برّي يروي قصّة الانقلاب على الدوحة

الرئيس نبيه بري
الرئيس نبيه بري


برّي: قلت للحريري أنتم تلعبون لعبة خطرة وتهدّدون التوافق..

■ رئيس «المستقبل» بدّل رأيه: نريد أنطوان خير والأمر يتّصل بالمحكمة..

■ السنيورة أدخل اسم مسرّة وهل صحيح أنه لم يُطلع رفاقه على الاتفاق؟..

■ المعارضة لن تقبل بتسوية على حسابها في ملف المجلس الدستوري..

لماذا طار الاتفاق على المجلس الدستوري؟ وما الذي جعل الرئيس فؤاد السنيورة يظهر في موقع المستعد للمنازلة الكبرى؟ وما الذي بدّل موقف النائب سعد الحريري؟ وأين يقف وليد جنبلاط الآن؟ ولماذا حذّر الرئيس نبيه بري من نسف اتفاق الدوحة؟

بعد افتتاح جلسة الحوار الأخيرة في القصر الجمهوري، كان مفترضاً أن ينطلق البحث مباشرة بشأن مطالعة قائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع في الاستراتيجية الدفاعية. لكن الأخير حاول بدايةً استيضاح حقيقة النقاش بشأن المجلس الدستوري، سائلاً عمّا إذا كان هناك اتفاق قد تعرض للتعطيل، فرفع رئيس المجلس نبيه بري يده باتجاه جعجع قائلاً: نعم حصل اتفاق، ومعي أنا حصل هذا الاتفاق. وإذا أردتم مني التوسع، فأنا جاهز، ولكنني أحتاج من عشرة إلى 15 دقيقة حتى أعرض ما حصل. والتفت صوب رئيس الجمهورية الذي كان يأمل أن يؤجل البحث في الأمر إلى وقت لاحق، فما كان من النائب بطرس حرب إلا أن كرر السؤال الذي طرحه جعجع، فوجد الرئيس ميشال سليمان نفسه مضطراً لأن يعطي الكلام لرئيس المجلس الذي عاد فتحدث متوجهاً إلى فريق 14 آذار: «هل أنتم في فريق 14 آذار أم لا؟ وأنا أقول لكم: نعم، كان هناك اتفاق، وهذا الاتفاق تم معي، وبعلم رئيس الجمهورية وبمشاركة رئيس الحكومة، ولم يكن هناك تفاهم على النتيجة التي خرج بها المجلس النيابي، لأن هناك من تخلى عن التفاهم وذهب باتجاه أن يتخذ القرار المناسب له».

وعرض رئيس المجلس ما حصل منذ الاجتماع الأول حتى لحظة التصويت على الأسماء في المجلس. وعندما كان أقطاب 14 آذار يستوضحون عن موقع الاتفاق، كان يذكرهم بأن المرشحَين السني والشيعي حصلا على الأصوات نفسها، فماذا يعني هذا؟ ولماذا لم يكن هناك غيرهما؟ ثم إن التبدل حصل في اللحظات الأخيرة. ويضيف بري: «قبل الدخول إلى جلسة يوم الخميس، كنت في مكتبي أجلس مع رئيس الحكومة، وفجأة دخل عليّ النائب سعد الحريري سائلاً عن برنامج الجلسة لليوم، فرددتُ بأني سأطلب إلى الرئيس السنيورة تلاوة رده على النواب، وقد يحصل بعض النقاش معه، ثم لدينا جلسة تشريعية لإقرار عدد من القوانين الملحة، ثم بعد ذلك نعقد جلسة لانتخاب أعضاء المجلس الدستوري، ولن تكون هناك مشكلة ما دمنا قد تفاهمنا على الأمر». لكن الحريري سأله إذا كان هناك إمكان لتبديل الترتيب، لأنه مضطر للسفر، ولديه مواعيد في السعودية، فاستغرب بري الأمر، مذكراً سعد الحريري بأنه لن تكون هناك مشكلة، وإذا سافرت فإن صوتك لن يغيب ولن تتغير الأمور. ولكن الحريري سرعان ما بدد استغراب رئيس المجلس قائلاً: «لكن نحن لدينا تعديل، ونحن نريد أنطوان خير»، فوقف بري من مقعده وقال للحريري: «ولكن هناك اتفاق، وهناك أمر حاسم وهو الفيتو المشترك بيننا جميعاً على ترشيح خير أو التصويت له» ثم التفت إلى السنيورة وقال له: «ألم تُطلع الشيخ سعد على الاتفاق». لم يجب السنيورة، بل كان ينظر إلى الأسفل، فيما كان الحريري يحاول تبرير جديده أمام بري قائلاً: «إن خير كان معنا في ملف المحكمة الدولية، ونحن نحتاج إليه في هذا الأمر» فبدأ بري يعطي إشارات الغضب، وخصوصاً أنه لاحظ صمت السنيورة، وانتبه كذلك إلى أن وليد جنبلاط الذي كان قد زاره قبل ذلك لم يفاتحه في الأمر، ولم يشر إليه إطلاقاً، ليكتشف لاحقاً أن جنبلاط ليس في أجواء ما تم التفاهم عليه مع سليمان والسنيورة. وقبل أن ينتقل الجميع إلى داخل المجلس، قال بري للحريري: «هل تعلم ما الذي تفعلونه الآن؟ أنتم تخرّبون التفاهمات، وتهددون التوافق العام وتعطّلون المجلس الدستوري سلفاً، وسأكتفي بلفت انتباهك إلى هذا الأمر».

لكن بري كان يعلم أن هناك مشكلات أخرى سبقت الانقلاب على الاتفاق بشأن المجلس الدستوري. ولم يعد كثيراً إلى الوراء، إذ إن التفاهم في مكتب المجلس على الترشيحات الخاصة بالمجلس الدستوري، كان قد تمّ قبل أكثر من ثلاثة أسابيع. أثير الأمر في اجتماعات جانبية، وكان رئيس الجمهورية مهتماً بأن يتم الأمر بهدوء وضمن مناخ توافقي، وهو لذلك لم يهرب من مواجهة متطلبات ذلك في اجتماعات عقدها مع رئيسي المجلس والحكومة، قبل التفاهم على آلية كان المطلوب بتّها في هيئة مكتب مجلس النواب قبل إحالتها على الهيئة العامة. وبين عشرات المرشحين من الطوائف كافة، تم التفاهم مبدئياً من دون نقاش طويل على طارق زيادة عن السُّنة وأحمد تقي الدين عن الشيعة، وفتح النقاش حول بقية الأسماء الثلاثة من بقية الطوائف.

ومع أن التفاهم يفترض أن يكون شاملاً، إلا أن البحث أخذ في الاعتبار مجموعة من المداخلات الجديدة، بينها إبلاغ الرئيس النسيورة رئيس المجلس خلال الغداء الذي جمعهما قبل الجلسة في عين التينة أنه يريد إدخال اسم أنطوان مسرة مرشحاً إضافياً عن الكاثوليك، إضافة إلى ميشال أبو عراج، فيما كان التيار الوطني الحر قد طلب إدخال اسم صلاح مخيبر، إضافة إلى زغلول عطية. أما عن الموارنة، فإن عدد المرشحين كان قد تجاوز 37 اسماً، وبدا أن هناك صراعاً حقيقياً على الموقف، لكن ما كان قيد الاتفاق هو ما أبلغه الرئيس بري إلى أعضاء هيئة المجلس: «لا مانع من طرح أي اسم، ولكن هناك فيتو على القاضي أنطوان خير، وحسب اتفاقي مع رئيسي الجمهورية والحكومة فإن هذا الفيتو سيظل قائماً».

ويضيف بري: «كانوا يلحّون عليّ في إنجاز الاتفاق، وحتى عندما بدأنا الجلسة الأخيرة، اقترب مني النائب فريد مكاري مشدداً عليّ: ما زلنا عند اتفاقنا، ولكن يبدو أنهم لا يريدون التفاهم».

■ هل اتفاق الدوحة في خطر؟

وبري الذي لم يكن مرتاحاً إلى «الديموقراطية» المفاجئة التي حلّت على رئيس الحكومة في بداية المناقشات، سرعان ما فهم أن في الأمر مشكلة أو قطبة مخفية، لكنه احتفظ لنفسه بهواجسه، وصار يردد قائلاً: «إن بعض الظن إثم» و«سوء الظن من حسن الفطن». لكن على قاعدة خذوا أسرارهم من صغارهم، كان النائب سيرج طورسركيسيان من وفر الخدمة والجواب عندما لمّح إلى نية فريق 14 آذار طرح الثقة بوزير الطاقة الذي يبدو أنه لم يكن موفقاً في مداخلته. وفكر بري في أن من يريد إطاحة طابوريان يعني أنه يدفع وزراء تكتل الإصلاح والتغيير إلى الاستقالة، وتالياً سوف يحصد هؤلاء تضامن وزراء حركة أمل وحزب الله والحزب السوري القومي والاجتماعي والوزير طلال أرسلان، وساعتها سوف تطير الحكومة، وعندها تُحَمَّل المعارضة مسؤولية إطاحة اتفاق الدوحة، وقد يكون هناك جهوزية في الداخل والخارج لإدخال لبنان في دوامة جديدة. «ليس وقت الكلام ولا تعطيل الجلسة» قال بري لنواب من حركة أمل وحزب الله والتيار الوطني الحر كانوا يطالبون بمنحهم فرصة الكلام للرد على السنيورة، البعض منهم أدرك أن رئيس المجلس يتوجس شراً بما يقوم به السنيورة، لكن رئيس المجلس «كان قد تيقن» بوجود محاولة مدروسة لإطاحة اتفاق الدوحة.

■ ولكن كيف ستجري متابعة ملف الدستوري؟

أمس، وصل وزير الدولة جو تقلا إلى عين التينة، سائلاً رئيس المجلس عن أمور عدة، ثم أشار إلى أنه يعمل على استكمال تأليف المجلس الدستوري. لكن رئيس المجلس فاجأه بدعوته إلى أن يبحث الأمر مع الجهات التي خرّبت الاتفاق السابق، وهو لن يدخل في اتفاق من جديد. لكن وزير الدولة الذي قصد الرئيس فؤاد السنيورة للأمر ذاته، كان قد وعد الرئيس ميشال سليمان بأنه سيعمل على إعداد قائمة توافقية من الأسماء كي تعرض على مجلس الوزراء بقصد أن تفوز بالتزكية.

رئيس الجمهورية يبدو مهتماً بأن ينجز الأمر على هذه الصورة، وفريق 14 آذار لا يمانع، شرط أن يحصل على حصته من المقاعد الخمسة. وهو أمر إذا حصل فلن يناسب قوى المعارضة التي تبدو مستعدة لأن تبقى البلاد من دون مجلس دستوري على أن تتركه بيد قوى 14 أذار، فضلاً عن أن المعارضة ترى أن الآخرين أخلّوا بتفاهمات واتفاقات كانت قد رُتِّبت مع الرئيس بري على عجل، وتمّ التخلي عنها في اللحظة الأخيرة.

■ حبال السنيورة القصيرة؟

يعود رئيس المجلس قليلاً إلى الخلف، وهو يحاول استجماع صورة الموقف في ضوء ما يقوم به رئيس الحكومة هذه الفترة، من ملف العلاقة بين المجلس والحكومة، إلى العلاقات داخل الحكومة نفسها، إلى ملف التعويضات والأموال السعودية، ويقول: «كان عندي السفير السعودي، وقلت له نحن نهتم بالنتائج، ولا نريد خلق مشكلة مع أحد، وأنا كما إخواني في قيادة حزب الله، نواجه الضغط اليومي من الأهالي الذين لم يحصلوا بعد على تعويضاتهم، وهم يحمّلون الجميع المسؤولية، وفي الوقت نفسه لم نسمح لأي قيادي أو مسؤول من عندنا ولا حتى من عند التيار الوطني الحر ينتقد السعودية أو يهاجمها أو يحمّلها المسؤولية، ولكن هناك مسؤولية تقع على عاتق المملكة في ملاحقة هذا الأمر».

لم يكن السفير السعودي مسروراً بالجدل القائم، وهو قال صراحة إن هناك أسئلة وقلة رضىً في المملكة عمّا يجري. ويبدو أن ما قام به السنيورة لم يكن أحد في أجوائه. ويضيف بري: «حتى النائب الحريري قال وأقسم إنه لا يعلم أي شيء عن الأمر، ولا عن استخدام السنيورة أموال التعويضات في أمور أخرى». ومع ذلك، فإن رئيس الحكومة «لا يريد تسوية الأمر بطريقة منطقية، ولسنا نحن من يتحمل مسؤولية الخطأ الذي ارتكبه، وعليه هو أن يأتي بالأموال لكي تُدفع إلى المتضررين، ولو اضطر إلى طبع مليارات الليرات اللبنانية». ولكن ما الذي يفعله هذا الفريق؟ يحاول بري عدم الذهاب بعيداً في التقديرات «ليس لدي شعور بأنهم لا يريدون الانتخابات، وهم أصلاً بدأوا حملتهم مبكراً، والإنفاق كبير وغير متوقف، ولدينا في الجنوب من يوهم الآخرين بقدرته على قلب الطاولة، وقد وصله حتى الآن 24 مليون دولار وقالوا إنها دفعة على الحساب من أجل جذب ناخبين شيعة، وعندما يجهزون سوف ينظمون لهم احتفالاً ضخماً في بيروت يجمعون فيه مواطنين من الجنوب والبقاع وجبيل، ثم يطلقون حملة دعائية تقول إن هناك قسماً كبيراً من الشيعة لا يريد أمل ولا حزب الله».

الأكثرية تخاطب عون وسليمان

قالت مصادر في الاكثرية إن ما قصدته بطريقة انتخاب المجلس الدستوري هو القول بأن الحوار مع العماد ميشال عون مستبعد لأجَل غير مسمّى، وخاصةً أنّ المعركة الانتخابية الأساسية للأكثرية تجري مع في ملعب عون. وضرب «الجنرال» في المجلس الدستوري، نقطة من مجموعة نقاط تسعى 14 آذار إلى إظهارها والاستفادة منها قبيل الانتخابات.

كذلك فإن على الرئيس ميشال سليمان «أن يدرك أن موقع الوسطية لا يتحقق على حساب الأكثرية. وبعيداً عن التمثيل المسيحي، 14 آذار هي الأكثر تمثيلاً ولها الحق في فرض أي قرار نيابي تراه مناسباً».

جنبلاط: ...على حساب عون

نصح النائب وليد جنبلاط قيادات في فريق 14 آذار بالإسراع الى عقد تسوية مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان في ما خص ملف المجلس الدستوري وذلك من خلال منحه ما يريد من الأعضاء المسيحيين، لأن ذلك يفيد في ترضيته فيما يكون ما ناله قد أخذ من الحصة المفترضة للعماد ميشال عون.

تعليقات: