وزير خارجية سوريا اسعد الشيباني في الخارجية اللبنانية - لكل مرحلة ورشتها وعدتها وأدواتها (علي علوش)
زيارتان مهمتان حصلتا منذ أيام لوزيري الخارجية والعدل السوريين الى بيروت، وحضر معهما مسؤولون أمنيون والتقوا نظراءهما وناقشوا قضايا أمنية وسياسية وقضائية. وتفقّد عدد منهم سجن رومية واطلع على وضع المساجين السوريين بلقاء مجموعة منهم. صحيح أن هذا الموضوع يأخذ الحيّز الأكبر من الاهتمام وسبب ذلك التقصير اللبناني على مدى سنوات في محاكمة الموقوفين وإصدار القرارات القضائية اللازمة، ثمة حالات تستوجب قرارات لمدة معينة أقل بكثير من المدة التي قضاها أصحابها في السجن فهل يجوز ذلك ؟؟ من يعوّض هؤلاء ؟؟ أليس هذا سبباً من أسباب الفوضى والتفلّّت في السجون إضافة الى شبكة المصالح الكبرى التي تدير عمليات الاتجار بالمخدرات بين الداخل والخارج ؟؟
القوى الأمنية اللبنانية وعلى رأسها الجيش تقوم اليوم بدور كبير في تدمير وإقفال مصانع متقدمة لانتاج المخدرات وتهريبها الى دول مجاورة وأخرى بعيدة، وقتل وتوقيف عدد من المتورطين في هذه الجريمة، وإتلاف المواد المصادرة، والعملية مستمرة وتحظى بتأييد كبير في الداخل والخارج أعطى صورة مختلفة عن وضع الدولة بما يعزز مصداقيتها وحضورها وفعاليتها ويريح علاقات لبنان الخارجية مع دول شقيقة وصديقة ويعالج أزمة اجتماعية كبيرة. ترافق ذلك مع اتخاذ الحكومة قراراً بتشكيل الهيئة الناظمة لـ" القنّب " وقد تأخر الأمر كثيراً وتأخر معه مشروع الاستفادة من صناعة أدوية تعالج مشكلة البطالة وترفع الحرمان التاريخي عن أهل منطقة كبيرة في لبنان فتريح أوضاعهم الاجتماعية والمالية وتحفظ كرامتهم وتسقط عن المنطقة سمة معينة لا تليق بها ولا تستحقها.
هذه الخطوات ينبغي استثمارها والإسراع في حماية نتائجها واستكمالها. وزيارات المسؤولين السوريين يجب البناء عليها للبدء بدراسة معمقة للعلاقات اللبنانية السورية في أجواء من الثقة والحرص المتبادل على علاقات بين دولتين مستقلتين آخذين بعين الاعتبار الوقائع التاريخية الجغرافية والسياسية والتجارب التي مررنا بها على مدى عقود من الزمن وحكمت تلك العلاقات. لقد أعلن وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني تعليق العمل بالمجلس الأعلى اللبناني السوري الذي كان بمثابة " الهيئة الناظمة "، إن صح التعبير، للعلاقات والاتفاقيات ولو نظرياً بعدما كلفت سوريا بإدارة الشأن اللبناني إثر توقيع اتفاق الطائف، ثم توقيع معاهدة الأخوة والتنسيق بين البلدين والتي تفرّعت عنها اتفاقيات أخرى شملت قطاعات مختلفة.
لكل مرحلة ورشتها وعدّتها وأدواتها التنفيذية. اليوم نحن في بداية مرحلة جديدة لا تزال معقدة وصعبة على المستوى السوري، ولكن الواضح ان الغرب بقيادة أميركا والشرق بعد زيارة الرئيس الشرع الى موسكو ولقائه الرئيس الروسي بوتين ولما لذلك من خصوصية ودلالات نظراً للوجود الروسي التاريخي في سوريا الذي يعود الى عقود من الزمن وللعلاقات المتينة التي ربطت الاتحاد السوفياتي ثم روسيا لاحقاً بالنظام السوري القديم حتى هروب بشار الأسد الى موسكو والمصالح الروسية في سوريا والمنطقة، نحن أمام مرحلة جديدة بالكامل، يجب رصدها ومتابعتها والانفتاح عليها في إطار الواقعية السياسية والمصلحة اللبنانية والتفاعل مع ما يجري في المحيط. من هنا، يجب استكمال معالجة ملف الموقوفين السوريين والوصول الى اتفاق، وتعيين سفيرين في البلدين، والاستعداد الجدي للعمل على ترسيم الحدود اللبنانية – السورية البحرية والبرية، والنظر بالاتفاقيات المعقودة في سياق نظرة جديدة للعلاقات ولما فيه مصلحة الشعبين ضمن رؤية مستقبلية واضحة.
هذا الأمر يبدأ أولاً بالقناعة والمصلحة. وإذا تكامل هذان العنصران في نهاية المطاف ففي ذلك إنجاز كبير. الإرث ثقيل، التجارب مؤلمة في محطات كثيرة دون إسقاط إيجابيات معينة في مراحل مختلفة. لكن عوامل التاريخ والجغرافيا وانحرافات الإرادات نحو استباحة أو تسلّط أو استقواء أو أحقاد أو الدخول في مشاريع وارتباطات تخدم مصالح الخارج وتسقط عوامل تاريخية أدت الى ما أدت اليه، كل ذلك محفور في الذاكرة، لكن لا يجوز لأحد منا أن يبقى أسير تلك التجارب بل أن نتعلّم منها جميعاً مدركين التحولات الكبيرة التي جرت في السنتين الأخيرتين خصوصاً والسعي الاسرائيلي الاميركي الى إعادة تشكيل الشرق الأوسط كله والأخطر الحديث عن تشكيل المجتمعات العربية فكرياً وسياسياً بما ينسجم مع هذا السعي لرسم مستقبل المنطقة.
عامل الوقت ليس لمصلحتنا. ينبغي الاستفادة منه اليوم وإطلاق ورشة تثبيت العلاقات اللبنانية – السورية على أسس سليمة بعناية ودقة ومسؤولية وطنية.
إن واجبنا ومستقبلنا يقضيان بالاندفاع في هذا الاتجاه ودفن كل أحقادنا ومكابراتنا وتذاكي بعضنا والاستمرار بالغرق في الحسابات الزواريب الطائفية والمذهبية بأوهام لم تجنِ إلا الخراب.
تعليقات: