التيار الأسعدي يسعى إلى إعادة تركيز حضوره على الساحة السياسية الجنوبية

أحمد الأسعد
أحمد الأسعد


بعد اتفاق الطائف، تغيرت ملامح الحياة السياسية في لبنان. وعلى المستوى الشيعي ظهرت حركة "امل" كممثل شبه وحيد للطائفة. لكن "حزب الله" الذي كان متفرغاً للمقاومة في الجنوب فرض نفسه كشريك لـ"امل"، وخصوصاً في الإنتخابات النيابية الأولى التي شهدها لبنان بعد الحرب في العام 1992. واحجم الحزب عن الدخول الى السلطة التنفيذية حتى العام 2005، اي بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وتشكّل ما عرف بالحلف الرباعي الذي ضمه و"امل"، و"تيار المستقبل" والحزب التقدمي الإشتراكي.

منذ العام 1992 بدأ نجم التيار الأسعدي بالأفول، وبدا ذلك من خلال نتائج الإنتخابات النيابية في الأعوام 1992 و1996 و2000.

لكن هذا المشهد لا يعني البتة ان مناصري التيار الأسعدي رفعوا راياتهم البيض واعتزلوا العمل السياسي. لكن عدوان تموز 2006 وتداعيات الفرز الحاد في لبنان بين فريقي 14 آذار و8 آذار دفعت غالبية الجمهور الشيعي الى الإصطفاف خلف "حزب الله" بالدرجة الأولى، و"امل" ثانياً. ولعل الإنتخابات المقبلة ستظهر مدى سيطرة الثنائي الشيعي على مفاصل الحياة السياسية والإجتماعية والإقتصادية في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت.

ويردد بعض الجنوبيين عبارة متوارثة عن اجدادهم ان الرئيس الأسبق لمجلس النواب الراحل احمد بك الأسعد قال انه لا لزوم لبناء مدارس في الجنوب، لأن ابنه كامل يتعلم:

وبغض النظر عن صحة ما يردده الجنوبيون، الا ان مؤيدي التيار الأسعدي، الذي مثّل الشيعة في السلطة منذ اكثر من نصف قرن، شكلوا تياراً متجذراً في الجنوب وخصوصاً في جبل عامل.

وبعد وفاة احمد الأسعد انتخب نجله كامل نائباً ثم رئيساً لمجلس النواب، ومكث في سدة الرئاسة زهاء 18 عاماً ليكون الرجل الشيعي الأول في الدولة، والذي استطاع الحفاظ على منصبه لأطول فترة. وفي المناسبة يردد بعض المقربين من الرئيس نبيه بري ان الأخير ينوي تحطيم الرقم القياسي المسجل باسم الأسعد في رئاسة البرلمان.

في القرى الجنوبية وقبل الإجتياح الإسرائيلي عام 1982 كان جمهور الأسعد يتمتع بحضور لافت في بنت جبيل وعيترون وصريفا وشمع والجميجمة... الخ وغيرها من القرى الجنوبية، وكانت كتلة الأسعد من الكتل الأساسية في البرلمان ومن ابرز وجوهها عدا عن الرئيس الأسعد، منيف الخطيب، وانور الصباح و... الخ.

وبعد العام 1992 لم يستطع الأسعد اختراق لائحة الثنائي امل – حزب الله في الإنتخابات النيابية في الأعوام 1992 و1996 و2000 و2005. وحاز الأسعد زهاء 40 الف صوت في العام 2000 وانسحب من المعركة الإنتخابية عام 2005، فيما استمر نجله احمد الأسعد رئيس تيار "الانتماء اللبناني" في المعركة، ولم يحصل الا على زهاء 9000 صوت من اصل زهاء 200 الف ناخب مسجلين في دائرة الجنوب الثانية.

تيار الإنتماء اللبناني

خاض احمد الأسعد الابن غمار السياسة متكئاً على ارث والده وجده، لكنه افترق عن والده عام 2005، واسس تيار "لبنان الكفاءات" ثم "تيار الإنتماء اللبناني". وفي الآونة الأخيرة بدأ تنظيم صفوف تياره في الجنوب، محاولاً استقطاب المستقلين الشيعة من خارج جمهور "حزب الله" و"امل" واليسار.

حركة الأسعد اثارت ريبة الثنائي الشيعي. ولوحظ ان مسلسل التضييق على نشاط الأسعديين بدأ بالتصاعد من خلال الإعتداءات المتكررة على كوادر تيار "الإنتماء اللبناني"، عدا عن احراق سياراتهم في بلدات عدة مثل الخيام والسلطانية وكذلك في صور.

أبرز العائلات "الأسعدية"

عرف الجنوب في فترة ما بعد الإستقلال سطوع نجم العائلات الإقطاعية، وابرزها الزين والخليل وعسيران والأسعد بطبيعة الحال، وتقاسمت هذه العائلات المواقع الشيعية في السلطة ومنها كان الأسعديون يختارون نواب الجنوب. لكن هذا لا ينفي البتة ان نواباً من خارج هذه العائلات وصلوا الى البرلمان. ومنهم على سبيل الذكر لا الحصر نواب من عائلة بيضون في بنت جبيل، وفواز في تبنين، والصباح في النبطية وصفي الدين في شمع... الخ.

هذه العائلات كانت حتى الأمس القريب تدين بالولاء للتيار الأسعدي. لكن الحركات اليسارية وفي الستينات والسبعينات من القرن الفائت كانت تشكل الخصم السياسي الوحيد للتيار الأسعدي. الى ان نشأت حركة "امل" في العام 1974 ومن ثم "حزب الله" في العام 1982، مما اضعف النفوذ الأسعدي في الجنوب وجعله من العائلات الإقطاعية رافداً اساسياً للرافدين الشيعيين الأساسيين. فحركة "امل" استقطبت عائلات الزين وعسيران، فيما اعتمد "حزب الله" على خطابه الديني للفوز بولاء العوائل التي تتحدر من السلالة النبوية او ما يعرف عند الشيعة بـ "السادة" ومن هذه العائلات صفي الدين، وفضل الله ونصر الله وفحص وابرهيم... الخ. من جهة اخرى اتكأ الثنائي الشيعي على تداعيات اتفاق 17 ايار 1983 (الذي اقره مجلس النواب برئاسة كامل الأسعد)، لمحاربة النفوذ الأسعدي في الجنوب ونجح الطرفان في تحجيم نفوذ الأسعديين في الجنوب، وتولت حركة "امل" محاربة الأسعديين في الإدارات العامة، اما عبر اخضاعهم لنفوذها او اقالتهم من المؤسسات العامة التي اضحت تحت سيطرتها.

لكن هذا الواقع لا يعني ان بعض العائلات الجنوبية لا تزال ترى في التيار الأسعدي خشبة خلاص من حكم الثنائي الشيعي كعائلات عباس ومراد في عيترون، وحمزة في الجميجمة وفواز في تبنين وعيد في صريفا، وبيضون في بنت جبيل... الخ.

الأسعد: لسنا تياراً أسعدياً

يرفض الاسعد تسمية تياره بالاسعدي لان حركته السياسية اوسع من الانتماء التاريخي – العاطفي ويشرح "لدينا مشروع سياسي بامتياز لإعادة الشيعة الى جذورهم اللبنانية، ومصلحتنا بناء الدولة اللبنانية وليس لدينا اي مصلحة في الإرتباط بالمشاريع الخارجية وخصوصاً الايرانية، عدا انه على الصعيد الداخلي فان المشاكل التي يعانيها اللبنانيون كثيرة منها البطالة، والفقر مما يفتح الباب للهجرة، والسبب يكمن في عدم الاستقرار الداخلي، الامر الذي ينعكس سلباً على الاستثمارات والاهم من ذلك تقويض الدولة المركزية، وعندما تصبح هناك دولة تملك قرار الحرب والسلم يتشجع اصحاب الرساميل ويشرعون في الإستثمار وبالتالي يصبح هناك حركة (...)".

اما عن الانتخابات النيابية في ربيع العام 2009 فيوضح: "الإنتخابات هي محطة في مشروعنا وستظهر الإنتخابات ان الشيعة في لبنان هم لبنانيون، ولكن ثمة ظروف صعبة تظهر الشيعة وكأن انتماءهم غير لبناني". ويصف الاسعد "حزب الله" بالحركة البعيدة عن الإسلام لأن "ما نشهده اليوم باسم الإسلام والتشييع هو بعيد جداً عن التشييع، وايران ساهمت في تحوير الثقافة الشيعية اليوم". ويرى انه ليس هناك دور لسلاح "حزب الله" في الدفاع عن لبنان لان الامر يجب ان يكون من مسؤولية الدولة، والإسرائيلي يستغل وجود السلاح مع "حزب الله" كذريعة ليقول امام المجتمع الغربي اننا محاصرون عبر جماعات تريد ان ترمينا في البحر او تحرقنا كما فعل هتلر. وفي المحصلة تبتز اسرائيل المجتمع العربي".

ويضيف الاسعد: "نحن شيعة لبنان ليس قدرنا ان نبقى نموت ونحمل القضية على اكتافنا. وآن الأوان ان يرتاح الشيعي مثل السوري والإيراني. لكن للأسف هذه الشريحة لا تعبر عن رأيها بوضوح بسبب الضغوط".

ويرفض الاسعد معادلة تقديم الخدمات مقابل الانتخابات لان "التيار" صاحب مشروع يعبر عن تطلعات الناس حتى تصل الى مرحلة فيها استقرار وطمأنينة. ويختم: "كلما شعر الشيعة ان هناك مشروع بديل كلما ازداد التفاعل مع مشروعنا. وسيكون لدينا مرشحون في الجنوب والبقاع وجبيل في اغلبية المناطق ذات الغالبية الشيعية".

اما عن تحالفه مع قوى 14 آذار فيوضح "نحن لسنا في حركة 14 آذار، ونحن نتفاهم مع 14 آذار ولدينا ملاحظات عدة على ممارساتها في التصدي للمشروع الإيراني. وليس لدينا اي مشكلة مع اي طرف يكون واضحاً بطروحاته، ولسنا على استعداد لتحالفات آنية، لكن نبحث عن تحالفات تشارك معنا في الرؤية. وليس لدينا مشكلة في التسمية. الأسعديون هم جزء من "الإنتماء اللبناني"، وليس الأمر رهن علاقة عاطفية تاريخية لا بل هناك تفاعل مع عدد من كوادر "امل"، ومشروع الإمام موسى الصدر بناء الدولة اللبنانية. فنحن نمثل التشيع العلوي واهل البيت والامام موسى الصدر جاء بمشروع الدولة ولن يصون الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله هذه الدولة، وليس لدي مشكلة ان تكون هناك مناظرة مع السيد نصر الله لنضع النقاط على الحروف حول مصلحة الشيعة في لبنان".

تعليقات: