قلع البطاطا.. اين التسويق
الاستيراد المنافس وغلاء الكلفة وقلة الأمطار أبرز الأسباب..
يمسك المزارع حسن سلوم بعض رؤوس البطاطا أو »الدرنات«، كما يسمي المزارعون نتاج القلع، في سهله في منطقة الدلهمية ويهز رأسه بحسرة الخاسر. يستعجل سلوم عمال حقله للإسراع في التوضيب للانتهاء من آخر مواسم الإنتاج »اللقيس« أي المتأخر. يقول أن الخسائر المتراكمة قد »كسرت« ظهره وأن التجار الكبار والمزارعين الأغنياء يحتكرون هذه الزراعة وأنه لم يعد للمزارع الصغير مكان بينهم«.
بكل اسف على ما تكبده من تعب ودفعه من أموال وخسائر يشرح سلوم واقع مزارعي البطاطا الذين شهدوا موسما اقل ما يمكن القول فيه بأنه »اسود وكارثي«.
يتشارك عشرات المزارعين البقاعيين معاناة سلوم الذي تكبد خسائر مالية كبيرة. خسائر أفقدت معظمهم أكثر من نصف »رأسمالهم« بسبب غلاء كلفة انتاج البطاطا وتحديدا الموسم الاخير المعروف بـ»اللقيس«. يعود الإخفاق إلى أن الزراعة تمت في ذروة الارتفاع العالمي لاسعار المازوت والبذار والمواد الاولية وسواها مما تكفل بإفلاس عشرات مزارعي البطاطا.
بعد سنوات من الخسائر المتتالية تشهد زراعة البطاطا التي عرفها البقاع منذ مئات السنين، وكانت تسمى آنذاك بزراعة الفقراء، تراجعا وتهديدا حقيقيا بالاستمرار. باتت المواسم البقاعية الشهيرة حكرا على كبار المزارعين والاغنياء القادرين على زراعة مئات الدونمات وشراء اطنان البذار الغالية الثمن ومعها الأسمدة والمبيدات والأدوية الزراعية الباهظة الثمن. كما تسمح مقدرات هؤلاء بتأمين التصريف المناسب والتبريد اللازم وسواها من الكلف الانتاجية التي ادت الى افلاس مزارعي البطاطا الآخذين في التناقص المستمر في البقاع.
وتتمثل »الطامة الكبرى« أو »الكارثة«، كما يصفها المزارعون »في كلفة الإنتاج الأخير من موسم »اللقيس« الذي يعتبر الاغلى في تاريخ زراعة البطاطا في مقابل انهيار في الأسعار لا مثيل له« وفق سلوم نفسه.
ويرد المزارعون الأزمة إلى الكميات الضخمة المنتجة من البطاطا في الدول المجاورة بكلفة اقل بأكثر من ثلاث مرات عن كلفة البطاطا اللبنانية. وأدى فارق التكلفة إلى »تكبيل« أيدي المصدرين اللبنانيين الذين عانوا أيضا من إقفال الحدود المستمر والمتعرقل مع سوريا والمشاكل المالية الأساسية والانخفاض المستمر في قيمة الرديات المالية التي تدفعها مؤسسة ايدال كدعم للتصدير الزراعي. وجاء شح الأمطار ليزيد الطين بلة وليرغم المزارعين على زيادة ساعات الري مما رفع من كلفة الانتاج.
وقد استنجدت النقابات الزراعية بالمسؤولين كافة، من وزير الزراعة الياس سكاف الذي تسلم من الوفود الزراعية اكثر من مذكرة مطلبية تتضمن مقترحات عدة لدعم مزارع البطاطا. كما تم شرح هذه المطالب ومناقشتها مع رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الا انها بقيت حبرا على ورق.
وتتلخص أبرز المشاكل في مناشدة المزارعين لوزارة الزراعة للعمل على تأخير دخول البطاطا السعودية الى لبنان حوالي شهر، افساحا في المجال أمامهم لتصريف ما تبقى من انتاجهم المكدس في البرادات، والذي يقدره رئيس نقابة مزارعي وفلاحي البقاع ابراهيم الترشيشي باكثر من عشرين الف طن. ووفق الترشيشي فان البطاطا السعودية دخلت الى لبنان بتأخير ساعة واحدة عن موعدها، فعبرت عند الساعة الواحدة من فجر اليوم الاول للعام الحالي أكثر من ستين شاحنة محملة بالاطنان من البطاطا عبر معبر العبودية، مما أمعن في ضرب المزارع البقاعي والحاق المزيد من الخسائر المالية به والناتجة عن تراجع آخر في الاسعار.
»هو العام الأسود لمزارعي البقاع«، حسب ما يقول المزارع عبدالله الموسوي الذي يصف موسم البطاطا »اللقيسة« الأخير بموسم »المصائب والنكبات« عند مختلف المزارعين الذين تكبدوا الكلفة الإنتاجية الأغلى هذا الموسم، »فالري حصل في ذروة ارتفاع اسعار النفط بسعر ٣٤ الفا لصفيحة المازوت الواحدة. وترافق غلاء الوقود مع لهيب أسعار المواد الأولية من بذار اوروبي هو الأغلى في خلال السنوات الماضية، نظرا لارتفاع سعر اليورو آنذاك. وانعكس اليورو بدوره ارتفاعا على اسعار المواد الزراعية والتوضيب والنقل وسواها، في حين بقيت أسعار البطاطا دون الكلفة.
ويعزو رئيس نقابة مزارعي البطاطا في البقاع جورج الصقر أسباب تراجع زراعة البطاطا واقتصارها على كبار المزارعين الى ارتفاع الكلفة والخسائر المتتالية التي لحقت بالمزارعين وتحول المزارعين إلى زراعة القمح والحشائش والزراعات الاخرى ذات الكلفة منخفضة، عدا عن التطور الحاصل في الدول المجاورة على صعيد زراعة البطاطا التي كانت في السنوات العشر الماضية، محصورة بالإنتاج اللبناني.
ويحمّل الصقر الدولة وغياب السياسة الزراعية مسؤولية انهيار مزارعي البطاطا، مطالبا باعادة العمل ببرنامج دعم »اكسبورت بلاس« على أساس الرديات المالية الكاملة والغاء الحسومات المالية التي ستصل خلال الشهر المقبل الى حدود ستين بالمئة من قيمة الدعم مما يعني ان المشروع قد توقف نهائيا.
ويؤكد الصقر انه منذ بدء وضع العقبات امام مشروع »إكسبورت بلاس« تدنت أسعار الخضار إلى أكثر من ٦٠ في المئة مباشرة وطالت جميع الأصناف مثل البطيخ والبصل والبطاطا والبندورة والخس، حيث لا يتجاوز سعرها اليوم الـ٢٠ في المئة من كلفتها، ووحده ثمن المحروقات يحتاج الى ٥٠ في المئة من الأكلاف الإنتاجية.
وكان مزارعو البطاطا قد شهدوا موسماً رائعاً ومربحاً في العام ٢٠٠٧ . يومها عوضوا جزءاً من خسائر السنين التي سبقت، »لكن من لم يزرع في ذلك العام وعاد الى الزراعة في العام ٢٠٠٨ لن يزرع ابدا في المستقبل نتيجة الإخفاقات التي مني بها«، والكلام للصقر.
كان الصقر يزرع في السنوات السابقة حوالي ألفي دونم بطاطا على طول مساحة البقاع، انما اليوم لن يكون بمقدوره زرع سوى خمسمائة دونم وحصر هذه المساحة في البقاعين الغربي والاوسط والاستغناء عن هذه الزراعة في محافظة بعلبك ـ الهرمل بسبب قلة الامطار وصعوبة وزيادة الكلفة الري الاصطناعي في المنطقة.
يؤكد الصقر على تراجع يتراوح ما بين ٣٠ الى ٤٠ في المئة من المساحات الزراعية لموسم البطاطا لهذا العام، بسبب عدم وجود سيولة مالية لدى غالبية المزارعين.
ويتوافق كلام الصقر مع معاناة المزارع حسين علي زعيتر من مزارعي سهل بعلبك الذي ينتظر »رحمة الله والامطار« و اذا بقيّ الحال على ما هو عليه من تراجع كمية المتساقطات »فلن يكون هناك زراعة ابدا«.
ووفق ما يقول زعيتر فان سهل بعلبك ومزارعي المنطقة هم الأكثر تضررا من واقع الزراعة المتراجع ومن قلة الامطار، مطالبا »بالعمل على تنفيذ مشاريع مائية لانقاذ مئات العائلات والقطاع الزراعي في بعلبك«.
وتنحصر الحلول الموجودة حاليا لدى الحكومة وتحديدا وزارة الزراعة، بالتفتيش والعمل على شراء كميات من البطاطا اللقيسة المكدسة في البرادات. ويلفت نائب رئيس الاتحاد الوطني للفلاحين علي المولى الى قيام وزير الزراعة الياس سكاف باجراء اتصالات مع مؤسسة الوليد بن طلال لشراء انتاج البطاطا من المزارعين.
للمفارقة منذ سنوات قليلة خلت، كانت المملكة العربية السعودية، ذات الارض الصحراوية تنتظر شاحنات البطاطا اللبنانية بكل لهفة لتؤمن احتياجات مستهلكيها من هذه السلعة الغذائية. اليوم يناشد المزارع البقاعي من يقفل حدوده امام البطاطا السعودية.
تعليقات: