بالصور: زيارة وفد اتحاد الجمعيات الإغاثية والتنموية (URDA)


بالتنسيق مع أوقاف مدينة الخيام، قام قبل ظهر يوم الأحد الفائت (21 كانون الأول 2025) فضيلة الشيخ محمد حمود أمام بلدة الهبارية (قضاء حاصبيا) مصحوباً بالمنسق الجنوبي في اتحاد الجمعيات الإغاثية والتنموية (URDA) الأستاذ علي نورالدين على رأس وفد كبير من متطوعي الجمعية وذلك بزيارة أطلال مجمع الامام زين العابدين (ع) في مدينة الخيام والذي كان يضم مسجد الخيام الكبير (هدم كامل)، مباني حسينية الخيام (هدم كامل بفرعيها حسينية الرجال وحسينية النساء، مكاتب إدارة الأوقاف، والمكتبة الدينية)، مقام ناصر بنصير التاريخي (دمار جزئي) وقاعة المصلى المؤقت (التي تم ترميمها وتجهيزها للعبادة).

كان في استقبال الوفد الكريم السيد يوسف زلزلة والشيخ محمد باقر عبدالله، مختار الخيام السابق حسين أمين قانصور (عمدة "شرف" مخاتير الخيام)، والمهندس الحاج أحمد مالك عبدالله، وتواجد أيضا بعض الفعاليات الخيامية المُرحبة بضيوف الخيام.

في مستهل اللقاء، رحب الشيخ محمد باقر عبدالله بضيوف الخيام الكرام، منوها بحُسن الجيرة والعيش الهنيّ المشترك وبمظاهر الوئام التي تسود أفراد المجتمع المرجعوني – الحاصباني منذ مئات السنين، متكلماً عن الخراب الذي حلّ بالمجمع الديني الكبير بالخيام مما أدى الى هدمه بالكامل والذي أصبح أثر بعد عين. مُذكراً ان الخطوة الأولى بعد العودة للبلدة كانت ترميم القاعة الغربية بالمجمع بفضل نخوة الأخوة الخيرين من أبناء البلدة، واتخاذها مُصلى مؤقتاً لمدينة الخيام.

ثم تكلم الشيخ محمد حمود أمام بلدة الهبارية فشكر السادة العلماء والأهل الحضور على ما لاقوه من حُسن استقبال، وترحيب مُلفت، وهذا ليس بغريب على مدينة الخيام وأهلها، مُذكرا بأواصر المحبة وحُسن الجوار الذي تتسم به العلاقة منذ القدم بين بلدات العرقوب ومدينة الخيام في جوانبها المتعددة من اجتماعي واقتصادي وثقافي، موجها الدعوة لتبادل الزيارات بين بعضنا البعض لما فيها من تعزيز أواصر المحبة والألفة، والتي نرجو أن تستمر للأجيال المتعاقبة بإذن الله.

وأخير تكلم السيد يوسف زلزلة، فرحب بالضيوف الكرام الذين حلّوا بين أهلهم وأحبائهم، مستشهداً ببعض النصوص من الكتاب الكريم والسنة المُطهرة التي تحث وترغّب بالوئام وحسن الجوار وتأليف القلوب لما فيه من توحيد الجهود والعيش بسلام ووئام.

ثم تكلم المهندس الحاج أحمد مالك عبدالله (محقق تاريخي لأرشيف - جبل عامل، وادي التيم والقسم الجنوبي لإمارة جبل لبنان) شارحا تاريخ بناء كلٍ من المسجد الجامع، الحسينية، والمقام الديني للولي ناصر بن نصير، حيث ذكر أن هذا المسجد الجامع ترتيبه المسجد الثالث في الخيام، حيث يسبقه المسجد الأول المُقام في محلة "دار الحوش" بالحي الغربي من المدينة وهو مسجد صغير يكاد يتسع لـ 30 مُصلي، والمسجد الثاني الذي يقع في الشارع التحتاني للغرب من المسجد الجامع ويتسع الى ما يقارب من 80 مُصلي. إن باعث نهضة الخيام في مطلع القرن التاسع عشر والذي مثل زعامة زمنية وروحية في آن واحد هو الحاج حسن بن محمد آل عبدالله الذي يعود نسبه الى الدوحة التنوخية العريقة. قام "الحاج حسن آل عبدالله" في عام (1860م) بأداء مناسك الحج في الديار الحجازية المقدسة في رحلة استمرت ثلاث سنوات حيث عرّج في طريق عودته على العتبات المٌشرّفة في العراق وبلاد خرسان. وصادف أن التقى في النجف الأشرف بالعلامة "الشيخ إبراهيم بن صادق آل يحي" (قدس سره) وأصله من بلدة الطيبة في جبل عامل، فأصطحبه معه بطريق العودة إلى بلدة "الخيام" وانزله داره. وشرع "الحاج حسن آل عبدالله" في بناء "مسجد الخيام الجامع الكبير" بإشراف "الشيخ إبراهيم بن صادق" ولكن الدهر لم يمهل الشيخ إبراهيم لحضور افتتاح المسجد، فتوفي في سنة (1866م) بينما تم افتتاح المسجد في عام (1868م)، وأوقف "الحاج حسن" للمسجد الأوقاف الجزيلة، وكان يُـعد "مسجد الخيام الجامع" الذي اتسع يومها لـ (200) مُصلي في حينه، ضمن أكبر مساجد جبل عامل المعدودة حينذاك. وفي عام (1882م) قام "الحاج حسن آل عبدالله" بإعادة بناء المسجد وتوسعته فاصبح يتسع الى (300) مُصلي وجعل سقفه من القرميد الأحمر الذي بدأ بالانتشار حينذاك في البناء، فكان مسجد الخيام الجامع المسجد الوحيد الذي سقفه قرميدا في جبل عامل وكان يُعد من أحد أكبر مساجد جبل عامل قاطبة كما ذكرنا أنفاً. وفي أثناء ترؤس المرحوم الحاج خليل محمد حيدر لمجلس بلدية الخيام (1937 - 1952) و(1953 - 1957) تم بناء مئذنة للمسجد، حيث قبل ذلك، لم تكن تسمح السلطات العثمانية بإقامة المآذن لمساجد جبل عامل.

واستمر المحقق التاريخي الحاج (أحمد عبدالله) في سرده، حيث ذكر أنه بين عامي (1977 - 1978) تم تهجير سكان الخيام من بلدتهم بشكل كلي، بينما بعد عملية الليطاني (1978) تم تدمير البلدة بكاملها، وبعد اجتياح عام (1982) سُمح للأهالي بالعودة الجزئية للبلدة، فبدأت حينذاك عملية إعادة الاعمار بالمجهودات الفردية لأبنائها، فانبرى المغترب المرحوم كامل أمين ظاهر قانصور بإعادة إعمار مسجد الخيام الجامع مع مأذنته المميزة وتوسيع قاعته، فأصبح المسجد يتسع الى ما يزيد عن (400) مُصلي. وتمت إعادة البناء هذه، بإشراف سماحة مفتي مرجعيون وحاصبيا الشيخ عبدالحسين عبدالله وبمعاونة المرحوم الحاج إبراهيم أحمد الحاج عبدالله.

وأثناء حرب تموز (2006) تم تدمير المسجد بشكل كامل أيضاً، فأعادت دولة قطر مشكورة ببناء مسجد الخيام الجامع على طراز المساجد الخليجية المميزة مع مئذنتين حديثتين وجعلت للمسجد قبة فخمة وكذلك تم بناء شرفة داخلية علوية من أجل صلاة النساء، وذلك أيضاً بإشراف سماحة مفتي مرجعيون وحاصبيا الشيخ عبدالحسين عبدالله. والآن، كما ترونه مدمرا ومنزوعة معالمه، وبانتظار الإرادة الدولية للسماح لنا بإعادة إعماره ثانية.

ثم تابع الحاج (أحمد عبدالله) روايته للتاريخ، فقال: أما حسينية الخيام فقد قام ببنائها المرحوم الحاج محمد أفندي الحاج حسن عبدالله في عام (1926م) بإشراف المرحوم الشيخ عبد الكريم الشيخ حسن صادق، وتبرع لاحقا المرحوم الحاج خليل محمد حيدر بتركيب بوابة حديد للحسينية في خمسينات القرن الماضي، حيث كانوا فيما سبق يكتفون بالبوابات الخشبية فقط. وتعتبر حسينية الخيام ثاني حسينية في جبل عامل، حيث الحسينية الأولى في جبل عامل وكل الجمهورية اللبنانية هي حسينية النبطية التي أنشاءها المرحوم العلامة الشيخ عبدالحسين الشيخ إبراهيم صادق (قُدس سره) في عام (1909). بعد عودة الأهالي للبلدة في عام (1982) تم ترميم حسينية الخيام بإشراف سماحة مفتي مرجعيون وحاصبيا الشيخ عبدالحسين عبدالله وبمعاونة المرحوم الحاج إبراهيم أحمد الحاج عبدالله. ولكن في حرت تموز (2006) تم تدمير الحسينية بالكامل، فتم إعادة بنائها بمظهر جديد عصري وبتمويل كامل من دولة قطر، بإشراف سماحة مفتي مرجعيون وحاصبيا الشيخ عبدالحسين عبدالله، حيث تم إنشاء حسينيتين توأمتين، أحداها للرجال والأخرى للنساء، مع مختلف الخدمات المطلوبة لسير عملها بالشكل الكامل والمُرضي، كذلك تم إضافة قسم لإدارة الأوقاف، وقسم أخر للمكتبة الدينية، وفي الطابق العلوي من مبنى حسينية النساء تم إقامة قاعة محاضرات وتدريب تتسع لمائتي شخص. والآن تنتظر الحسينية كما شقيقها المسجد الجامع موافقة الإرادة الدولية للسماح بإعادة إعمار ما دمرته حرب الاسناد (1923 - 1924).

ومن ثم انتقل الحشد لتفقد المصلى المؤقت لمدينة الخيام والذي جرى تحديثه وتأهيله فور السماح بعودة الأهالي الى مدينتهم الخيام، ثم عرّج الضيوف الكرام لزيارة وتفقد المقام الديني الأثري المعروف في مدينة الخيام، حيث ذكر الحاج (أحمد عبدالله) أن المقام التاريخي قد تأذى جزئيا بحرب الاسناد الأخيرة، ولكنه أصيب بدمار فادح أثناء حرب تموز (2006)، وأعيد ترميمه يومها بمساعدة سخية من دولة قطر. ويعتبر هذا المقام أقدم أثر تاريخي متكامل ضمن بلدات سهل مرجعيون الجغرافي. وتم تقدير مرحلة بناء المقام من قبل الدكتور الخيامي "محمد حبيب إبراهيم صادق" (مهندس الآثار المعروف – خريج كلية الأثار بروما - ايطاليا) حيث جزم بعد معاينة متأنية أن المقام تم تشييده في منتصف القرن الرابع عشر ميلادي، وذلك بالاستدلال من نوعية الطين المستعمل في بناء قبته، وهي النوعية التي كانت سائدة في تشييد أغلب أثار العصر المملوكي في لبنان. والمقام هذا عبارة عن مسجد صغير تعلوه قبة من غير مئذنة لا يتجاوز سعته (50) مُصلي، وتم بناؤه فوق ضريح أحد أولياء الله الصالحين وهو محدّث إماميّ اسمه "ناصر بن نصير"، روى عنه ولده الشيخ الرئيس الأجلّ "أبو البقاء هبة الله بن ناصر بن نصير" الذي كان من أكابر علماء الشيعة الإماميّة. وهو من أعلام القرن الرابع وأوائل القرن الخامس الهجري، وبما أنّ العلماء أخذوا عنه في بلاد الشام فإنّ هذا يقرّب الاحتمال بأنّ نصير هذا كان من أهل بلاد الشام، واليه ينسب المقام في بلدة الخيام.

وفي نهاية اللقاء، اصطف الجميع على الأعتاب الشرقية للحسينية المدمرة وتم التقاط الصور التذكارية، تخليدا للزيارة التفقدية الجميلة. ثم غادر الوفد بمثل ما أستقبل به من حفاوة وإكرام.

المهندس الحاج أحمد مالك عبدالله؛ الخيام في (21 كانون أول/ديسمبر 2025)

ناشط اجتماعي وباحث اعلامي.

محقق تاريخي لأرشيف (جبل عامل، وادي التيم والقسم الجنوبي لإمارة جبل لبنان)













































تعليقات: