يحزّ في قلبي أنها المرة الأخيرة التي أستخدم فيها لفظة «أمتي»، مع ياء المتكلم...
مع ولادة العام الجديد، بينما كنّا نتهيّأ للفرح وللاحتفال، فوجئنا بنبأ ينعى أمتنا. رحلت ولا يزال الحلم مشروعاً. رحلت من دون وداع أبنائها، من دون وداعنا.
لم يكن موتها مشرّفاً. لم تستشهد أمتي. لم تسلم الروح بعد معاناة مع المرض الخبيث...
لم تقتل غدراً ولم... انتحرت أمتنا. انتحرت انتحار اليائسين المتخلّين عن الله والمتخلّي عنهم. لم توصنا بصلة الرحم ولا بالدم الواحد الذي يجمعنا. اختارت قدرها بنفسها واختارت قدرنا بنفسها. قدرها الرحيل بدون عزّة، وقدرنا البقاء في أرض الشتات. لم توصني بأخي ولم توصه بي... رحلت مستعجلة والحلم بقي مشروعاً.
رحلت حين لم يعد صهيون عدوّها، ولا بلفور بمشروعه قاهرها. شعرت بالخزي. أبنائي يتقاتلون ويُقتلون، وصهيون ينظر، يراقب، يضحك، تنفرج أساريره وينتشي بالانتصار... أما أمتي فتتحسّر وتنكسر. إلى أمتي، الوداع. إلى ابن أمتي، لا تتخلَ عن الحلم حتى لو لم نعد إخوة. حتى لو لم يجمعنا دم واحد. تذكّر أن حلماً جمعنا يوماً. إلى صهيون، هلّل وافرح. لقد كنت يوماً في أرض الشتات واليوم تنعم بأرضنا وخيرات أرضنا التي لم نبعها لقاء ثمن، بل وهبناك إياها وهباً. اشمتْ، افرحْ وارقصْ على قبر أمتنا. وداعاً أمة أحبّها الله لدرجة أنه أرسل كتابه بلغتها. نسيت الكتاب ونسيت اللغة، وحين انتحرت، فإنها حتماً قد نسيت الله.
تعليقات: