غرفة الطوارئ في إحدى المستشفيات
اتهم رئيس نقابة أصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون شركات التأمين بأنها تحتال على حاملي البوالص، وفي المقابل رأى عضو في مجلس إدارة نقابة شركات التأمين أن المستشفيات تبتزّها
أبلغت بعض المستشفيات شركات التأمين أنها ستلغي عقود الاستشفاء والطبابة داخل المستشفى وخارجه التي تغطيها شركات التأمين في الدرجة الثالثة، أي الدرجة التي تشمل عقود التأمين الإلزامي لحوادث السيارات وحوادث العمل وحوادث الأجراء الأجانب والخدم وحوادث المدارس والذين اشتروا بوالص تأمين طبية في الدرجة الثالثة، لأنه ليس لديهم أي تغطية طبيّة. انطلقت الأزمة في نهاية تموز، حين أبلغ مستشفى الجامعة الأميركية شركات التأمين أنها تعتزم زيادة التعرفات الطبية. وهناك روايتان لهذه القصة، فمصادر شركات التأمين تشير إلى أن مستشفى الجامعة الأميركية لم يتفاوض مع شركات التأمين لتوقيع العقود الجديدة التي تتضمن زيادة الأسعار بنسب تصل إلى 20 في المئة معدلاً وسطياً على الأعمال والخدمات الطبية والفندقية، ولم يمهلها إلا يومين لبدء تطبيق هذه الزيادة، وفي المقابل رد المستشفى بأنه أبلغ جميع شركات الضمان الخاصة بأنه سيبدأ تطبيق نظام تسعير مختلف ابتداءً من أول تشرين الأول، وأن مجمل معدل هذه الزيادة على الخدمات والأعمال الطبية والفندقية سيبلغ 8 في المئة.
إلا أن هاتين الروايتين تنقصهما بعض التفاصيل التي روتها مصادر مطلعة من الأطراف المعنية لـ«الأخبار»، فقد قال عضو في مجلس إدارة نقابة شركات تأمين (رفض ذكر اسمه) إن مستشفيات جامعية وأخرى مصنّفة «خمس نجوم» أبلغت الشركات بإلغاء استقبال حاملي بوالص التأمين في الدرجة الثالثة، فيما يمثّل هؤلاء شريحة واسعة من زبائن الشركات، وبالتالي فقد يترتب على الشركات رفع كلفة العقود على الزبائن إلى الدرجة الثانية بالتزامن مع التسبب بفقدان التغطية الاستشفائية والطبية لآخرين. وأبرز هذه المجموعة من الزبائن هم من حملة بوالص التأمين الإلزامي على السيارات والشركات التي تؤمن على حوادث العمل والأجراء الأجانب والخدم، والمدارس التي تؤمن على طلابها، أي إن معظمهم يخضع لتأمين إلزامي، باستثناء حوادث العمل.
وهذا الأمر سيضع الشركات تحت رحمة الأسعار التي تقدمها المستشفيات، ولا سيما الكبرى منها، إذ ستبتزهم المستشفيات وتضعهم تحت ضغط «مقصلة» رفع الأسعار فيما هم يحتاجون إلى فترة لتسويق رفع أسعار البوالص واستيعاب الأكلاف الجديدة، وخصوصاً أن التطبيق الفوري لزيادة الأسعار يزيد من التزامات الشركات تجاه زبائنها الفاعلين الذين اشتروا قبل وقت قصير بوليصة التأمين المقسطة لمدة سنة.
ويروي رئيس نقابة أصحاب المستشفيات سليمان هارون لـ«الأخبار» أن شركات التأمين كانت تبيع بوالص جماعية تحت اسم «مجموعة خاصة» وتقبض ثمن هذه البوالص على أساس تغطية طبية في الدرجة الثانية، بينما تتعاقد مع المستشفى على أساس إدخالها درجة ثالثة. وأوضح أن المستشفيات أعطت الصناديق التعاضدية أسعاراً خاصّة على أساس أنها تشمل منتسبين من شرائح اجتماعية فقيرة، «لكن هذه الشركات أنشأت صناديق وهمية لتغطية زبائنها بكلفة متدنية ولقاء ثمن بوليصة مختلف، ولذلك نرى هذا الأمر عملية احتيال والتفاف على القانون».
وتشير مصادر في إحدى شركات التأمين (رفض ذكر اسمه) إلى أن المستشفيات ألغت الدرجة الثالثة في مقابل الفصل بين الطبابة والخدمة الفندقية في الدرجة الأولى، أي إن التعرفات الطبية تبقى على ما هي عليه، فيما يُرفع سعر التعرفات التي تُعدّ فندقية مثل إشغال الغرفة والطعام والأكل والشرب... ولكن هذه المصادر (نفسها) تقلل من هذا الأمر، لأن في المستشفيات تعرفات طبية وفندقية «نموذجية» تتضمن أسعاراً خاصة للنواب والوزارء والشخصيات.
وبحسب المعلومات المتوافرة، فإن الضغوط على إبرام عقود جديدة دفعت المستشفيات إلى التكتّل ضمن ست مجموعات مناطقية: مستشفيات المتن الجنوبي، مستشفيات المتن الشمالي، مستشفيات الشمال، مستشفيات الجنوب، مستشفيات الضاحية، مستشفيات البقاع. وفي المقابل دفعت شركات التأمين أيضاً إلى التفاوض بشكل مجموعات ضغط منفردة أيضاً للوصول إلى أهداف خاصة بها فقط.
وبحسب عاملين في شركات التأمين، فإن بعض الفواتير التي تصل إليهم تتضمن «وقوداً بقيمة 20 دولاراً لليوم الواحد»، وتفاوض بعض المستشفيات على زيادة أسعار خدمات الكهرباء والتدفئة التي تختلف بين درجة وأخرى، وهذا ينطبق على سعر الأدوية والأدوات الطبية! (سعر حبة البنادول مثلاً مختلف في الدرجة الثالثة عن سعر الحبة نفسها في الدرجة الثانية والأولى والمميزة...)، فيما أوضحت بعض المستشفيات موقفها من الزيادة بأنه سيتضمن زيادة أسعار الفحوصات الخارجية بما يفوق الأسعار المعطاة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بضعفين، كما أن زيادة الأسعار ستزيد الفارق بين أسعار المستشفيات التي تحمل التصنيف نفسه.
أما رسمياً، فإن لجنة الرقابة على شركات الضمان الخاصة في وزارة الاقتصاد لديها هاجس وحيد يتمثّل في عدم إفلاس أي شركة تأمين بسبب هذه «الحرب الضروس»، إذ إن المضمونين على عاتق هذه الشركة الذين لديهم تاريخ طبي لن يكون بإمكانهم الحصول على بوليصة من شركة ثانية، كما أنه ليس لديها الصلاحية لقمع أي مخالفة يقوم بها المستشفى أو شركة التأمين، وهذا الأمر ينسحب على مصلحة حماية المستهلك التي لا يمكنها فرض أي تسعيرة على المستشفيات أو تسعير البوليصة.
تعليقات: