الأمن اللبناني عند معبر العريضة الشمالي (رويترز)
هجوم أكثري في القضاء والاقتصادوالأمن...
■ خلافات حول فرع المعلومات والمعارضة ترفض منحه صلاحيّات جديدة..
■ أمن المعابر: بلعة يقود جهازاً أمنيّاً يعمل الجميع تحت إمرته..
■ إسقاطات طائفيّة تظهر «السنّّة» يأخذون دور إدارات تتبع لباقي الطوائف..
شيئاً فشيئاً تتّجه القوى المنضوية في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة نحو مواجهات متفرّقة، وكلما اقترب موعد الانتخابات اشتدّ التوتر، وإلى جانب مجلس النواب يبدو مجلس الوزراء مكاناً مناسباً لهذا الصراع، في خطوة تجعل رئيس الجمهورية طرفاً يوماً بعد يوم
منذ ما قبل انعقاد المجلس النيابي، ظهر فريق 14 آذار في موقع المهاجم. ومع أن نواب المعارضة حاولوا حشر رئيس الحكومة فؤاد السنيورة في مسائل تتصل بملف الهيئة العليا للإغاثة وملف التعويضات والموازنة والدَّين وخلافه، إلا أن السنيورة بدا مستعداً لهجوم مضاد، وحصد تضامناً جدياً من فريقه السياسي إلى حد الاستعداد لطرح الحكومة الثقة بنفسها أمام المجلس، فإما أن تحصل على أغلبية تسقط التحفّظات القائمة، وإما أن تطير فتكون البلاد أمام استحقاق جديد.
وقيل إن الرئيس نبيه بري كان مشتبهاً طوال الوقت في أن هناك من يريد تفجير الموقف لأسباب مختلفة، حتى إن نواباً من المعارضة كانوا يريدون الرد بقسوة على بيان السنيورة الأخير، تعرضوا لقمع مهذب من جانب الرئيس بري، الذي كان حذراً من هذا التفجير، لكنه ربما كان قليل التفاؤل بما خصّ التزام فريق الأكثرية بملف المجلس الدستوري، لأن التوافق الذي قام سابقاً وشمله بوصفه ممثل المعارضة ومعه الرئيس السنيورة بوصفه ممثل الأكثرية ومع الرئيس ميشال سليمان، كان هدفه آلية لانتخاب خمسة أعضاء وفق توزع يتيح تحقيق توازن داخل مؤسسة المجلس الدستوري، وكان هناك اعتراض واضح من جانب رئيس الجمهورية على انتخاب القاضي أنطوان خير لأنه سيكون لأسباب عدة رئيساً للمجلس الدستوري لاحقاً.
وكشفت المداولات اللاحقة أن جانباً من تحفّظ سليمان وقوى من المعارضة يعود إلى أن خير لم «يتحمل المسؤولية في ملف التشكيلات» وهذا «يمثل نقطة ضعف كبيرة» بحسب أحد وزراء المعارضة، الذي يضيف أن هناك اعتبارات أخرى تبرر رفضه في هذا الموقع.
ومع أن كثيرين من المحايدين أو المعارضين اتّهموا رئيس المجلس بأنه مارس الصمت الذي سمح لفريق الأكثرية بأن يفوز بأربعة مقاعد، إلا أن الأخير حاول توضيح الموقف بإعلانه التزامه بما تقرره المعارضة مجتمعة في شأن طريقة التصرف في مجلس الوزراء، وهو الأمر الذي توافق عليه وزراء المعارضة في الاجتماع الذي عقدوه الخميس الماضي في ضيافة وزير الاتصالات جبران باسيل. ومع أن المعارضة أعدّت أوراقها لمواجهة جلسة الحكومة التي سيجري خلالها اختيار الأعضاء الخمسة الباقين، إلا أن التفاهم جرى تعميقه مع الرئيس سليمان، وخصوصاً أن مسيحيي المعارضة لاحظوا أن فريق الأكثرية صار مستعداً للتنازل ولكن لرئيس الجمهورية، وهذا يعني أن التنازل سوف يكون من حساب المعارضة وتحديداً من حصة العماد ميشال عون، وهو الذي شعر بأن هناك من يريد ترتيب الأمور الخاصة بعدد كبير من القوانين بما فيها الانتخابات من خلال مجلس دستوري ممسوك به.
ومع ذلك، فإن الرئيس السنيورة وجد مخرجاً بأن يترك لرئيس الجمهورية إدارة المفاوضات بشأن المرحلة الثانية من تأليف المجلس، وكان واضحاً في هذا المجال إيكال أمر الاتصالات إلى الوزير جو تقلا ممثلاً لرئيس الجمهورية مع الأطراف الأخرى، والمقصود هنا أن يعود تقلا بلائحة أسماء توافقية مع ضمانات بعدم خرق فريق الأكثرية للتفاهم مرة جديدة.
وفي هذا السياق، يبدو أن النقاش الذي سبق ورافق قرارات الحكومة بما خص مجلس القضاء ومجلس شورى الدولة والمجلس الدستوري، قد حفل بلعبة محاصصة من النوع الذي برز في العودة إلى اختيار القاضي شكري صادر بدل المرشح الآخر أندريه صادر.
وفي هذا السياق، لم يتضح من بلف من، ولكن الأكيد أن داعمي هذا أو ذاك حاولوا توفير نقاط الدعم القوية من خلال ترتيب اتصالات واجتماعات مع قيادات بارزة في فريق 14 آذار، منها النائب سعد الحريري وقائد القوات اللبنانية سمير جعجع، إضافة إلى آخرين، ومع أن في المعارضة من يعتقد بأن أحد المرشحين أقرب إلى فريق 14 آذار، إلا أن الجدل في الحكومة أظهر معارضة وزراء مثل وائل أبو فاعور ومحمد شطح وجان أوغاسبيان لتعيين شكري صادر، فيما لم يظهر أن المعارضة حركت ساكناً.
لكن فريق الأكثرية لم يوقف هجومه، وهذه المرة قرر أن تكون خطوته التالية في مجال الأمن، وهنا تعتقد أوساط واسعة الاطلاع أن مجلس الوزراء والمؤسسات التنفيذية السياسية منها والأمنية مقبلة على اختبار قد تجري محاولة تحويله إلى لغم يلقى به في يد وزير الداخلية زياد بارود، ومن خلفه الرئيس سليمان، علماً بأن قيادة الجيش القريبة من رئيس الجمهورية كانت قد لفتت الانتباه إلى أن الأمر من شأنه إذا أدخلت تعديلات على الصلاحيات أن يضعف أجهزة أمنية أخرى ويخلق نوعاً من التضارب، في إشارة إلى دور مديرية الاستخبارات التي تتعرض منذ سنوات عدة لعملية تهميش يجري العمل على تجاوزها في هذه المرحلة.
وتكشف الأوساط المطلعة عن معطيات تعتبرها في سياق حملة فريق الأكثرية لتحقيق نقاط تقدم ربما تعتقد أنها تفيدها في الانتخابات النيابية المقبلة ومنها:
■ فرع المعلومات: شعبة بصلاحيّات جديدة؟
أولاً: بعدما طلب بارود من مجلس قيادة قوى الأمن الداخلي مناقشة اقتراحات لتنظيم الوضع القانوني واقتراح التعديلات حتى تقرّ سريعاً التشكيلات الأمنية، بدا أن النقاش يدور حول فرع المعلومات المفترض تحويله إلى شعبة تقوم بكل أعمالها بصورة مغطاة قانونياً، علماً بأن هناك بحثاً جرى بشأن استحداث قطع أخرى، من بينها شعبة المرور ومكتب الملكية الفكرية وقسم مكافحة الإرهاب.
لكن الذي حصل هو أن المناقشات الجارية الآن في مجلس القيادة أظهرت بالنسبة إلى فريق المعارضة، أن هناك توجهاً لدى فريق الأكثرية لتعديل في واقع فرع المعلومات يشمل صلاحياته، مع أن النقاش لم يحسم بعد بين وجهة نظر تقول بأن يتحول الفرع إلى شعبة، لكن مع الصلاحيات نفسها، ووجهة نظر أخرى تدعو إلى إدخال تعديلات على الصلاحيات بما يتناسب مع التطورات التي لحقت بعمله وبالتحديات المطروحة أمام البلاد.
وتقول الأوساط المطلعة إن التعديلات سوف تشمل الحصول على إدارة كل ملفات الاستعلام وجمع المعلومات التي تقوم بها الشرطة القضائية من خلال قسم مكافحة الارهاب. وهذا يعني نقل جزء من الصلاحيات الموجودة لدى الشرطة القضائية الى فرع المعلومات على أن يكون دور الشركة هو في إدارة التحقيقات والتحليل، وأن يشمل التعديل أخذ أدوار إضافية في ما خص ملفات الأمن الاستراتيجي والقومي والتكتيك وهي التي كانت عادة موجودة لدى مديرية الاستخبارات في الجيش اللبناني.
وبعدما فشل القائمون على المناقشات في التوافق على الأمر أجّل البحث برغم أن بارود ألزم قيادة قوى الامن الداخلي بمهلة تنتهي آخر هذه السنة. ولكن ليس هناك أي إشارة إلى أن المعارضة سوف تقبل بهذه التعديلات وقد تظهر الاحتجاجات على كل الامور بدءاً من اليوم، عدا عن أنه قد يكون من الصعب الحصول على توافق من النوع الذي يرضي الجميع، ولا سيما أن في المعارضة من يتهم فريق الاكثرية بأنه يريد السيطرة على الامن في البلاد من خلال «تفريخ» أجهزة جديدة تعيش على حساب بقية الاجهزة، وأن ما فشلت حكومة السنيورة السابقة في تحقيقه على صعيد دمج الاجهزة بعضها ببعض ولكن تحت سلطة وزير الداخلية المحسوب على فريق 14 آذار، تحاول الآن القيام به و لكن من خلال مشاريع عدة تنتهي سلطتها الاخيرة عند رئاسة الحكومة وتالياً عند رئيس الوزراء الممثل لفريق 14 آذار.
■ جهاز أمن الحدود: سلطة فوق السلطات
إلا أن الملف الآخر الأكثر حساسية، هو المتعلق بمحاولة إنشاء جهاز جديد، إذ تبلغ الوزراء في جدول أعمال جلسة السبت أن هناك تقريراً عن الوضع على المعابر البرية وأعمال المراقبة التي حققت نتائج كبيرة في منطقة الشمال، لكن التدقيق أظهر وجود عناصر مثلت بالنسبة الى قوى المعارضة خطراً جديداً يتمثل في رأي الاوساط المطلعة بـ«محاولة إقامة جهاز أمني مستقل يتبع مباشرة لرئيس الحكومة ويتجاوز بصلاحياته قوى ومؤسسات وأجهزة أمنية أخرى».
وإذ تشير المعلومات الى أن فكرة هذه الجهاز انطلقت قبل أكثر من عامين، وتحديداً عندما جاء الاوروبيون ومعهم الولايات المتحدة يبحثون في سبل تنفيذ القرار 1701، فقد اقترحوا إنشاء ما يمكن وصفه بحرس للحدود، ومع اطلاع الغربيين على التنازع السياسي والامني في لبنان حول ملفات كهذه وحول الاجهزة التي سوف تتولاها، فإن البحث انتهى الى تقديم دول غربية من تحت عباءة الأمم المتحدة دعماً تقنياً للحكومة اللبنانية لتتولى إدارة مراقبة المعابر البرية، بعدما جرى تكليف قوة بحرية تابعة للجيش الألماني بمراقبة المعابر البحرية.
ولأن الكل يعلم حساسية الأمر المتعلق بهذه النقاط، فإن الجدل الذي قام سابقاً حول جهاز أمن المطار والذي انتهى الى مغامرة من فريق الاكثرية أدّت الى 7 أيار الشهير، فإن البحث عاد لينطلق من الفكرة نفسها وحتى من تفاصيل شديدة التطابق، من بينها هوية الشخص المفترض توليه هذه المهمة، إذ كان مقترحاً في السابق أن يتولى المساعد السابق لمدير الاستخبارات في الجيش اللبناني العقيد غسان بلعة إدارة جهاز أمن المطار مكان العميد وفيق شقير، وذلك على خلفية اتهامات سخيفة وجّهها أقطاب من فريق الاكثرية ولا سيما النائب وليد جنبلاط، ضد شقير بأنه يعمل تحت إمرة حزب الله.
وبعد التغييرات التي حصلت في رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش ومديرية المخابرات، أطيح عملياً العقيد بلعة، الذي حاول بداية العودة الى رئاسة الحكومة الامر الذي لم يقر، قبل أن يتم إقناع الرئيس فؤاد السنيورة ومن ثم النائب سعد الحريري بأهمية الدور الذي سيقوم به هذا الرجل فطُلب رسمياً من الجهات المعنية في قيادة الجيش انتداب بلعة للعمل في السرايا الكبيرة مستشاراً أمنياً وعسكرياً لرئيس الحكومة، وهي المقدمة التي تسبق اقتراح أن يتولى بلعة نفسه أو من يعمل (عملياً) تحت إمرته مسؤولية هذا الجهاز.
وبحسب المعلومات فإن هذا الجهاز سوف يحتاج الى فريق بشري لا يقل عدده عن أربعة آلاف عنصر غالبيتهم من رجال الامن وعناصر عسكرية، وهو أمر سوف يكون مدخلاً لتعاقد جديد يعرف الجميع كيف يتم في بلد مثل لبنان وعشية انتخابات نيابية، ثم سوف يكون لهذا الجهاز (أمن الحدود أو أمن المعابر) هيكلية قيادية مشكلة من عدد من الضباط الذي يتولون إدارة المعابر الحدودية الشرعية وإقامة برنامج انتشار يغطي المعابر غير الشرعية والتثبت من عدم استخدامها، وكذلك العمل على انتشار تقني وأمني ـــــ بشري على طول الحدود البرية للبنان شمالاً وشرقاً وربما جنوباً، علماً بأن النقاط الجنوبية لها خصوصية باعتبار أن قوات الطوارئ الدولية هي من يتولى أمر مراقبة تنفيذ القرار 1701.
ولكي يكون عمل هذا الجهاز مجدياً فإن عليه أن يشرف على كل ما يجري عند المعابر، وهو بالتالي سوف يكون مسؤولاً عن كل القوات العسكرية والأمنية والادارية الموجودة هناك، ما يعني أن قوات الجيش اللبناني المنتشرة عند الحدود ووحدات الأمن العام ووحدات الجمارك سوف تتبع عملياً لقيادة هذا الجهاز الذي سيكون مرتبطاً برئاسة الحكومة، الأمر الذي يلزم كل الاجهزة الامنية الاخرى من فرع المعلومات الى أمن الدولة الى مديرية الاستخبارات في الجيش العمل تحت إمرته أو بالتنسيق الكامل معه، ما يعني أن لبنان سوف يكون أمام جهاز أمني جديد، قال الرئيس فؤاد السنيورة إنه سيتولى هو التنسيق مع الجانب السوري على الحدود الشمالية والشرقية، وبالطبع سوف يكون على تنسيق دائم مع القوى الدولية والسفارات الغربية المهتمة بمسألة تطبيق القرار 1701.
ولأن لبنان بلد المذابح الطائفية فإنه يمكن تخيّل نوع الإسقاط الطائفي على تعديلات صلاحيات فرع المعلومات وعلى إنشاء جهاز أمن الحدود، إذ إن الصلاحيات التي سوف تؤخذ من الجيش والامن والعام ومديرية الاستخبارات والشرطة القضائية، تعني بالعرف الطائفي اللعين في هذا البلاد، أن «السني» الذي يمسك بالمعلومات وجهاز أمن الحدود سوف يأخذ من صلاحيات الاجهزة والادارات التي تتبع ـــــ بحسب العرف اللعين نفسه ـــــ الى الشيعة والدروز والمسيحيين.
وفي هذا ما يكفي لتوقع عدم القدرة على إنجاز الأمر كما يفترض أصحابه، إلا إذا كانت البلاد على عتبة مواجهة جديدة.
تعليقات: