هدى صادق: أمي لم تُهزم من الزهايمر.. سأحبّها مرتين، مرّة كما كانت ومرّة كما أصبحت


أمي تذوب في النسيان

كشمعة تحترق دون لهب

وجهها مألوف ثم غريب

اسمي على لسانها يُولد ويموت في اللحظة ذاتها

الزهايمر ليس نسيانًا

بل انسحاب الروح على مهل

تفكك الذات من مرآتها

صوتها يعرفني قلبها يشعر بي

لكن عقلها يمضي في طريق لا عودة منه

هي لا تموت بل تغيب

تترك جسدًا بلا ماضٍ

وعينًا تبحث عن معنى في فراغٍ لا اسم له

وأنا

أتذكّر عنها

أحفظ تفاصيلها في صدري

أضمها بالكلمات حين تفرّ منها اللغة

فإن نسيتني

سأكون ذاكرتها

سأحبّها مرتين

مرة كما كانت

ومرة كما أصبحت

وإن سقط اسمُها من فمِ الزمان

سأكتبه على جبين قلبي بالحروف الأولى

بالضحكة التي كانت توقظ البيت

وبالعين التي كانت تسقي الخوف طمأنينة

أمي لا تختفي

بل تتحوّل

إلى صمتٍ له رائحة الحنين

إلى يدٍ تنسى الطريق لكنها لا تترك يدي

وحين تنظر إليّ ولا تراني

أغمض عينيّ وأراها كلّها

كما كانت كما تكون كما ستظل في داخلي

فالذاكرة ليست عقلًا فقط

إنها حبٌ لا يُصاب بالزهايمر

وحنينٌ يقف على باب الروح

ينتظرها تعود ولو في حلم

أمي تنسى

تنسى أسماءنا ملامحنا التي خُطّت على وجهها كالنقش على الحجر تنسى أين وضعت قلبها حين وزّعته علينا نحن أبناءها تنسى البيت الذي بنته من صبرها تنسى الطرقات التي مشتها لتحمل العالم فوق كتفيها ثم تعود لتعد لنا العشاء وكأنها لم تنهمر ألف مرة

أمي لم تُهزم من الزهايمر بل تحوّلت صارت كمن يطفو فوق الحياة كمن يعبرها دون أن يتورّط في صراعاتها الصغيرة كأنها تتدرّب على الخلود الزمن عندها لم يعد خطًا مستقيماً بل موجة تبتلع البدايات والنهايات تخلط الماضي بالحاضر كأنها تقول لنا لا شيء يثبت لا شيء يبقى حتى الذاكرة نفسها عابرة

أمي وكلّما نسيت أكثر شعرتُ أنني أنا من يتذكّر عنها أنني أعيش مرتين مرة لأجلي ومرة لها

أمي التي أنجبتني من رحم الحياة أعود فألدها من رحم الذكرى

أحمل صورتها التي تتلاشى أضمها كطفل خائف وأقول لا تخافي أنا أتذكّرك بما يكفي لاثنين

إبنة الخيام الشاعرة هدى صادق

تعليقات: