الشويفات نموذج للكثير من المناطق: نهب منظم للأملاك العامة برعاية سياسية مكشوفة


ما يجري في الشويفات لم يعد يحتمل توصيفات مخففة. نحن أمام نمط ممنهج من التعديات على الأملاك العامة، البرية والبحرية، يتمدد منذ سنوات، بعلم السلطات المحلية وصمتها، وتحت مظلة سياسية تمنع المساءلة وتحمي المخالفين.

هذا التحقيق لا يتناول “تجاوزات فردية”، بل منظومة متكاملة: إشغال غير قانوني، بلدية غائبة، ومرجعيات سياسية تفضل الصمت على مواجهة شبكة مصالح نافذة.

أولا: مدينة بلا أرصفة… والمشي مخاطرة يومية

في الشويفات، لم يعد الرصيف حقا عاما، بل سلعة مستباحة.

محال تجارية، بسطات دائمة، مستودعات، وحتى مواقف سيارات خاصة، تمددت فوق الأرصفة، وأجبرت المشاة على السير وسط الطرقات.

البلدية لم تسجل أي حملة إزالة شاملة، ولا خطة تنظيمية، ولا حتى بيانات توضيحية للرأي العام.

المفارقة أن بعض التعديات أزيلت بشكل انتقائي، فيما بقيت أخرى قائمة رغم فداحتها، ما يعزز الشكوك بوجود استنسابية قائمة على النفوذ لا القانون.

ثانيا: البلدية… مسؤولية قانونية وصمت مريب

القانون البلدي واضح:

البلدية مسؤولة مباشرة عن حماية الأملاك العامة، وإزالة أي إشغال غير قانوني، من دون الحاجة إلى إذن سياسي أو غطاء حزبي.

ومع ذلك، يلتزم رئيس بلدية الشويفات صمتا كاملا حيال هذا الملف: لا مؤتمرات صحفية، لا بيانات توضيحية، لا جداول بإشغالات الأملاك العامة، لا نشر لمحاضر ضبط أو قرارات إزالة،

هذا الصمت لا يمكن اعتباره حيادا.

ففي القضايا العامة، الامتناع عن الفعل هو فعل بحد ذاته، ويضع البلدية في موقع الشريك بالصمت، لا المتفرج العاجز.

ثالثا: الشاطئ المخطوف… الأملاك البحرية تحت الحصار

الواجهة البحرية للشويفات تشهد أخطر أشكال التعدي.

مساحات واسعة من الشاطئ العام باتت محاطة بأسوار ومغلقة بحواجز، مخصصة لمنشآت خاصة تمنع المواطنين من الوصول إلى البحر.

بحسب إفادات أهالي وصيادين محليين، فإن عددا من المطاعم والمنتجعات البحرية المعروفة توسعت خلال السنوات الماضية خارج حدود تراخيصها الأصلية، أو عملت بتراخيص ناقصة، وسط غياب أي شفافية حول، بدل إشغال الأملاك العامة، المساحات المشغولة فعليا، مدة الإشغال القانونية،مما اصبح ممارسة الصيد و التمتع بالبحر صعب جدا.

من بين المنشآت التي يثار حولها جدل قانوني واسع في الشويفات، مطاعم ومنتجعات بحرية معروفة بالاسم لدى أبناء المنطقة، من بينها منشآت قائمة في نطاق الواجهة البحرية الجنوبية، والتي شهدت توسعات ثابتة وبناءات إسمنتية ظاهرة للعيان، من دون لوحات ترخيص معلنة أو بيانات رسمية تشرح قانونيتها.

ورغم ذلك، لم تسجل، أي قرارات إقفال، ولا حملات إزالة، ولا محاضر ضبط معلنة بل على العكس، تستمر هذه المنشآت بالعمل والتوسع موسما بعد آخر.

رابعا: الغطاء السياسي… من يمنع فتح الملف؟

مصادر محلية متقاطعة تؤكد أن ملف الأملاك البحرية في الشويفات محمي سياسيا وماليا، وأن أي محاولة لفتحه تصطدم بجدار نفوذ صلب.

وفي مدينة تدار عمليا بالعرف السياسي، لا يمكن فصل ما يجري عن دور المرجعيات السياسية الأساسية.

حتى اللحظة، لم يصدر أي موقف علني لا يبرئ ولا يدين ولا يطالب بالتحقيق وهذا الصمت، في ملف بهذا الحجم، يفتح الباب أمام سؤال مشروع:

هل هو عجز؟ أم قرار بعدم كسر شبكة مصالح قائمة؟

خامسا: القانون موجود… لكن يعطل عمدا

القوانين اللبنانية واضحة ولا لبس فيها:

الأملاك العامة لا تباع ولا تؤجر إلا وفق أصول صارمة، الشاطئ حق مشاع لكل المواطنين، البلدية مسؤولة عن الرقابة والإزالة.

لكن في الشويفات، يطبق القانون فقط على من لا يملك غطاء. أما أصحاب النفوذ، فلهم استثناء دائم.

هكذا تدار المدينة: النفوذ بدل القانون، والصمت بدل المحاسبة.

مدينة مخطوفة بإدارة الصمت ما يجري في الشويفات ليس قدرا.

إنه نهب منظم للأملاك العامة، برية وبحرية، يجري بعلم السلطات المحلية، وتحت مظلة سياسية تمنع المساءلة.

ويبقى السؤال الأخطر: من يجرؤ على فتح هذا الملف حتى النهاية؟

ومن يحمي الشاطئ والرصيف وحق الناس في مدينتهم؟

أم أن الشويفات ستبقى مدينة تدار بالمصالح، لا بالقانون…

وبالسكوت، لا بالعدالة؟

تعليقات: