سهل الميذنة: الإسمنت يجتاح الطبيعة
خلع سهل «الميذنة» حلّته الخضراء المعتادة، ليرتدي حلّة من الباطون مع زحف العمران الذي يخفي هويته الزراعية المتوارثة أباً عن جدّ، وتهدد مزروعاته الذائعة الصيت
يتوسط سهل الميدنة أقضية النبطية ومرجعيون وجزين، وبعد معاناته أكثر من خمسة عشر عاماً من الاحتلال الإسرائيلي، عاد إلى حضن أصحابه من أبناء كفررمان والجرمق، لكن مرتدّاً عن الزراعات الموسمية المختلفة ومتجهاً نحو الأبنية السكنية والترفيهية والسياحية. وكانت نسبة الاستثمار في سهل الميذنة، نحو أربعين في المئة، ولكن بعد انقضاء سنتين على تحرير الجنوب، صنّفت دراسة المخطط التوجيهي السهل منطقة (AG) وخفّضت نسبة الاستثمار فيه الى خمسة في المئة، على أن لا يتعدى ارتفاع المبنى أربعة أمتار ونصف المتر. هذه الدراسة التي أُعدت لحماية السهل والمحافظة عليه كمنطقة مصنّفة زراعية، خرقتها بلدية كفررمان بمساعدة بعض القوى «النافذة»، مسوغة ذلك بأن المخطط التوجيهي لم يكن واقعياً، وأنها تسعى لأن يكون السهل منطقة سياحية.
خرق المخطط التوجيهي
وعلى الرغم من المخطط التوجيهي، شيّد في السهل أكثر من ثلاثين وحدة عمرانية، مختلفة الاتساع والارتفاع، واحدة منها حصلت على رخصة عمرانية قبل تضييق مساحة الاستثمار، وما بقي حصل على تصاريح من بلدية كفررمان، مدعوماً في مجمله من قوى «نافذة»، وذلك بحسب مصدر في نقابة المهندسين.
ويلفت المصدر إلى أن «لا سلطة للنقابة على السهل أو صلاحية تمنع عشوائية البناء، لكن يجب أن يلتزم الناس والبلديات المخططَ التوجيهيَّ المعدَّ للمنطقة الذي يراعي خصوصيتها البيئية والزراعية، إذ إن السهل يعوم على بركة من المياه، ومياهه الجوفية متوافرة على عمق متر أو مترين من سطح الأرض».
ويعزو رئيس بلدية كفررمان سطام أبو زيد انتشار الأبنية العمرانية في سهل الميذنة إلى «ارتفاع الكلفة الزراعية في السهل نسبة الى حجم الإنتاج والتصريف، بسبب غياب التوجيه الزراعي وإهمال السهل من قبل الدولة ووزاراتها». ويرى أنه بات من الضروري «أن يتحول السهل المميز بثروته المائية إلى منطقة سياحية، وخصوصاً أن 4 متنزّهات «جرّبت حظها في السهل» ونجحت في تجربتها. وإذا توسعت المشاريع هذه ضمن القوانين المرعية الإجراء يمكن أن نتوصل إلى سياحة مستدامة».
«العشوائية ممنوعة»!
ويشير أبو زيد إلى أن «القانون العام يسمح بالبناء، إذ إنّ المخطط التوجيهي الذي قلّص نسبة الاستثمار في السهل، أُعدّ داخل المكاتب ولم يراعِ الواقع على الأرض. والبناء في السهل يراعي نوعاً ما المخطط التوجيهي وإمكانات الناس على حدّ سواء. فبلدة كفررمان عانت كثيراً الاحتلال الإسرائيلي، الأمر الذي أدى إلى تضييق مساحة انتشار البناء. لذلك قمنا بتوسيع الطرق نحو الشرق حيث السهل، ما ساعد الناس على الانتشار العمراني، وخفف من الكتل الإسمنتية في وسط البلدة».
ويشير إلى أن «العشوائية ممنوعة، وقد أعددنا نموذجاً للبناء في السهل، وربما إمكانات الناس لم تساعد على التزامه، لكننا نحاول ضبط الأمور بانتظار اكتمال صيغة المخطط التوجيهي، ونحن نعمل على أن يكون السهل تراثياً وزراعياً، وجاذباً للمواطنين».
4 آلاف دونم
هي مساحة سهل «الميذنة» الذي يعتبر الشريان الحيوي والاقتصادي لمنطقة كفررمان، وهو غني بينابيعه وأهمها نبع الميذنة المتدفق بغزارة طوال أيام السنة، وعين الحمّى، ونبع شقحة الموسمي. ويمتلك أبناء البلدة معظم حقول السهل. وكان قسم من أراضي السهل يتميز بزراعة الحمضيات التي جرفتها قوات الاحتلال الإسرائيلي ولم تُبقِ على شجرة واحدة.
ويستغرب أحد المالكين للأراضي الزراعية في سهل الميذنة «كيف توافق بلدية كفررمان وفاعليات البلدة على تشييد أبنية عشوائية في السهل، إضافة الى مشاريع سياحية ستلقي بمعظم نفاياتها في باطن الأرض، ما ينعكس سلباً على المياه العذبة الجوفية التي يستخدمها المزارعون في الريّ والشرب».
تعليقات: