لا ينفع التكتّم
المعالجة ممكنة شرط الاعتراف بالواقع واستشارة مختص..
رغم مرور الأيام وتطور الأبحاث والدراسات وانفتاح المجتمعات، يبقى العجز الجنسي من المشاكل الصحية التي تعتبر من المحرمات في المجتمعات العربية. لكن كثرة الحالات التي تشهدها العيادات الذكورية في العالم، ولا سيما المتعلقة بالرجال الذين تخطوا سن الأربعين، تدفع حالياً بالأطباء لاجراء المزيد من الأبحاث لتوفير الاجابات لعدد من الأسئلة الغامضة.
ان "هاجس" الضعف الجنسي والقوة الجنسية، قديم في تاريخ البشرية. وهناك عشرات الحلول التي فكر فيها الانسان وابتكرها منذ القدم لتحسين أدائه الجنسي وتأكيد قوته، ومنها تناول أعشاب خاصة أو طعام معين أو القيام بأشكال من الطقوس والرقصات واستعمال جلود بعض الحيوانات أو أجزاء منها، وغير ذلك... أما في الطبّ الحديث فهناك عدد من العلاجات أو الأدوية أو العمليات الجراحية التي تساهم في اعادة الوظيفة الجنسية المضطربة الى طبيعتها، أو تساعدها في ذلك. كما تمّ اكتشاف عدد من الأدوية المنوّعة والتي تختلف في فعاليتها وكيفية استخدامها والحالات التي توصف لها.
ورغم ذلك نجد أن التكتمّ لا يزال سائداً في مجتمعاتنا المحلية خوفاً على "الذكورة"، ولا يتوانى الرجل احياناً في القاء اللوم على الزوجة لتبرير الضعف الموقت الذي يعانيه، مفضلاً عدم مواجهة المشكلة واستشارة طبيب مختصّ، ما يجعل الاحصاءات والدراسات أمراً صعباً لتحديد النسب المصابة والأمراض العضوية أو النفسية التي أدّت اليها ما يسبب في زيادة الحالة سوءاً وتدهوراً.
عجز أم ضعف؟
يصاب عدد كبير من الرجال بالعجز الجنسي في سنّ معيّنة، وينتشر هذا العجز بصورة كبيرة تصل الى حوالى 50 في المئة بين الذكور الذين تراوح أعمارهم بين 40 و 70 سنة. ويشير الأطباء الى أن الاصابة تشمل 150 مليون رجل عالمياً، والمتوقع أن ترتفع النسبة الى حوالى 320 مليون رجل عام 2025. وهذه الاحصاءات هي دليل على أن هذا المرض استحوذ على شريحة كبيرة من المجتمع، ولا بدّ من الخروج عن الصمت واعتبار الضعف الجنسي مرضاً كأي مرض آخر، والتحدّث عنه بكل شفافية ووضوح لتسهيل عملية ايجاد عقاقير تساعد على الشفاء. لأن تشخيص العجز الجنسي باكراً ومعالجته لا يساعدان على استعادة الطاقة الجنسية فحسب، بل قد يقيان من الاصابة ببعض الأمراض القلبية والوعائية الخطيرة، اذا ما شخصت في أوائل مراحلها. ولهذا الهدف تمّ أخيراً اطلاق حملة توعية بعنوان "لحياة زوجية افضل"، برعاية شركة ELI LILLY في المناطق اللبنانية كلها، ومنها بيروت، صيدا، برمانا، جونية وزحلة بهدف الوصول الى أكبر عدد من الرجال الذين يعانون هذه المشكلة وغير القادرين على البوح بها وحلها.
فالضعف الجنسي عند الرجال، بحسب منظمة الصحة العالمية، عٌرف بأنه "عجز مستمر عن تحقيق أو مواصلة انتصاب العضو الذكري بصورة كافية لتحقيق جماع جنسي مشبع". ويلاحظ تشديد المنظمة منذ العام 1992 على تسمية المرض بالضعف الجنسي، وليس "العجز الجنسي"، كون ايجاد الحلول اللازمة ليس مستحيلاً، ولا سيما أن الأطباء يجمعون على أن بعض العجز نفسية وحالاته شائعة جداً، اذ ان 5% من الرجال يعانون منه في مرحلة ما بعد سن الأربعين.
ويشير الدكتور عماد غنطوس، الاختصاصي في جراحة المسالك البولية والأعضاء التناسلية، الى أن "80 في المئة من حالات الضعف الجنسي تسبّبها عوارض جسدية، بينما الـ 20 في المئة المتبقية ناتجة من دوافع نفسية". لافتاً الى أنه في كثير من الحالات "تتزامن العوارض الجسدية والنفسية، لتكون معاً مسؤولة عن هذا الخلل الوظيفي".
قد يحدث العجز الجنسي في أي سن، لكنه غير شائع بين صغار السن من الرجال، والنسبة الأكثر شيوعاً تكون بين المتقدمين في السن. فعندما يبلغ الرجل من العمر 45 عاماً قد يعاني لبعض الوقت عجزاً بسيطاً في عمليات الانتصاب، ثمة احصاءات تفيد بأن العجز الكامل يزيد بنسبة 5 في المئة بين الرجال الذين يبلغون من العمر 40 عاماً، وتشكل النسبة رقماً أكبر لتصل الى 15 في المئة بين الرجال الذين يبلغون من العمر 70 عاماً أو أكثر. وقد يكون العجز الجنسي أولى علامات الاصابة بأمراض قلبية ووعائية كامنة، وخصوصاً تصلب الشرايين العصيدي في شرايين القلب التاجية وشرايين العضو التناسلي الأصغر حجماً. وعن أبرز الأسباب العضوية، بحسب الدكتور غنطوس، هي "تصلب الشرايين، وارتفاع ضغط الدم، وأمراض الأوعية الدموية، ومرض السكري الذي يؤدي الى تلف في الأوعية الدموية المغذية للعضو الذكري، ولذلك يعاني اثنان من بين ثلاثة رجال مصابين بالسكري الضعف الجنسي".
ويتابع موضحاً أن الأسباب النفسية يندرج تحتها القلق حول الآداء الجنسي، وهو حالة شائعة جداً في العالم العربي، والتوتر، والاكتئاب ومشاكل العلاقات الزوجية، التي قد تنتج عن عوامل اقتصادية، ومادية أو حتى اجتماعية. اذ أن نمط الحياة وأسلوب المعيشة يؤثران حتماً على الاداء الجنسي. كذلك ثمة مسبّبات أخرى كالادمان وتناول الكحول والتدخين وعدم ممارسة الرياضة.
ورغم كثرة المسبّبات يؤكد غنطوس أن واقع الضعف الجنسي تغيّر كثيراً مع السنين على الصعد المختلفة، فالعلاجات أصبحت بسيطة والحلول كثيرة مما يخفف من وطأة المشكلة على الرجل الذي يبقى مصراً في معظم الأحيان على زيارة الطبيب وحده بهدف ابقاء الأمر سراً. فالخيارات العلاجية للضعف الجنسي كثيرة، قد تقتصر تارة على اجراء تعديل بسيط في نمط الحياة، كالاقلاع عن التدخين أو على علاجات نفسية، وطوراً على تناول الأدوية والهورمونات أو حتى اللجوء الى جراحة زراعة جهاز تعويضي.
الأمراض المسبّبة
هناك أسطوانتان تحوطان بالعضو الذكري للرجل، هما متوازيتان لقناة مجرى البول. وعندما يشعر الرجل بالاثارة الجنسية، يوصل الجهاز العصبي الاثارة الجنسية الى العضو الذكري، ثم تبدأ الأوعية الدموية في الامتلاء بالدم ثم يحدث الانتصاب. واذا حدث أي شيء يعوق هذه العملية يحدث ما يسمّى بالخلل الوظيفي الجنسي.
لذا تتضاعف نسبة هذا الضعف عند المصابين بالسكري، وهو المرض الذي يعتبر من الأمراض الأكثر ارتباطاً بحدوث العجز الجنسي، والأكثر شيوعاً في المجتمعات العربية، التي يوجد في بعضها مصاب واحد بالسكري من كل ثلاثة أشخاص تقريباً. فالمرضى الذين يعانون السكري لمدة طويلة، كذلك المرضى الذين ليس لديهم انضباط في نسبة السكر بالدم معرضون أكثر للاصابة بالضعف الجنسي، حيث ينخفض لديهم التوصيل الشرياني للدم وبالتالي يتأثر الانتصاب بصورة كلية. أما المرضى الذين لديهم انضباط في نسبة السكر وكذلك المصابون بالسكري حديثاً، فيكون احتمال اصابتهم بالعجز الجنسي التام أقل بكثير. كما أن سكر الدم يسبّب العجز الجنسي من خلال اتلاف الأعصاب المسؤولة عن الاحساس Sensory nerves، وهي حالة تسمّى باعتلال الأعصاب الناتج من مرض السكري، بالاضافة الى وجود عوامل أخرى الى جانب مرض السكري تزيد من احتمالات تعرض الرجل للاصابة بالعجز الجنسي، وهي تدخين السجائر وعدم القدرة على السيطرة على معدلات الجلوكوز بالدم. واذا كان الاعتلال العصبي وتصلب الشرايين عاملين مساهمين في زيادة مخاطر تعرض الرجل للاصابة بالعجز الجنسي، فان هناك مرضاً آخر متصلاً بالعضلات يساهم فيه أيضاً Myopathy والذي تقل معه مرونة العضلات في الغرفة الأولى من العضو الذكري وبالتالي عدم القدرة على حدوث الانتصاب.
ارتفاع ضغط الدم
المريض بضغط الدم المرتفع أو الذي يعاني تصلب الشرايين تزداد معه احتمالات الاصابة بالعجز الجنسي، والمقصود به هنا الضغط الأساسي (أي الذي لا يتسبب فيه مرض آخر) Essential hypertension.
ورغم عدم التوصل الى علاقة الضغط المرتفع وما يحدثه من خلل في وظائف الانتصاب، لكن المرضى الذين يعانون ضغط الدم كمرض غير ناتج من مضاعفات مرض آخر، يكون افراز الأكسيد النتري لديهم بواسطة شرايين الجسم (بما فيها شرايين القضيب) بمعدلات أقل، ولذا يشك العلماء في أن معدلات الأكسيد النتري المنخفضة قد تكون سبباً في حدوث العجز الجنسي عند مريض ضغط الدم.
أمراض الأوعية الدموية
السبب الرئيسي وراء الاصابة بأمراض الأوعية الدموية هو تصلب الشرايين، والذي ينتج من تراكم الترسبات على جدار الشرايين ما يؤدي الى ضيقها وتصلبها، وبالتالي الى قلة التدفق الدموي بداخلها وامداده الأعضاء الحيوية للجسم. ويؤثر تصلب الشرايين على شرايين الجسم كلها، وتزداد الحالة سوءاً مع ضغط الدم ومعدلات الكوليسترول المرتفعة، بالاضافة الى تدخين السجائر ووجود المعدلات المرتفعة من الجلوكوز في الدم.
فعندما تضيق الشرايين التاجية (وهي الشرايين التي توصل الدم الى عضلة القلب) يحدث تصلب الشرايين ثم الأزمة القلبية والذبحة الصدرية، وعندما تضيق الشرايين الدماغية (الشرايين التي تمد الدم للمخ) بفعل تصلب الشرايين تحدث السكتة الدماغية. وبالمثل فان الشرايين الموصلة الى العضو الذكري والحوض تضيق أيضاً بفعل التصلب، وبالتالي عدم وصول الدم الكافي الى العضو الذكري لحدوث الانتصاب. وثمة علاقة وثيقة بين درجة حدّة تصلب الشرايين وبين الخلل في عملية الانتصاب، والمثل على ذلك أن الرجال الذين يعانون أقصى درجات تصلب الشرايين التاجية يعانون أيضاً أقصى درجات العجز الجنسي.
ضمور الأعصاب أو الحبل الشوكي
ضمور الحبل الشوكي أو الأعصاب في الحوض قد يسبّب عجزاً جنسياً عند الرجال، وهذا الضمور قد يكون نتيجة مرض أو اصابة أو من جراء التعرض لعمل جراحي: حوادث السيارات، اصابة أعصاب الحوض من جراحة البروستات، الاصابة بسكر الدم، التصلب المتعدد Multiple sclerosis.
معدلات هورمون التيستيرون المنخفضة
هورمون التيستيرون هو الهورمون الرئيسي للجنس عند الذكور، وهو ليس مهماً من أجل الشهوة الجنسية "اللبيدو" فقط، وانما ثمة أهمية له في الحفاظ على معدلات الأكسيد النتري الطبيعية في العضو الذكري. لذا فان الرجال الذين يعانون من عدم كفاءة وظائف الخصية ينجم عنه قلة افراز هورمون التيستيرون، الأمر الذي يؤدي الى رغبة جنسية ضعيفة والى خلل في وظيفة العضو الذكري وقدرته على الانتصاب.
كما يزيد تدخين السجائر والتبغ من حالات تصلب الشرايين سوءاً، وبالتالي ازدياد احتمال الاصابة بالعجز الجنسي وخلل في انتصاب العضو الذكري، كذلك الهيرويين والكوكايين والكحول التي لا تسبّب في ضمور الأعصاب وحسب، وانما تؤدي الى ضمور الخصيتين ومعدلات منخفضة من هورمون التيستيرون. كما أن بعض العقاقير الطبية يمكن أن تسبّب عجزاً جنسياً مثل العقاقير المضادة للاكتئاب ومضادات الهيستامين والعقاقير التي تعالج ارتفاع ضغط الدم وآلام سرطان البروستات.
• • •
توصل الطب الى اختراع أجهزة تعويضية للعضو الذكري، وتمّ اكتشاف عدد لا بأس به من الأدوية التي تساعد الرجل على تخطي المشكلة والتمتع بحياته، ما أنقذ عدداً كبيراً من الزيجات التي كانت مهدّدة بالطلاق وأدّت الى الانجاب بعد سنوات من الانتظار. ويبقى الأهم أن لا تشترى هذه الأدوية من الصيدليات من دون استشارة أو وصفة طبيب نظراً الى خطورة تناولها، خصوصاً لدى مرضى القلب الذين يتناولون أدوية تحتوي على أي شكل من أشكال النيترات العضوية التي تعمل على توسيع الشرايين. فقد يسبّب تناولها هبوطاً غير آمن في الضغط، الذي يؤدي الى حالات وفاة في بعض الأحيان.
تعليقات: