محمد رمضان وميرفت حسنين يتحدثان إلى الزميلة ثريا حسن زعيتر
صيدا
الخطيبان السعيدان: لسنا ضعيفين ونتقاسم الحياة بحلوها ومرّها...
محمد رمضان وميرفت حسنين، شابان لم تمنعهما الإعاقة الحركية من أن يشقا طريقهما في الحياة بكل جرأة وإصرار وإرادة التحدي، حيث قرر محمد الزواج من إمرأة يهواها قلبه ولم تمنعه من الإرتباط بها لأنها تشاركه نفس المعاناة، وحالتها الحركية مثل حالته، ليتقاسما الحياة بحلوها ومرها··
ومحمد وميرفت اللذان لم يتشاركا فقط في بداية أحرف أسمائهما <م>، بل القناعة أيضاً أن الإعاقة ليست بالجسد، بل بالعقل، وطالما أنهما يدركان جيداً ما يفعلانه، فلا يعبئان بما قد يواجهانهما من صعوبات في الحياة اليومية··
إتفقا على الخطوبة منذ شهرين ونيف، وهما الآن يستعدان للدخول إلى <القفص الذهبي> نهاية العام الجاري يداً بيد، ليثبتا للمجتمع أنهما قادران على مواجهة الصعوبات في الحياة والإنجاب وتكوين العائلة كما الأصحاء··
وهما الآن يضعان اللمسات الأخيرة على منزلهما الكائن في منطقة القياعة ? صيدا ليشهد على زواجهما وحياتهما في قابل الأيام··
زرناهما في منزلهما بعد لقائهما في <مركز إتحاد المقعدين اللبنانيين> في صيدا، وسألهما عن أسباب الإرتباط، وكيفية تصريف أمور الحياة بين المنزل والعمل·
محمد رمضان
محمد رمضان (30 عاماً) أصيب بشلل الأطفال منذ أن فتح عيناه على الحياة، كان عمره 6 أشهر حين فقد قدرته على المشي، فدخل إلى <مؤسسات محمد خالد الإجتماعية> في منطقة الأوزاعي ? بيروت، وبقي فيها مدة 12 عاماً، قبل أن يقرر الخروج منها، ومواجهة المجتمع وتفاصيل الحياة بحلوها ومرها·
يقول رمضان، الذي تتكوّن عائلته من الوالدين و3 شبان وبنتين: إن ما أصابني كان قضاء من الله، لم يكن الأمر مجرد تناول طعم الشلل أو لا، كانت جرثومة تفتك بالأطفال دون تمييز، وأصبت بهذا المرض دون سواي من أفراد العائلة المؤلفة من الوالدين وثلاثة شبان وبنتين، حيث لم يصب أي واحد منهم الشلل مثلي·
وأضاف: أول ما خرجت من المؤسسة، إستغربت نظرة الناس اليّ وكأنه في ذلك الوقت غريب على معوق أن يجلس على كرسي متحرك وأن ينزل إلى السوق ليشتري إحتياجاته، أو يذهب إلى مركز عمله قبل أن يتقبّل الناس الآن هذا الأمر·
وإعترف رمضان <كان صعباً عليّ أن أتأقلم في المجتمع بسرعة، كنت أمام خيارين لا ثالث لهما، أما أن أصاب بالإحباط واليأس وملازمة المنزل والإنطواء على الذات، وإما مواجهة الآخرين بإرادة قوية، ورد أي إنتقاد، فإخترت الثاني·· وقد عاملت الناس على قاعدة <المعاملة بالمثل>، لم أكن إنساناً ضعيفاً أو أشعر بعقدة نقص، بل خضعت التحدي، فتوظفت في مكتب <جمعية المقاصد الإسلامية> في صيدا في صيانة الكومبيوتر، وبقيت مدة خمس سنوات قبل أن ينتهي عملي، فإنتقلت للعمل في مركز <سبينس> وكان عملي محاسباً على الصندوق تحدياً بذاته، قابلت المدير وطلبت منه وظيفة، فإستغرب في بداية الأمر، ثم أقنعته أنه من صالح <سبينس> أن توظف مقعداً حتى يرى الناس صورة المجتمع الأمثل، بينما أثبت للناس أنني قادر على العمل، تدربت لمدة أسبوع واحد وإستلمت العمل ونجحت به وبقيت 7 أشهر، قبل أن أتوقف عنه بسبب عملية خضعت لها، لقد كانت تجربة ناجحة بكل ما للكلمة من معنى، وشجعتني على إنشاء مشروعي الخاص، لقد إفتتحت محلاً لصيانة الكومبيوتر والهواتف في منطقة الهلالية، والحمد لله ماشي الحال>·
الإعاقة·· عقلية
وأوضح <أن إختيار العمل هذا لم يكن وفق الرغبة، حتى لا أقول أن الأمر تحدياً، أو أعطي صورة مغايرة للواقع، إن العمل الأنسب للمُقعد وهو أن يجلس على كرسيه وأن يحترف عمل شيء على الطاولة، كالكومبيوتر أو الراديو وهو الأسهل ففعلت، وأصبحت أقوم بتفكيك الكومبيوتر وتركيبه، قبل أن اتعلم برمجة الكومبيوتر وكل ما يتطلبه العمل في هذا الإختصاص، وأنوي إن شاء الله أن أفتتح مشروعاً آخر>·
وتطرق رمضان إلى حياته الإجتماعية، فقال: لقد إخترت شريكة حياتي مقعدة مثلي، بعد قصة حب فاشلة إستمرت 7 سنوات، تعرفت على فتاة وأحببتها كثيراً، منذ <البريفيه> حتى الجامعة، ولكن أهلها رفضوا ارتباطي بها، فقط لأنني على كرسي متحرك، وكنت قد جهزت نفسي بكل شيء، إشتريت منزلاً وسيارة وكنت أعمل مثل أي إنسان، إنها إرادة الحياة·
وأضاف: لقد تعرفت على شريكة حياتي ميرفت في مركز <إتحاد المقعدين> في صيدا، وإرتبطت بها منذ شهرين ونيف، بعد 7 أشهر من التعارف، وننوي إن شاء الله الدخول إلى <القفص الذهبي> بعد أيام قليلة أي نهاية العام الجاري أو بداية العام الجديد على أبعد تقدير، لا أريد أن أقيم عرساً أو حفل زفاف، أفكر بالسفر في رحلة لقضاء شهر العسل·
وقال: لقد واجهت فكرة الزواج منذ البداية بعض الإعتراض على إعتبار اننا مقعدين، وكل واحد يريد من يساعده، ولكننا تجاوزنا الأمر، قلت لهم عندما أكون وحدي أعتمد على نفسي في قضاء حوائجي، دون مساعدة الآخرين وهي كذلك، فنحن مع بعضنا البعض نعتمد على أنفسنا، كما أنه عندما يحب الإنسان لا يعود ينظر إلى العواقب، يريد أن يكون مع من يرتاح معه نفسياً، وإذا كانت حياتي فيها 20% من الفرح و80% من الحزن والتعب، لماذا لا أستفيد من الأول وأعيش مرتاحاً كما أريد·· لا كما يريد الآخرون·
وأوضح <لقد جهزت منزلي بكل شيء يتلائم مع وضعنا على الكرسي، ليس فيه أي عقبة، أشرفت عليه شخصياً، خصوصاً المطبخ، مثلاً المجلى منخفض وليس في المنزل أي عتبة عالية قد تعيق تحركنا، نستطيع أن نعيش مرتاحين فيه>·
وأشار محمد الى <أنه عندما يقود سيارته ويكون وحيداً، فإنه يصعد إلى كرسي المقود، ويضع الكرسي المتحرك إلى جانبه في الكرسي الآخر، أما عندما يكون مع خطيبته فإنها تصعد هي أولا ثم يضع الكرسي في المقعد الخلفي وراءه مباشرة، قبل أن يصعد هو>·
ميرفت حسنين
وتروي ميرفت حسنين حكايتها مع الشلل فتقول: كان عمري سنتين، حيث أصبت بشلل الأطفال من بين أربع بنات وشابين، لم يكن في العائلة أي إعاقة، ولكنني تأقلمت على الحياة تدريجياً وتقبلت بإرادة قوية هذا الوضع، وقد ساعدني الأهل كثيراً في تيسير الأمور·
وأضافت: لا أخفي أن الأهل إعترضوا بداية على فكرة الزواج من محمد، وكنت في السابق أرفض الزواج، ثم قبلت فجأة من إنسان مقعد مثلي، لقد ساعدني أخي كثيراً، كان يتفهم الوضع، والحمد لله الأمور تسير نحو النهاية، وقد إتفقت مع محمد على إدارة شؤون حياتنا كما نريد وبدون مساعدة أحد·
وإذ إستبعدت أن تواجه صعوبات كثيرة في الزواج، وقالت: حلمي أن أنجب طفلاً ونطلق عليه إسم <عمر> إذا كان ذكراً، و<نور> إذا كانت أنثى، ليس الأمر صعباً أو مستحيلاً، فالحمل والكرسي لا يتعارضان، حتى الإنسان العادي قد يتعب من الحمل في البداية، ولكنها أشهر قليلة وتنتهي لنضع زينة الحياة الدنيا، ويملء علينا المنزل··
وتستطرد بالقول: لا أتوقع صعوبة في تربيته، فقد إعتدت على الأمر، عندما أنجبت والدتي شقيقتي الصغيرة، كان عمري 10 سنوات، كنت أهتم بها، والآن عندما تذهب شقيقاتي إلى السوق أو أي زيارة، يبقى أولادهم عندي، أهتم برعايتهم واطعامهم وتبديل ملابسهم - أي أنني إعتدت على الأمر، وسأجده سهلاً إن شاء الله·
وأوضحت ميرفت <إنني أعتمدت على نفسي، تعلمت الخياطة سابقاً، ودخلت إلى مركز <إتحاد المقعدين> في صيدا، وتعلمت الكومبيوتر، وأصبحت متطوعة في النشاطات الذي ينظمها، تعرفت خلالها على محمد، والآن منذ شهرين أتعلم دورة تدريب وتأهيل على تصميم المجسمات الهندسية، نرى الخرائط على الكومبيوتر، ثم نصنع مثلها على المجسمات ونقصها على <اللايزر>، ونجمع كل شيء ليصبح العمل هندسياً، ونتلقى الآن تدريباً على تلبيس المبنى - أي تحضيره بشكل كامل للمشتري أو صاحب المشروع، حيث يستطيع أن يطلع عليه من جميع الجهات والشارع في المنطقة وكل ما حوله>·
عبد الكريم سرحال
ويشير عبد الكريم سرحال (مدير مشروع تأهيل وتدريب ذوي الإحتياجات الخاصة من أصحاب الإعاقة الحركية على صناعة المجسمات الهندسية والرسم المعماري وبرامج إستخدام التكنولوجيا الحديثة وتحديداً أجهزة الكومبيوتر) الى <أن هدف المشروع تحقيق الدمج الإجتماعي الإقتصادي في المجتمع، ولكي نكون جزءاً من النسيج الإجتماعي والإقتصادي في لبنان، ولا نشكل أي عبء على النظام الرعوي أو الضريبي>·
وأضاف: مشروعنا ليس خدماتياً على مستوى الأفراد، بل على مستوى المجموعات الكبيرة، لا يقدم خدمة عينية بل ذهنية تربوية حتى نؤكد طاقة المعوق وقدرته على الإندماج في المجتمع دون منة من أحد، وحتى الآن نجح المشروع في تدريب وتعليم عدد لا بأس من المستفيدين الذين لديهم إعاقة حركية، وقد ساهم هذا المشروع في توظيف البعض، بينما البعض الآخر بنى نواة مؤسسة صغيرة وسنكمله حتى النهاية، موضحا <أن الحكومة الإيطالية -CTO هي التي إهتمت بإطلاق المشروع وجهزوا وأشرفوا على التدريب وتأمين بدلات أتعاب المدربين وكل شيء بهدف المساعدة الإنسانية>·
مركز الإتحاد
إفتتح <مركز إتحاد المقعدين اللبنانيين> في صيدا في العام 1985، وتجدد إفتتاحه في العام 2005 بهدف الإهتمام بدورات التدريب والتأهيل الفني والتقني والمعلوماتية، وحدد خطواته لوسائل التدريب بما يتناسب مع سوق العمل كي يعتمد المعوق على نفسه ويكون قادراً على الإندماج في المجتمع دون حاجة أحد·
و<إتحاد المقعدين اللبنانيين> هو الذي إفتتح هذا المركز أو الفرع في صيدا، وهو منظمة غير حكومية وليس جمعية خدماتية أو رعائية بل حقوقية، وحركة مطلبية لها إنتشارها وحضورها على المستوى الوطني وليس المحلي أو الجنوبي من خلال مراكزه السبعة التي تتوزع بين بيروت والبقاع والجنوب والتي تهتم بالتدريب والتأهيل·
وصل عدد المنتسبين إلى مركز صيدا نحو 21 شخصاً، وسياسة الإتحاد هي التي تحكم التزام وِإرتباط الأعضاء أو الأصدقاء، وليس هناك عمر معين للإنتساب بل لحق الترشيح والإنتخاب - أي العمر القانوني فوق 18 عاماً·
يعتمد في مصاريفه على موازنة الإتحاد، وهي عبارة عن مجموعة من التبرعات والهبات، وثانياً على التنسيق مع وزارة الشؤون الاجتماعية التي تقدم المساعدة أو المساهمة الرمزية، وثالثاً على الشركاء في المجتمع المحلي مثل: البلديات، ورابعاً على الجمعيات والمموّلين من الداخل والخارج·
ميرفت تغسل كوباً على المجلى داخل المنزل
تعليقات: