
في ظلّ ما يمرّ به لبنان من تحدّياتٍ اقتصاديةٍ واجتماعيةٍ وسياسية، تبرز الانتخابات النيابية كواحدة من أهمّ المحطات الوطنية التي لا يجوز تأجيلها أو التهاون في إجرائها. فالانتخابات ليست مجرّد استحقاقٍ دستوري، بل هي تجسيدٌ حيّ للديمقراطية، وتجديدٌ لثقة الشعب بمؤسساته، وفرصةٌ لإعادة تصحيح المسار الوطني ضمن الأطر القانونية والشرعية. إنّ الالتزام بإجراء الانتخابات في موعدها هو تأكيدٌ على احترام الدستور، وضمانةٌ لاستمرارية الدولة في وجه كل الأزمات.
إنّ تأجيل الانتخابات، تحت أي مبرّر، يُضعف ثقة المواطنين بالدولة ويُعزّز الشعور بالإحباط واللاجدوى. فاللبنانيون اليوم بأمسّ الحاجة إلى أن يشعروا بأنّ صوتهم مسموع، وأنّ إرادتهم قادرة على التغيير ضمن القانون. فالديمقراطية لا تُختزل بالشعارات، بل تُترجم بالفعل والممارسة، والانتخابات هي التعبير الأسمى عن تلك الإرادة الشعبية.
كما أنّ مشاركة المغتربين اللبنانيين تمثّل بُعدًا وطنيًا عميقًا، فهي تربط لبنان المقيم بلبنان المنتشر. فالمغتربون الذين حملوا الوطن في قلوبهم عبر السنوات يستحقّون أن يشاركوا في صُنع مستقبله. مشاركتهم ليست فقط حقًا دستوريًا، بل أيضًا ركيزة لتعزيز الانتماء والارتباط بالوطن الأمّ، ولإيصال صوت لبنان الحقيقي إلى العالم بأسره.
ومن جهةٍ أخرى، لا يمكن الحديث عن انتخابات ناجحة دون وحدةٍ وطنيةٍ راسخة. فالانقسام يضعف الوطن ويعطّل بناء مؤسساته. الوحدة الوطنية هي الأساس الذي يُبنى عليه الاستقرار، وهي الجدار الذي يحمي لبنان من كل محاولات الفتنة والتفرقة. إنّ تلاقي اللبنانيين على مبدأ المواطنة والقانون فوق أي انتماءٍ آخر هو الطريق الوحيد لإنقاذ الدولة واستعادة دورها.
وفي هذا السياق، تأتي أهمية تطبيق القوانين كعاملٍ أساسي لضمان نزاهة الانتخابات وشفافيتها. إنّ تطبيق القانون بعدالةٍ ومساواة بين جميع المواطنين يكرّس الثقة بالدولة ويمنع الاستغلال والفساد، ويؤسس لمرحلةٍ جديدةٍ من الحكم الرشيد والمساءلة.
أما على الصعيد الوطني الأشمل، فإنّ الانتخابات في موعدها تفتح الباب أمام مرحلةٍ جديدة من إعادة الإعمار والبناء. فالمؤسسات المنتخبة ديمقراطيًا هي التي تمتلك الشرعية لإطلاق خططٍ تنمويةٍ واقتصاديةٍ حقيقية، ولإعادة إعمار ما دمّرته الأزمات. إعادة الإعمار ليست عملية مادية فحسب، بل هي مشروع وطني شامل لإحياء الاقتصاد، وإعادة الثقة بالدولة، وتحقيق العدالة الاجتماعية.
ختامًا، إنّ إجراء الانتخابات في وقتها هو فعلُ وفاءٍ للدستور، واحترامٌ لإرادة الشعب، وخطوةٌ نحو ترسيخ الوحدة الوطنية وإطلاق ورشة إعادة الإعمار. هو إعلانُ تمسّكٍ بلبنان الدولة، لا لبنان المحاصصة، وإيمانٌ بأنّ مستقبل الوطن يُبنى بالقانون، وبالمشاركة، وبالإرادة الجامعة لأبنائه في الداخل والاغتراب. فليكن صوت اللبنانيين في صناديق الاقتراع نداءً من أجل الإصلاح والوحدة والبناء.
راشد شاتيلا سياسي لبناني - مختص في الذكاء الاصطناعي و إدارة البيانات
الخيام | khiyam.com
تعليقات: