
لا يمكن القول إن عودة الجنوبيين لقراهم الحدودية تحققت بعد 11 شهراً من قرار وقف النار (اندبندنت عربية)
جال فريق اندبندنت عربية في بعض القرى الحدودية المحاذية لإسرائيل ورصد الوضع الإنساني والأمني
ملخص
لا يمكن القول إن عودة الجنوبيين لقراهم الحدودية تحققت بعد 11 شهراً من قرار وقف إطلاق النار، بل من يعود منهم إليها فعودته مشروطة ومن دونها عقبات كثيرة، في طليعتها ما يهدد حياتهم جراء إمكان استهدافهم من الجيش الإسرائيلي، وبقاء الدمار والخراب في عشرات من هذه القرى على حاله، في ظل استمرار انقطاع المياه والكهرباء والطرقات، مع الإشارة إلى أن هناك أكثر من 90 ألف نازح جنوبي ما زالوا خارج قراهم الحدودية.
اليوم وبعد 11 شهراً على قرار وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل في الـ27 من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ليس من السهل على أبناء القرى الحدودية المتماسة مع إسرائيل أن يصلوا إليها من طرقاتها المعتادة، إذ يختارون في أحيان كثيرة ممرات أبعد من الطرقات الرئيسة التي كانت تفضي إليها بسبب قطعها من الإسرائيليين في أكثر من مكان، وبخاصة بين كفركلا وعديسة في قضاء مرجعيون، أو بين مركبا وحولا القريبتين، فضلاً عن السيطرة المباشرة على عدد من الطرقات المتفرعة التي ربما يتعرض سالكوها للنيران الإسرائيلية من المواقع المشرفة أو من التلال المحتلة (النقاط الخمس) بين مرجعيون في القطاع الشرقي وبنت جبيل في القطاع الأوسط والناقورة الساحلية في القطاع الغربي.
أحلام العودة
من يقصد قريته الحدودية من أبناء المنطقة وسكانها فإنما لارتباطه الروحي والوثيق فيها، وحلمه أن تتاح له العودة لها وبناء ما تهدم، بعدما دمرت إسرائيل فيها ما يتجاوز 70 في المئة من بيوتها ومؤسساتها التجارية والتربوية والحكومية وأحرقت حقولها وأشجارها، بخاصة بعد وقف إطلاق النار وما سمي بفترة الهدنة بين الـ27 من نوفمبر 2024 والـ18 من فبراير (شباط) الماضي، إذ قامت إسرائيل في تلك الفترة بتجريف البنى التحتية والطرقات في أكثر من 23 قرية وبلدة عند الحافة الأمامية، وتفجير عدد كبير من البيوت والمراكز الاقتصادية والدينية والتراثية والمتاجر، مما جعلها غير قابلة للسكن أو الاستعمال في المدى المنظور، وقبل خمس سنوات في الأقل، بحسب تقدير الخبراء والمهندسين، هذا بعد السماح بانطلاق عملية إعادة التعمير، التي لم تزل معطلة حتى الآن من إسرائيل بشتى الوسائل العسكرية أو الأمنية أو بالتهديد والوعيد.
لا يترك أبناء المناطق الحدودية مناسبة أو فرصة إلا ويقصدون بلداتهم ومساقط رؤوسهم، بخاصة في أوقات الأعياد أو العطل الأسبوعية، أو في حال إقامة مراسم العزاء والدفن لموتاهم. في المقابل ثمة عائلات قليلة في عدد من هذه البلدات والقرى تمكنت من العودة الدائمة أو شبه الدائمة، المحفوفة بكثير من الأخطار، وبالطبع ممنوع عليهم الوصول إلى الأحياء القريبة من الخط الحدودي الفاصل بين لبنان و"دولة إسرائيل"، أو إلى الحقول الزراعية والأحراج وبساتين الزيتون والأشجار المثمرة، بقرار إسرائيلي.
الحياة بشروط إسرائيلية
وقد لاحظ المتابعون كيف أن إسرائيل اشترطت على الراغبين من أصحاب البساتين في قطاف موسم الزيتون من الجهة اللبنانية، في الأسابيع القليلة الماضية، أن يبلغوا قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان "اليونيفيل" والجيش اللبناني بأسمائهم وعديدهم وأنواع سياراتهم وأرقامها، بعد أن حددت فترات زمنية قليلة للقيام بهذا الأمر. ولوحظ أن دوريات من "اليونيفيل" والجيش اللبناني رافقت عدداً من العائلات التي توجهت إلى حقولها وأرزاقها التي حرموا منها مدة سنتين متتاليتين منذ اشتعال المناوشات بين "حزب الله" والإسرائيليين في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023 في "معركة إسناد غزة"، ومع ذلك لم يسلم بعض المزارعين من رمايات رشاشة من المواقع الإسرائيلية المطلة عليهم أو إلقاء قنابل صوتية من مسيرات كانت تحوم فوقهم.
لا يمكن القول إن عودة الجنوبيين لقراهم الحدودية تحققت بعد 11 شهراً من قرار وقف إطلاق النار، بل من يعود منهم إليها فعودته مشروطة ومن دونها عقبات كثيرة، في طليعتها ما يهدد حياتهم جراء إمكان استهدافهم من الجيش الإسرائيلي، وبقاء الدمار والخراب في عشرات من هذه القرى على حاله، في ظل استمرار انقطاع المياه والكهرباء والطرقات، مع الإشارة إلى أن هناك أكثر من 90 ألف نازح جنوبي ما زالوا خارج قراهم الحدودية.
تبدل الطرقات وأحوالها
على رغم المخاطر الأمنية الكبيرة، والتصعيد الإسرائيلي الأخير، جال فريق "اندبندنت عربية" في بعص القرى الحدودية المحاذية لإسرائيل، واختار بلدة حولا للتوقف فيها كنموذج لرغبة أهلها في العودة لها وما توافر لهم من مقومات هذه العودة في ظل الخراب والدمار المنتشرين في كل مكان، لا سيما في الجهة الشرقية القريبة من الحدود المشتركة وموقع "العباد" المتنازع على حدوده بين لبنان وإسرائيل.
بين مدينة النبطية عاصمة المحافظة وبلدة حولا في قضاء مرجعيون التي يتجاوز عدد سكانها 12 ألفاً، ثمة طريق منفرج يوصل بين شمال مجرى نهر الليطاني وجنوبه، بين النبطية وقضائها شمال الليطاني، وقضاء مرجعيون بأكمله جنوب النهر. تبلغ المسافة بين النبطية وحولا نحو 37 كيلومتراً، وتمتد بعد مجرى الليطاني من دير ميماس، نحو جارتها الملاصقة كفركلا (في هذه النقطة تبلغ المسافة بين نهر الليطاني وأول مستعمرة إسرائيلية في المطلة نحو ثلاثة كيلومترات) ثم عديسة، مروراً بمركبا فحولا. تقطع إسرائيل الطريق نحو حولا منذ أكثر من سنة في نقطتين، بين عديسة وكفركلا، ومركبا وحولا.
لذلك، ومنذ وقف إطلاق النار وانتهاء فترة الهدنة في الـ18 من فبراير الماضي، يصل أبناء حولا النازحون نحو منطقة بنت جبيل وقراها إلى بلدتهم من بلدة شقرا، جارتها من الناحية الجنوبية، أما القادمون من منطقة النبطية وهم أكثرية، فعليهم العبور في طريق تتجاوز 60 كيلومتراً، وهو طريق يعبر بين سلسلة من الجبال والأودية ومجاري الينابيع والأنهار، ومنها مجرى الليطاني عبوراً فوق جسر قاعقعية الجسر في قضاء النبطية وواديي الحجير والسلوقي، اللذين شهدا في حرب يوليو (تموز) عام 2006 معارك طاحنة خسرت إسرائيل في خلالها (باعترافها) رتلاً من دبابات "الميركافا"، وأطلق "حزب الله" على هجومه عليها هناك بصواريخ الـ"كورنيت" تسمية "مجزرة الدبابات".
يقع وادي الحجير في منطقة ضيقة بين أقضية مرجعيون وبنت جبيل والنبطية، وهو واد سحيق ويمتد من مجرى نهر الليطاني أسفل النبطية إلى المناطق الملاصقة للحدود اللبنانية مع إسرائيل.
الخيام | khiyam.com
تعليقات: