً للأضرار والدمار الذي أحدثته القوات الإسرائيلية في خمس قرى: كفركلا (مرجعيون)، مارون الراس (بنت جبيل)، عديسة (مرجعيون)، عيتا الشعب (بنت جبيل)، والضهيرة (صور)".


تدمير في كفركلا

تعرَّضت أكثر من 1300 منشأة و133 فداناً (الفدان نحو 4200 متر مربع) من البساتين لأضرار فادحة أو للتدمير في كفركلا بين 26 سبتمبر عام 2024 و27 يناير عام 2025، بحسب صور الأقمار الاصطناعية. وأُصيب معظم المنشآت الواقعة ضمن مسافة 500 متر من الحدود بأضرار جسيمة أو تعرّض للتدمير. إن التحليل البصري للرسم البياني ومقارنة مع اللقطات على الأرض وصور الأقمار الاصطناعية تبيّن، بوضوح، أن تدمير المنشآت المدنية قد تجاوز كثيراً المباني التي قال إنها كانت تضم بنية تحتية لـ "حزب الله". ويبيّن تحليل "منظمة العفو الدولية" أن الجيش الإسرائيلي كان على الأقل يتمتع بسيطرة جزئية على المنطقة بحلول 28 أكتوبر، كما أثبت الصحافيون الذين زاروا البلدة. وقد استمر التدمير كذلك بعد دخول وقت إطلاق النار حيز التنفيذ في 27 نوفمبر 2024.

كذلك وثّقت "العفو الدولية" تدمير ملعب لكرة القدم في مطلع نوفمبر عام 2024. وبينما كان الجيش الإسرائيلي يدمر الملعب بآلة حفر، حفر أيضاً رسماً لنجمة داوود، وهي رمز يهودي، في موقف للسيارات، ما يمثّل دليلاً إضافياً على الطبيعة غير الضرورية للتدمير.

المشهد السائد جنوباً بعد سنتين من الحرب المعلنة أو المتقطعة دمار هائل لم يزل يسود في كل القرى الحدودية التي تعرف بخط المواجهة الأمامي (اندبندنت عربية)​​​​​
المشهد السائد جنوباً بعد سنتين من الحرب المعلنة أو المتقطعة دمار هائل لم يزل يسود في كل القرى الحدودية التي تعرف بخط المواجهة الأمامي (اندبندنت عربية)​​​​​


ربما استطاع عدد كبير من أصحاب الوحدات المتضررة جزئياً من تصليح ما تضرر في الحد الدنى من خلال مبالغ سريعة تلقوها من جهاد البناء (اندبندنت عربية)​​​​​​
ربما استطاع عدد كبير من أصحاب الوحدات المتضررة جزئياً من تصليح ما تضرر في الحد الدنى من خلال مبالغ سريعة تلقوها من جهاد البناء (اندبندنت عربية)​​​​​​


ما يحصل في النبطية والجنوب يمكن تعميمه على مختلف المناطق اللبنانية التي تعرضت للقصف ونالها من التدمير ما نالها (اندبندنت عربية)​​​​​​
ما يحصل في النبطية والجنوب يمكن تعميمه على مختلف المناطق اللبنانية التي تعرضت للقصف ونالها من التدمير ما نالها (اندبندنت عربية)​​​​​​


تعليقات: