المواطن دعبوس يشير إلى اساس ما كان منزله في الخريبة
الخريبة:
لا يجد أهالي بلدة الخريبة، إحدى قرى العرقوب المنكوبة، سبباً واضحاً لتخلي الدولة وتنكرها لحقوقهم، بالرغم من الثمن الغالي الذي دفعوه نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة عليهم. ووصل العدوان الهمجي على الخريبة إلى حد التدمير الشامل وجرف منازلهم وسرقة حجارتها وآثارها، اضافة الى تغيير معالمها خلال عدوان لئيم بدأ في ١٢ ايار من العام ١٩٦٨ واستمر لعدة ايام متتالية. يومها لم يبق حجر على حجر في الخريبة، والصيف الماضي استعان أهلها بكبار السن من بينهم بعد الصعوبات التي صادفتهم خلال تحديد دقيق لمنازلهم وحقولهم، وذلك لإنجاز مسح أملاكهم. ونفذّت عملية المسح فرق تابعة لمصلحة المساحة في وزارة الداخلية، من ضمن مسح شامل تنجزه الدوائر العقارية وللمرة الأولى منذ الاستقلال في المنطقة.
بالكاد يقتنع المرء ان بلدة اسمها الخريبة كانت قائمة على هذه التلة الغناء الواقعة عند الأطراف الغربية للعرقوب. تتميز حقولها الخضراء الغنية بمختلف أنواع السليقا البرية، عن محيطها بأعداد قليلة من الحجارة الصماء المتقاربة الأحجام والمبعثرة بشكل عشوائي. و»الحجارة هي بقايا حوالى ٦٠ منزلاً كانت قائمة على أرض الخريبة« وفق ما يقوله احد ابنائها زهير دعبوس. صادف دعبوس صعوبة في تحديد منزله العائلي والحديقة الصغيرة التي كانت تحيط به »فالقصف المدفعي الصهيوني والغارات الجوية كانت كافية لهدم المنازل بما فيها كنيسة مار الياس التي كانت في وسط البلدة«. وطال التدمير،وفق دعبوس، خان قديم عند طرف الخريبة الشرقي، إضافة إلى سوق تجاري اسبوعي كانت تعرض فيه المنتوجات المحلية وخاصة الإنتاج الزراعي وحسب الأهالي إن التدمير الكامل لم يشف غليل الدولة العبرية على ما يبدو، فانتقمت منها كونها »كانت في تلك الفترة مقراً عسكرياً لقائد قوات الـ ١٧ في منظمة التحرير الفلسطينية والمعروف بحسن الهيبة، وأبادوها »عن بكرة أبيها«. واستقدم الإسرائيليون، وبعد التدمير الشامل للبلدة، جرافات كبيرة وجرفوا المنازل المدمرة أصلاً وسووها بالأرض. غيرت الآليات معالم الخريبة حتى باتت البلدة بكاملها اشبه بحقل بري مهجور. ولم يكتف الغزاة بعملهم بل نقلوا حجارة المنازل واستخدموها في تحصين مواقعهم في مزارع شبعا، كذلك وحسب شهود عيان، وقامت فرق فنية وخبراء آثار إسرائيليون، ولأسابيع عدة بالبحث والتنقيب ونبش المواقع الأثرية ومنها ما وجد تحت مبنى الكنيسة وعند أطرافها. وشوهدت مروحيات وشاحنات كبيرة تنقل كميات كبيرة من الآثار المكتشفة والقيمة الى داخل فلسطين المحتلة.
يقول دعبوس الذي اختاره الأهالي في لجنة من بينهم لملاحقة التعويض وإعادة الإعمار، »ان الجهات المعنية في التعويض كانت قد ارسلت بتاريخ ٢٦/١٠/١٩٧١ لجنة عسكرية من الجيش اللبناني للكشف على الأضرار، وعند وصولها الى مشارف البلدة بحوالى خمسمئة متر انفجر لغم ارضي اسرائيلي بسيارتها العسكرية، ادى الى مقتل اعضاء اللجنة الأربعة وهم، وفيق دعبوس، الرائد يوسف يونس، المعاون اول ميخائيل دعبوس، الرقيب اول خليل زيتوني، وجندي من آل شربل. وعلى اثر هذه الحادثة المفجعة توقفت أعمال الكشف لتتجدد في وقت لاحق، بحيث تم إنجاز ملف كامل وشامل عن الخريبة. وفي أعقاب التحرير في العام ٢٠٠٠ تقدم الأهالي من مجلس الجنوب بـ ١١٩ طلب تعويض ضم اصلاً وفرعين من السكان، وذلك حسب اتفاق تم بينهم وبين الجهات المعنية في مجلس الجنوب، و»منذ تلك الفترة وبعد حوالى ٤١ عاما من الانتظار، لم تدفع لنا الدولة ليرة واحدة. ومن الحجج »الواهية« التي سمعها الأهالي مثلاً، ان سقوف منازل البلدة كانت من التراب »بات سقف التراب سبباً للمسؤولين لحرماننا من حقوقنا« وفق دعبوس.
ويستغرب رئيس بلدية راشيا الفخار غطاس الغريب التجاهل المستمر من قبل المعنيين لحقوق سكان بلدة الخريبة، والذين يتجاوز عددهم الـ ١٢٠٠ نسمة تشتتوا في اكثر من عشر قرى مجاورة. كما وغادر الكثير منهم إلى بلاد الاغتراب معلنين عدم العودة الا في حال تمت عملية اعادة اعمار بلدتهم، والتي الحقت ادارياً وبشكل مؤقت ببلدة راشيا الفخار المجاورة ريثما يتم التوصل الى صيغة تعيد السكان الى منازلهم. ويؤكد الغريب »أن بلدة الخريبة كانت من أولى البلدات في العرقوب وحتى في الجنوب، التي دمّرت ومسحت وهجرت ولم يلتفت اليها أي مسؤول«.
تصف وداد مراد (٧٨عاما) بلدتها الخريبة بـ»أم البلدات المحرومة، فلا تعويضات تلقت ولا حتى لفتة استحقت، وكأنها في كوكب آخر مغاير لعالمنا«. وتتعجب مراد وتسأل عن التخاذل وكل هذا التميز في التعاطي، لتقول »لكل الجهات المعنية ان الخريبة لمن لا يعرف او يتنكر، بلدة لبنانية سحقت ولم تجد من يبلسم جراحها، فلماذا استثنيت من التعويضات ومن يحمل الجواب يتفضل ويرد على تساؤلاتنا؟«.
ولا تجد زكية مسعد (٨٠ عاما) »أسباب تبخر حقوق الخريبة، فهذه كفرشوبا وكفرحمام والهبارية وحلتا كلها قرى مجاورة، قبض اهلها الكثير من تعويضاتهم واعيد بناء منازلها ورجع اليها سكانها، الا بلدتنا بقيت يتيمة محرومة لا حياة فيها سوى لقطعان الماشية التي تجد في حقولها اشهى المراعي«.
لم يترك أهالي الخريبة باباً إلا وطرقوه. زاروا الكثير من المسؤولين ومن النواب وناشدوا الجهات المعنية علهم يرحمون البلدة وأهلها. »لقد صم الجميع آذانهم واداروا وجوههم عنا دون ان نعرف الأسباب«، تقول مسعد مضيفة »ولكن بعد هذه الفترة الطويلة من التجاهل ومع موسم الإنتخابات، نأمل ان يقف الجميع عند مسؤولياتهم علّهم يعيدون بناء بلدتنا لتتسنى لنا العودة خاصة نحن كبار السن، والذين نأمل ان نموت وندفن في تراب ارضنا، والتي تفتقر ايضا للمدافن التي دمرتها الآلة العسكرية الإسرائيلية، فهل ستلقى صرختنا آذانا صاغية هذه المرة؟«.
تعليقات: