ونعم بالله
الملفوف من النبات والخضار الممتاز والغني عن التعريف في الوطن العربي وحوض المتوسط وأوروبا بشكل خاص، إذ تستخدمه معظم شعوب هذه البلدان وتعتبره جزءا لا يتجزأ من سلتها الغذائية المهمة. ورغم اقتصاره على الأوراق الخضراء، فإن الكثير من الشعوب والبلدان تعتمد وتتكل عليه في مأكلها ورزقها. وفضلا عن مذاقه الطيب والحلو وتعدد استخدامه، فإن الناس أينما حلوا يؤمنون بأن الملفوف يتمتع بمواصفات طبية هائلة لا يمكن تجاهلها. ولا يزال بعض الناس حتى الآن يشربون عصيره قبل فصل الشتاء لمنع نزلات البرد والإنفلوانزا وغيرها من أمراض الشتاء المزعجة. ويعتبر الملفوف من النباتات والخضار المحببة في كل من تركيا واليونان وإيران ولبنان وسورية وفلسطين وغيرها ويستخدم محشوا بالأرز واللحم تقليديا كما هو الحال مع ورق العنب والكوسا. كما يلجأ البعض الى استغلال الملفوف في الشوربة، خصوصا البلدان الباردة. وفيما يعمل البعض على تخليله يقليه البعض الآخر، ويستخدم طازجا في تحضير السلطات. وكثيرا ما يستخدم الملفوف لتحضير سلطة المايونيز الخاصة بالهامبرغر.
الاسم النباتي والعلمي للملفوف هوBrassica oleracea var. capitata، التي تنتمي الى عائلة Brassicaeae (Cruciferae) التي تضم القنبيط Cauliflower والبروكلي broccoli وبرسل سبراوتس Brussels sprouts المعروف بالكرنب المسوق وكيل kale. ويعني الاسم العلمي «ملفوفة برأس من حديقة الخضار». والاسم الإنجليزي المستخدم حاليا «كابيدج» cabbage أصله فرنسي من كلمة «كابوشيه» caboche التي تعني «رأس».
المعلومات التاريخية تشير إلى ان العالم بدأ باستغلال واستخدام الملفوف قبل 4000 عام. وتتواصل عمليات تأصيله وتطوير أنواعه منذ أكثر من 2500 سنة أيضا. ولطالما ارتبط اسم الملفوف بالإيرلنديين والحضارة السلتية التي سبقت صعود الإمبراطورية الرومانية وانتشرت من كرواتيا الى البرتغال تقريبا، كانوا على الأرجح أول من ادخله الى أوروبا الغربية والشمالية عام 600 قبل الميلاد. وساهمت طبيعة الملفوف بانتشاره في الكثير من الدول الأوروبية بسبب الأحوال الجوية، إذ انه ينمو جيدا في البيئة الباردة والرطبة ويعطي محصولا جيدا عادة ويسهل تخزينه وحفظه خلال فصل الشتاء، أضف الى ذلك ان هذه النبتة الطيبة تعطي محصولا وثمارا خلال ثلاثة أشهر (في الهكتار) أكثر من أي نوع آخر من النباتات والخضار بشكل خاص. بكلام آخر ان النبتة مدرارة ومربحة ومفيدة. ويعتبر الملفوف حتى الآن جزءا لا يتجزأ من الطعام اليومي في بعض البلدان ويستهلك بشكل كبير كما هو الحال في بولندا وبريطانيا وايرلندا. ويقال إن الملفوف تاريخيا كان عبارة عن نبتة من الأوراق المتعددة، وان عمليات تحصيل الملفوف ذي الأوراق الكثيفة التي تشبه شكل الرأس، تمت في القرون الوسطى وبعد سنوات طويلة من الاستصلاح. وفرضت أنواع الملفوف الكثيرة هذه نفسها على المزارعين والفلاحين في جنوب أوروبا او ما يعرف بأوروبا المتوسطية التي تضم بلدان البحر الأبيض المتوسط كإيطاليا وفرنسا واليونان وإسبانيا، حتى نهاية القرن الخامس عشر، حيث تم تأصيل القنبيط من نفس الفصيلة وبعدها في القرن السادس عشر تم تطوير نوع «البروكلي» في ايطاليا، وفي القرن الثامن عشر وبعد كل تلك القرون ولد في بلجيكا ما يعرف بـ«براسل سبراوتس» وهو عبارة عن حبات ملفوف صغيرة بحجم الجوزة، تنمو على عنق طويل.
ويقال إن البحار الفرنسي جاكيه كارتيه هو الذي ادخل الملفوف إلى العالم الجديد أي الأميركتين عام 1536. ويقال أيضا، إن البريطاني وليام كولينوود من مدينة داراهم في الشمال الشرقي من انجلترا، صاحب الرقم القياسي في زراعة الملفوف منذ عام 1865. إذ تمكن كولينوود من إنتاج ملفوفة بوزن 123 (باوند) انجليزيا، أي حوالي 50 كليوغراما.
ولطالما أولى الإغريق والرومان قديما أهمية كبرى لنبتة الملفوف ومنحوها مواصفات طبية سحرية، لدرجة أنهم كانوا يؤمنون بأن الملفوف قادر على شفاء كل العلل. وتقول الخرافات الرومانية إن الملفوف خرج من دموع ليكورغوس ملك الادونيين وان الإمبراطور كلاديوس طلب من مجلس الشيوخ او «السانيت» التصويت عما إذا كان هناك طعام أطيب من الملفوف و«الكورن بيف» (Corned Beef وهو نوع من أنواع اللحم البارد) أم لا. بالطبع كانت نتيجة التصويت «لا» (لا يوجد أطيب من الملفوف). وكان بعض الفراعنة يتناولون الملفوف بكثرة قديما قبل ان يبدأوا بشرب الكحول على اعتقادهم بأنه يساعدهم على شرب كمية اكبر من الكحول. وتقول الوثائق البريطانية ان البحار الكابتن كوك المعروف كان يولي الملفوف أيضا أهمية خاصة، وكان طبيب سفينته يستخدمه عام 1769 لتضميد جراح البحارة لمنع الغرغرين وكان يحبه منقوعا بالماء المالح. ولا تزال بعض الشعوب تعتقد أن أكله قبل عيد الميلاد ورأس السنة يجلب الرزق والمزيد من المال. وفي هذا الإطار، كان الإنجليز يستخدمون كلمة الملفوف للتدليل على النقد والمال، خصوصا الأوراق المالية، رغم أنهم يستخدمون الاسم أيضا للتدليل على «مضيعة الوقت». واستخدم الاسم أيضا للتمييز العنصري ضد الجنود الألمان خلال الحرب العالمية الثانية، حيث كانوا ينعتون باسم الملفوف kraut، اما الفرنسيون فيستخدمون اسم الملفوف للدلالة على المحبة والمعزة، ويستخدمون تعبير ma petite chou على المرأة، الذي يعني «ملفوفتي الصغيرة». وصفة الملفوف المحشي (بالأرز واللحم)
* المقادير:
ـ ملفوفة بلدية متوسطة الحجم (يمكن تحصيل 12 ورقة منها للحشي).
ـ 250 غراما من اللحمة المفرومة (غنم او عجل).
ـ كوب من الأرز (حسب الطلب يفضل ان يكون سهل الطبخ).
ـ 3 حبات بندورة صغيرة (ناضجة جدا او «مستوية»).
ـ 1 بصلة حمراء متوسطة الحجم.
ـ 1 ملعقة شاي من الفلفل الأسود المطحون.
ـ 1 ملعقة شاي من الكزبرة المطحونة (حسب الذوق).
ـ نصف ملعقة شاي من الملح.
ـ 3 مكعبات من مركز لحم البقر (يمكن استبداله بمركز الخضار او خلطه).
ـ نصف لتر من ماء الملفوف.
طريقة التحضير:
* يتم أولا فصل الأوراق عن الملفوفة الأم او معظمها على الأقل ووضعها في ماء مغلي لفترة، او غليها لفترة 5 او 10 دقائق لتسترخي وتذبل حتى يمكن استخدامها لاحقا وحشوها. وخلال هذا الوقت يتم تقطيع او تفريم البصل الى قطع صغيرة ناعمة وقليها بزيت النبات او زيت الزيتون مع الأرز واللحم وبعدها تضاف البندورة المفرومة مع الملح والكزبرة والفلفل الأسود (قليل من الزيت وعلى نار هادئة). عندما يصبح الخليط جاهزا بعد 10 دقائق، يتم فصل اوراق الملفوف عن الماء ووضع الماء جانبا وخلطه بمكعبات مركز لحم البقر او الخضار. تأخذ الأوراق واحدة واحدة ليتم حشوها بالخليط ولفها كما تلف المعجنات ووضعها واحدة واحدة في قدرة الطبخ. بعد الانتهاء من اللف يمكن إضافة ماء الملفوف المخلوط بالمركز ليغمر سطحه. وبعد ذلك يفضل ان يوضع صحن فوق ورقات الملفوفة المحشوة ليضبطها ويبقيها قطعة واحدة. ويفضل ان يوضع مع الأوراق رأس من الثوم ليستخدم كمايونيز عندما يجهز الطبق. وتلجأ بعض النسوة الى وضع الخضار واللحم في قاع الإناء او القدرة لحماية الورقات من احتمالات الحرق. يترك الخليط على نار عالية حتى يختفي الماء ويقل كما هو الحال مع الأرز، ثم يتم تخفيف النار وتغطية الطبق لمدة خمس دقائق قبل جهوزية الطبق. لا بد من الذكر ان البعض يخلط الأوراق مع قطع من لحم الغنم او الدهن لتزكية الخليط. يؤكل الملفوف مع الخبز والثوم المطبوخ والبعض يأكله بعد رشه بعصير الحامض والثوم المطحون والطازج الى جانب اللبن والبصل الاخضر وأحيانا الفجل.
تعليقات: