من احتفال برتقالي بالميلاد
حتّى عيد الميلاد سُيِّس، فباتت الزينة برتقاليّة في بعض المنازل، وفي منازل أخرى تغيّرت قصص الأطفال، فبات «بابا نويل» يأتي بعربته من بلاد بشرّي لا من القطب الشمالي. وهبّت نساء السياسيين ساعيات وراء الحفاظ على «برستيج» الألقاب، فوضعن خبرتهن في لفّ الهدايا والتبسّم للأطفال في خدمة رجالهن. وهكذا اختلط الحابل بالنابل، و«شتّت» الدنيا هدايا حالت كثرة المرشحين دون معرفة الأطفال بغالبية مقدّميها.
ورغم أن «الزعماء»، كعادتهم، لم يفوا بالوعود التي سبق أن قطعوها بإعلان أسماء مرشّحيهم للانتخابات قبل نهاية العام، تحوّل العيد إلى نقطة انطلاق لهذه الانتخابات، فبدا هرج العيد فرصة لتكتشف الأحزاب، المسيحيّة منها خصوصاً، ما لها وما عليها على صعيد رفع مستوى الجهوزية والتفاعل مع الناس والوصول إلى أكبر عدد منهم.
وفي غمرة الأغاني والأجراس والذقون البيضاء ـــــ غير المخيفة للذين يخافون ذقوناً أخرى ـــــ، تسجّل عدّة ملاحظات إثر التنقل من حفل إلى آخر عند أكثر من طرف:
1ـــــ بدا الوزير ميشال فرعون في احتفائه بأطفال الأشرفيّة ضائعاً، بعدما وفد ناخبو المزرعة التي كانت ضمن دائرته في الدورة الانتخابيّة السابقة. وقد ضاقت قاعة البيال بهؤلاء، فلم يجد بعض ممن وفدوا من الأشرفية مكاناً، فتحوّل الاحتفال من عامل دعم لفرعون إلى مادة انتقاد تسلّى أهل الأشرفية بها عشية العيد. مع العلم أن هدية فرعون فقدت رهجتها عند الأطفال الذين لم يعجبهم كثيراً حصول غالبيتهم على الهدية نفسها التي لم تكن على مستوى الكرم الفرعوني عادة.
2ـــــ ركزت القوات اللبنانية احتفالاتها في الشمال، وخصوصاً في البترون. وبعد الكلام عن احتفال مركزي كبير للقوات في ملعب فؤاد شهاب، اكتفى هؤلاء ببعض النشاطات، كاحتفال الأطفال في الأشرفية وسن الفيل، و«لقاء المعايدة» في بعبدات، وزيارة قوات بلدة النقاش لرابطة كروس رود (مصابي الحرب) لمعايدتهم. ولم يخلُ الأمر من بضعة قداديس، إضافة إلى معرض «عالم بابا نويل» المستمر في بلدة شكّا البترونيّة.
3ـــــ رغم الحركة المناطقيّة الواسعة التي بدأها حزب الكتائب اللبنانية منذ قرابة أسبوعين، لم تفعّل احتفالاته في العيد، وبدت معظم بيوت الكتائب في سبات، حيث لم تحظَ حتى بالزينة التي ملأت مكاتب الأحزاب الأخرى. وطغى حضور القوات على حضور الكتائب في النشاطات التي أقامتها مؤسسة بشير الجميّل، التي تركّزت هذا العام في دائرة بيروت الأولى، حيث وزّعت الهدايا على بعض المسنّين في بيت إقليم الرميل الكتائبي. كما وزّع نديم الجميّل الهدايا على عشرات الأطفال في الأشرفيّة انسجاماً منه مع اقتناعه بأن «أطفال لبنان هم مستقبله الزاهر، لذا عليهم أن يشعروا دون تفرقة بفرحة العيد، بعيداً عن أجواء التشنّج والتوتر السياسي». وأطلّت في المتن «الشيخة» باتريسيا بيار الجميّل، موزّعة أكثر من 400 هدية (بحسب مصادر الحزب) على أطفال الكتائب في المنطقة.
4ـــــ عونياً، تنقّلت النشاطات التي تراوحت بين مسرحيات الأطفال وتوزيع الهدايا وأمسيات الترانيم الدينيّة من الشمال إلى البقاع، مروراً بجبل لبنان طبعاً، وكان أبرزها في الجديدة ـــــ البوشرية ـــــ السد، شتوره، حمانا، الراسية، وحارة حريك. وقد استفاد الأطفال العونيون من وفرة المرشحين، فتوافر لمعظمهم أكثر من هدية.
وفي خلفيّة المشهد، ثمة أكثر من ملاحظة أيضاً.
فقد سجّلت بلبلة غير مسبوقة في ماكينة فرعون، التي بدا لصاحبها، ربما قبل غيره، أنها تحتاج إلى جهد كبير لتقف على قدميها، وخصوصاً أن فرعون لم يحرّكها في الدورة السابقة نتيجة فوزه بالتزكية، ولم ينشّطها بعد الانتخابات على اعتبار أن القانون الانتخابي سيبقى على حاله، فيستطيع بالتالي تأمين فوزه من خلال أصوات مؤيّدي الحريري من ناخبي دائرته السابقة غير الأشرفيين. وفي موازاة ذلك، سجّل غياب المرشحين غير الحزبيين، مثل فارس سعيد ومنصور البون وميشال المر وغيرهم.
وتبرز عودة التيار، وخصوصاً في دائرة بيروت الأولى، إلى أسلوب عمل قديم يفترض أن يؤدي نجاحه إلى التعويل عليه أكثر في الانتخابات المقبلة. فقد عاد العونيون إلى مبدأي التطوّع ومشاركة المجموعة، فأشعر ناس التيّار بأنهم معنيون بالاستحقاق. وهكذا، بدل أن يوصي مرشّحو التيار في الأشرفية على الهدايا من أحد المتاجر، طُلب من كل عائلة عونيّة أن تقدم هدية أو أكثر، فتنوّعت الهدايا وغلا ثمنها، واستطاع تيار ـــــ الدائرة الأولى في بيروت تنظيم 4 نشاطات كبيرة في العزارية، الرميل، صوفيل وكرم الزيتون. وفي هذا السياق، يؤكد المسؤول في التيار زياد عبس أن هناك دائماً، وسط العونيين، شريحة ترى أنّ ثمّة من يعطي مالاً، وثمة من يقدّم جهداً، فيما تستطيع هي المساهمة في بعض المحطات بوسائل متواضعة، مشيراً إلى أن اندفاع الناس في حالات كهذه يحبط «غول المال»، ويثبت أن «الإنسان أقوى من الآلة». وفي النتيجة، تمكّن التيّار من تجديد حضوره في دوائر، وتعريف الناس أكثر إلى مرشّحيه في دوائر أخرى.
وفي المقابل، ربما تفسّر الأيام القادمة انسحاب القوات جزئياً صوب الشمال، وعدم اندفاع الكتائب للاحتفاء بالعيد سياسياً، تاركين «الوطني الحر» يلعب وحده تقريباً في الملعب المسيحي. وهو، في هذا السياق، كان لاعباً بارعاً: أطفال كثر لم يستطيعوا في أكثر من دائرة الوصول إلى مقعد لحضور المسرحية أو إلى حضن «سانتا» لأخذ هدية.
تعليقات: