إحياء للذكرى 72 لرحيله ستتم إزاحة الستارة باحتفال تكريمي
حسن كامل الصبّاح ينتصب تمثالاً برونزياً عند مدخل مدينته النبطية
الفنان شربل فارس أنجزه بتمويل من عصام أبو درويش
النبطية - "اللــــواء": وأخيراً تحقق حلم أبناء النبطية بنصب برونزي لإبن المدينة العالم المخترع حسن كامل الصبّاح، ليكون هامة تنتصب على مدخل المدينة الشمالي تنحني أمامها الأجيال الصاعدة، وتتلمس ذات الخطى ليبقى الصبّاح منارة علم للحالمين بغدٍ مشرق لوطن آت لا محال، من بين الأهوال والمحن، كما قام من بين العدوان الإسرائيلي الغاشم، واعاد ترميم الذات، وما زال يواصل عبوره إلى المستقبل•••
هو الصبّاح يعود ليتجدد، ويتخلد وحقه على الوطن الذي لم يُصدر طابعاً بريدياً يحمل اسمه، وهو العالم النابغة وذو الصيت العالمي، لكنه لم يُكرم في وطنه بما يليق بعلمه واختراعاته، وهو الذي حمل اسم لبنان واعتز بانتمائه إلى أرز الوطن••
تستعد مدينة النبطية في الذكرى الـ 72 لرحيل العالم المخترع الصبّاح (1 نيسان 1935) لازاحة الستار عن تمثاله البرونزي، الذي أنجزه الفنان والنحات شربل فارس، بعدما امتدت يد العطاء من رجل الخير رئيس "تجمع لبنان الواحد - الكيان" عصام أبو درويش الذي قام بتغطية كامل تكاليف المشروع، في بادرة طيبة أصلها ثابت في الأرض وفرعها في السماء•
وأنهت بلدية النبطية اعداد قاعدة النصب، التي ستحمل اسم الصبّاح مع ذكر تاريخ ولادته ووفاته وبعض أعماله، واسم الفنان فارس، وممول المشروع أبو درويش، على أن يقام التمثال على المدخل الشمالي للمدينة قرب نصب يحمل صورة الصبّاح بكوفيته العربية، وذلك في جزيرة وسطية، يتوسطها التمثال، ويعتلي الشارع العام محاطاً بخط دفاع حديدي، يمنع عنه الصدمات وحوادث السير وعوامل المفاجآت•
"لـــواء صيدا والجنوب" يسلط الضوء على ما وصلت إليه أعمال الفنان والنحات شربل فارس لإقامة تمثال الصبّاح في أجواء الذكرى السنوية لوفاته •• كما يلتقي أمين سر "لجنة الصبّاح الوطنية" الدكتور كمال وهبي، حيث من المقرر أن يرفع التمثال في احتفال جماهيري حاشد•
تنتصب قامة العالم المخترع حسن كامل الصبّاح للمرة الأولى منذ رحيله في الأول من نيسان 1935، على الربوة الشمالية لعاصمة جبل عامل ومسقط رأسه مدينة النبطية، فيعود بملامحه الراسخة عظيمة في أذهان أهله وأبناء مدينته لتستقبل الوافدين إلى النبطية، بدءاً من الشارع الذي يحمل اسمه من مربع يتفرع نحو الساحة العامة، أو بإتجاه حي البياض أو شمالي المدينة، حاملاً بيمناه كراسه الذي نهل من مفرداته أحرف اللغة العربية، وتمكن منها، وقواعد الرياضيات ومسائل العلوم والفنون الهندسية، التي أهلته ليلج عالم الإختراع والإبداع•
وهبي الدكتور كمال وهبي قال: يعود جسد الصبّاح أربعيني السنوات التي قضاها قبل أن يتجاوزها بنصب برونزي أنجز تلاوينه الفنان والنحات شربل فارس، في الذكرى 112 لولادة الصبّاح، فينتصب عند المدخل الرئيسي الشمالي لمدينة النبطية، مدينة العلم والعراقة، بديلاً عن صورته المرسومة بالكوفية العربية، وعقالها بطلعته الحقيقة، المستمدة من صورته الأخيرة في النعش القادم من نيويورك، ليسكن في قلب المدينة وفي ذاكرة أبنائها وأجيالهم جيلاً بعد جيل•
وأضاف: لم يكن قرار النصب التذكاري للصباح حديث التصميم، فهو يعود لسنوات أبو درويش، وذلك بعدما أنجز فارس تمثال الشهيد الدكتور حكمت الأمين في "مستشفى النجدة الشعبية" في النبطية، ولرغبة تراود الفنان فارس منذ ريعانه وبداياته أن يُطلق نصباً للمخترع الصبّاح•
وختم وهبي بالقول: من هنا كانت حبكة الفنان فارس في توفيق متقن بين حجم التمثال، الذي كان يتمناه مضاعفاً طولاً وحجماً، فاستقر به على نحو مترين وعشرة سنتيمترات، مع انحراف جانبي للنصب الواقف يمنع استقامة زاوية الرؤية للقادم نحو النبطية، واستدارة الظهر عرقياً للخارج منها•
فارس
الفنان شربل فارس، قال: بعد تنفيذ الماكيت، اشتغلت على المنظور، فوجدت أن 170 سم أو أكثر لن تكون بعيدة، تخللتها تجربة أولى باءت بالفشل، بعدما جاء التمثال الذي أعده أحد الفنانين سابقاً مغايراً لملامح الصبّاح، فضاعت المبالغ التي صُرفت على ذلك هباءً، سبق ذلك اطلاق مشروع أكبر من التمثال فوضع شربل فارس بين العامين 1992 - 1993 عملاً ذا طابع متميز بناء لطلب "لجنة الصبّاح الوطنية"، تتداخل فيه عوامل التمثال، والكهرباء والإختراعات والبث التلفزيوني، غير انه سرعان ما طُويت ملفاته أمانة ثم عهدت "لجنة الصبّاح" إلى الفنان فارس النصب لموهبته والهامه وتجربته بعد استقامة الأمور، وتوافر المبالغ المطلوبة من السيد عصام كافية لإبراز النصب على صعيد المنظور، من هنا رفعته ليصل إلى مترين وعشرة سنتيمترات أما وقوفه ففيه نوع من التوازن بين اليد التي تلتقط وسط فتحة سترته، والأخرى اليمنى التي يحمل فيها كتابه أو كراسته، ويشير هذا الوقوف إلى تأهب نحو تقدم أو انطلاق يقف من دون استكانة، متأهباً للمسير، يبتسم متواضعاً، وبدلت قليلاً في تفاصيل الشعر، أما الرأس فجعلته أكبر من الشكل الطبيعي لسبب بسيط، لأنه بإرتفاع التمثال على قاعدة تخفف من رؤية منظور الرأس، لكن بما آل إليه سيبدو متناسقاً وطبيعياً•
وهذا المشروع هو مشروع ثقافي علمي، ولكنه ليس مشروعي انماء مشروع النبطية والجنوب لعظيم يجب أن يقف عند مدخل النبطية•
الصبّاح سيرة ومصير
ولد حسن كامل الصبّاح في مدينة النبطية في 16 آب 1895 من أب تاجر هو الحاج علي الصبّاح ومن أم مثقفة أديبة هي الحاجة آمنة رضا وبعد دراسته في النبطية والثانوية في الإعدادية السلطانية في بيروت كان خلالها متفوقاً بين اقرانه وفي العام 1914 التحق بالكلية السورية الإنجيلية والجامعة الأميركية في بيروت وقد تمكن من اللغتين الفرنسية والانكليزية قبل ان يدعى إلى الجندية بعد انطلاقة شرارة الحرب العالمية الأولى•
فأُلحق بمفرزة التلغراف اللاسلكي في غاليبولي تركيا (في 21 شباط 1916 ليعين قائداً لها برتبة ملازم أول في 19 آب 1916) •
بعد انتهاء الحرب عين مدرساً رسمياً للرياضيات في المدرسة السلطانية في دمشق في الأول من نيسان 1919 وانتقل في تشرين الأول من العام التالي إلى بيروت ليعين مدرساً للرياضيات في الصفوف الثانوية التابعة للجامعة الأميركية وسافر في آب العام التالي إلى الولايات المتحدة الأميركية ليلتحق بمعهد ماساشوستس الفني لدراسة الهندسة الكهربائية، انتقل بعدها إلى جامعة ايلينيوس (أوريانا) لتخرج منها عام 1923 برتبة مهندس كهربائي ممتاز، والتحق في "شركة جنرال الكتريك" في سكنكتيدي (نيويورك) كمهندس في قسم الأنابيب المفرغة في مختبر البحوث الهندسية في يوم الإثنين 20 آب 1923، بعد ان وقع تعهداً بأن تكون جميع اختراعاته ملكاً للشركة، وأن تكون الشركة المنتفعة الوحيدة من عائداتها على أن تمنحه بالمقابل مكافأة رمزية مقدارها دولاراً أميركياً واحداً عن كل اختراع•
انصرف حسن كامل الصبّاح إلى البحوث والدراسات الرياضية والكهربائية والإلكترونية، خصوصاً في ميدان تقويم التيار الكهربائي وتحويله وانعكاسه وتعديله وتوزيعه، سجلت له مكاتب تسجيل الإختراعات في واشنطن وأوتاواه حتى تاريخ وفاته 1935، نحو ثمانين اختراعاً في حقول الهندسة الكهربائية والالكترونيات، من بينها أجهزة مختلفة للتلفزة وبطارية شمسية لتحويل نور الشمس إلى طاقة كهربائية•
يعتبر الصبّاح من رواد وبناة علوم الالكترونيات الحديثة وفيزياء الحالة الصلبة وانصاف الموصلات، وكان للنظرية العامة التي وضعها عام 1931 حول التحويل الكهربائي، نتائجها الباهرة في التقنية الكهربائية والالكترونية، خلال الحرب العالمية الثانية، حيث قطفت التقنية الأميركية ثمار اختراعات الصبّاح وأفكاره•
وقد نشر العديد من الأبحاث المستحقة في دورية "جنرال الكتريك" العلمية، هي في صميم آخر ما وصل إليه التطور العلمي في زمانه، وأجرى بحوثاً واسعة، واهتم بشكل خاص بموضوع "المحولات الساكنة المتعددة الطبقات والأطوار ومثل شركته في المؤتمر الكهربائي العالمي المنعقد في باريس عام 1932، لينتقي فيه دراسة حول تأثير المدارات الكهربائية على الأقواس المحنكة في مقومات القوس الزئبقي انتخب عضواً في معهد الهندسين الكهربائيين والالكترونيين عام 1934 •
رحل الصبّاح بحادث تدهور سيارته على طريق سكنكتيدي - مالون إلى ولاية نيويورك، بعد ظهر يوم الأحد بتاريخ 31 آذار 1935، بتوقيت نيويورك، المصادف أول نيسان بتوقيت بيروت، قبل 24 ساعة من الموعد الذي حدد للسفر إلى المملكة العربية السعودية، لتمرية بطاريته الشمسة في صحراء الربع الخالي•
نقل جثمانه من مرفأ نيويورك في 8 أيار على متن الباخرة اليونانية "بيرون" ووصل إلى مرفأ بيروت ظهر الثلاثاء في 28 أيار، ونقل إلى النبطية باحتفال رسمي وشعبي ثم ووري نهار السبت في الأول من حزيران 1935 •
وقد وصف مدير شركة جنرال الكتريك السيد ج•غ• مارس نبوغ الصبّاح في رسالة موجهة إلى والد الصبّاح يقول فيها: ان ولدكم كان يزداد شهرة كمفكر لامع في حل المعضلات الهندسية والرياضية، وان تقدمه السريع كان يبشر بمستقبل باهر• وقد برهن ولدكم اثناء عمله في شركتنا على أنه من أعظم المفكرين الرياضيين في البلاد الأميركية، وان فاته تعد خسارة كبرى لعالم الاختراع"•
لقد كان عالماً ومخترعاً وفيلسوفاً وشاعراً، ما جعله يضيء الكون بشعلته، أوائل القرن العشرين، وكان سبباً في تطور علي باهر في العالم••
تعليقات: